الطبيب الشاب إيلي ديب حدشيتي، عالم لبناني آخر ينضم إلى قائمة المبدعين اللبنانيين بعد أن توصل إلى اكتشاف جديد لمعالجة سرطان الرأس والعنق، وذلك من خلال تخفيض نسبة البروتيين Hsp 27 الى جانب العلاج بالأشعة.
الاكتشاف نال البراءة الرسمية من المنظمة العالمية لملكية الحقوق الفكرية، وهو نجح في تجاربه الأولى على الفئران، ويبقى أن تتأكد على الإنسان، ليعطي الطب سلاحاً جديداً في مواجهة المرض الخبيث.
حدشيتي حائز على بكالوريا علوم اختبارية، وتابع دراسته في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية ليحصل على إجازة في الكيمياء الحياتيةBiochemistry ، ومن توجّه الى فرنسا لإتمام دراساته العليا حيث حصل علىMaster In Biochemistry فكان التحضير لأطروحته في مختبر فرنسيLaboratory Of radiology of cellular and molecular biology At التابع للمركز الطبي الجامعيHospital of University of Lyon (CHU)، وقد أشرفت على أطروحة الدكتور حدشيتي البروفيسور كلير رودريغز لافراس خلال أربع سنوات اعتباراً من اكتوبر 2004.
التقته "غدي نيوز" في بيروت وحاورته عن إنجازه ومسيرته الاكاديمية، وعرض بصوته الخافت وتواضع العالِم لما حققه في ميدان الطب من اجل الانسانية جمعاء، وفي ما يلي نص الحوار:
-في البداية، هل يمكن أن نطل على تفاصيل مرتبطة بما انجزت على مستوى أطروحتك التي شكلت سبقاً مهماً في المعركة المستمرة مع السرطان؟
في المختبر حيث عملتُ على أطروحتي، يعملون على نوعَي سرطان: سرطان الدم وسرطان الرأس والعنق. الأول يتجاوب مع العلاج بالأشعة، فيما النوع الثاني لا يتجاوب ابداً، من هنا كانت ثمة محاولة لإيجاد الفارق بين النوعين والسبب الأساسي الذي يؤدي الى مثل هذه النتائج، ومن المعروف علمياً أن داخل الخلايا السرطانية توجد بروتينات عديدة تعمل لحمايتها ضد أي علاج، وقد اخترنا العمل على بروتين الـ Hsp 27 المعروف بدوره الأساسي في مقاومة العلاج الذي يؤدي الى قتل الخلية السرطانية، كان همنا التأكد من وجود هذا النوع من البروتيين في نوعَي السرطان فكانت النتيجة: وجود الـ Hsp 27 بكميات كبيرة في سرطان الرأس والعنق، وانعدامه في سرطان الدم، وهذه كانت أول خطوة في بداية الإكتشاف، حاولنا بعدها تخفيض كمية هذا البروتيين لإظهار مدى تجاوب الخلايا مع هذا العلاج. فقمنا باستعمال حمض نووي مضاد (ADN - Anti - Sens) لعمل الـ Hsp 27، وهو ما يوقف فرزها في الخلايا. كانت التجربة كمرحلة أولى، على خلايا معزولة لثلاثة أنواع سرطان: الرأس والعنق، الدماغ والبروستات. وتوصّلنا الى نتيجة إيجابية في جميع الحالات، واستنتجنا أن هذه الطريقة في العلاج، بالإضافة الى علاج الأشعة، ممكن أن تؤدي الى موت الخلايا السرطانية.
-ما هي الآلية التي عملتم من خلالها للتوصل الى هذا الاستنتاج؟
هي الآلية ذاتها المعتمدة في أي بحث علمي في هذا المضمار، أي تطبيق الاستراتيجية ذاتها على الفئران، فكان البروتوكول الأول الأساسي للدراسة، وفي المرة الثانية كانت النتائج أفضل، زرعنا سرطان الرأس والعنق لدى عدد من الفئران، لأن نسبة هذا النوع عالية وعلاجه دقيق جداً لما له من آثار جانبية على المريض، إذ تتسبب بمضاعفات تجميلية وعملية (أوتار الصوت، التنفس...الخ). وعملنا على تقسيم فئران التجربة الى ثلاث فئات: فئة لا تتلقى العلاج، وأخرى تتلقى علاج الأشعة فقط، والفئة الثالثة تتلقى علاج الأشعة مع استراتيجية تخفيضHsp 27، فكانت النتيجة أننا توصّلنا إلى إزالة 70 بالمائة من الورم، وتأخير نمو المرض مقارنة مع العيّنات التي لا تتلقى علاجاً. وما توصلنا إليه هو أن هذا العلاج الذي يضعف الخلية السرطانية، يجعلها تتجاوب مع علاج الأشعة بشكل أسرع وذلك من دون آثار جانبية سلبية على الأعضاء الحيوية (كالدماغ والكبد...). ما يعني عملياً تقليص جلسات الأشعة التي يخضع لها المصاب بالمرض، وبالتالي الحدّ من آثارها السلبية على الخلايا السليمة غير السرطانية في جسمه.
-لماذا اخترت السرطان ميداناً لأبحاثك وتخصصك، بالرغم من أن هذا المرض ما زال مستعصياً على العلم؟
في البحث والعلم والدراسة لا شيء مستعصياً، نسعى دائماً لإيجاد الحلول، ففي كل نتيجة هناك عقدة صغيرة ونحن نحاول إيجادها وحلها. وفي البحث، حتى ولو لم نصل الى نتيجة يُعتبر ذلك نتيجة، إذا لم تنجح الطريقة التي اعتمدناها، نحاول أخرى، وما ساعدني ايضاً على المتابعة وعدم التراجع، هو مستوى العمل الممتاز في المختبر الذي عملتُ فيه. إذ استطعت إيجاد الدعم التقني والمعنوي اللازمين، ما شجعني وزاد حماستي للتوصل الى نتائج إيجابية.
-ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتها خلال مراحل الاكتشاف؟
ما توصّلنا اليه كان نتيجة أربع سنوات من العمل، إذ كنا نعمل على الخلايا، التي لا تنجح التجارب عليها دائماً، والأكثر صعوبة، مرحلة التجارب على الفئران، التي تأخذ وقتاً طويلاً. بدءاً بزراعة المرض وانتظار نموّه الى حجم معين لبدء العلاج، والتحاليل التي تُجرى بعد العلاج. كل ذلك يحتاج الى وقت للتنفيذ، وبالطبع خلال فترة التجارب، نكون دائماً في شوق لمعرفة النتائج ومدى نجاح استراتيجيتنا.
-نلتَ براءة اكتشاف علمي من المنظمة العالمية لملكية الحقوق الفكرية باسمك وباسم البروفسور المشرفة على الأطروحة، كيف تمّ ذلك وما كان شعورك لدى إحرازه؟
قدّمنا النتائج الأولية للبحث في 5 آذار (مارس) 2007 وقُبلت رسمياً من المنظمة العالمية لملكية الحقوق الفكرية (تسجيل النتائج الأولى ضروري للتأكد من عدم إزدواجية الفكرة مع أحد آخر). بعدها تابعنا العمل وأرسلنا نتائج الدراسة الثانية تأكيداً لنتائج الأولى، وقدّمنا التطوير الذي جرى على العلاج، فقُبل الاكتشاف رسمياً في 5 آذار (مارس) 2009 بعد التأكّد من دقة النتائج وصحتها، هذا الإنجاز مرّ بمراحل عديدة اندمجت خلالها مشاعري بين الشوق والحماسة والخوف. وكلما كنت أصل الى نتيجة معينة، كانت السعادة تعتريني وكنت أزداد حماسة لأتابع فأصل الى النتائج المرجوّة والنجاح.
-ماذا بعد براءة الإكتشاف؟
تخرّجت في 23 كانون الثاني (يناير) 2009 وعدت الى لبنان آملاً إكمال مشروعي في وطني، الى جانب مشاريع أخرى. ولكن الأهم هو متابعة تطبيق العلاج بالتنسيق مع المختبر في فرنسا، ومع الشركة الكندية التي زوّدتنا الحمض النووي المضاد للـ Hsp 27، لدي الكثير من المشاريع لكنها ما زالت قيد الدراسة، أحاول ضمنها إيجاد التنسيق مع مختبر لبناني لمتابعة المشروع ولإفادة اللبنانيين والعالم. فبعد مرحلة الاكتشاف، هناك الكثير من المراحل والدراسات للوصول الى تطبيق العلاج على الإنسان، نحاول قدر المستطاع النجاح في هذا المشروع، كما أفكر بالتعليم في جامعات لبنانية الى جانب اهتمامي الرئيس الذي يرتكز على مرض السرطان.
-توصّلت الى إكتشاف عظيم للبشرية، لماذا لم تظهر بعد في الإعلام اللبناني على الأقل أو كمرحلة أولى؟
تُنشر الدراسة في المجلة العلمية الأميركية Molecular Therapy، هذا كبداية، وقد ظهرتُ في بعض وسائل الإعلام.
-لكن اقتصر على خبر متعلق بحصولك على براءة الاكتشاف؟
صحيح، لكنني أودّ التشديد هنا على أن الاكتشاف الذي توصّلنا اليه نجح في الاختبارات على الفئران ولم يُطبّق بعد على الإنسان. فالعلاج ما زال في مراحله الأولية ويحتاج الى وقت ليُطبّق وتصبح النتائج نهائية وأكيدة، هذا بالإضافة الى وجود بروتوكول معيّن في ما يتعلق بتناول الإكتشاف في الإعلام.
-ما الكلمة التي توجّهها الى الشباب اللبناني والعربي؟
كانت لي تجربتي في المهجر، وصادفت الكثير من الشباب اللبنانيين والعرب الذين يملكون الطموح والقدرات في كل المجالات. وصراحة أقول يجب ألا تضيع كل هذه الموارد البشرية الأساسية لنموّ وتطور بلداننا العربية، مع العلم أن السبب هو افتقارهم الى الدعم المادي والمعنوي، وإنني أدعوهم للعودة الى أوطانهم، ولو أن الأمر فيه الكثير من الصعوبات والمخاطرة، لكن باستطاعتنا التأثير إيجابياً لتتحوّل الدول العربية الى أوطان حاضنة لهم. وأوجه نداءً الى الدول التي هي المسؤول الأول عن دعم الشباب العربي وإبداعه، وأقول ان من واجبها أن تقدم لهم التسهيلات ليعودوا ويساهموا بطاقاتهم ومشاريعهم الإبداعية في بعث النهضة العربية الحديثة.