"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
أعاد وزير البيئة محمد المشنوق مشكلة مزارع الأبقار والمسالخ في "منطقة الأمراء" في مدينة الشويفات إلى دائرة الضوء، في كتاب وجّهه الى "وزير الداخلية نهاد المشنوق يؤكد فيه على طلب وزارة البيئة وقف المخالفات الناجمة عن الآثار البيئية السلبية التي يسبّبها استثمار تجمع لمزارع الابقار والخراف في منطقة الامراء في الشويفات وبالقرب من مؤسسات صناعية مختلفة وذلك بناء على الشكوى المقدمة من بلدية الشويفات وتجمع صناعيي الشويفات وجوارها الذين اعترضوا على الروائح الكريهة والتلوث البيئي".
إلا أن الكتاب لم يتضمن الجانب الآخر لمشكلة لا تقتصر تبعاتها ونتائجها على المناطق القريبة الآهلة بالسكان فحسب، وإنما تطاول حرم "مطار رفيق الحريري الدولي"، فالروائح المنبعثة من المزارع "تستقبل" المغادرين والقادمين عبر المطار على مدار السنة، وإن كانت أكثر حدة بما يقارب الفضيحة صيفا، ما يعني أن المشكلة حاضرة يوميا بقوة الروائح المنبعثة، ومعروفة من جميع المسؤولين وليست بحاجة إلى تذكيرهم بها من خلال رفع كتاب أو التقدم بشكوى، خصوصا أن الروائح تنفذ إلى "صالون الشرف"، على ما أشار لـ "غدي نيوز" مسؤول في احدى المؤسسات العامة، لافتاً إلى "اننا شعرنا بالحرج ونحن نستقبل في صالون الشرف وفدا أوروبيا السنة الماضية".
والمشكلة التي ينوف عمرها على اربع سنوات، قائمة بالقرب من مناطق سكنية، وهي تمثل نحو خمس عشرة مبنى موزعة بين مزارع ومسالخ مخالفة لأدنى الشروط الصحية والبيئية، وهي تمثل إطارا فاضحا لمشكلة ما تزال إلى الآن عصية على الحل.
بلدية الشويفات
بلدية مدينة الشويفات واكبت هذا الملف منذ سنوات عدة، إلا أنها لم تتمكن من متابعته بعد أن أقصتها إحدى الوزارات عن المعالجة، وأشار رئيس البلدية ملحم السوقي إلى أن "ملف هذه القضية مكتمل بالنسبة الينا كمجلس بلدي من مختلف النواحي"، وقال: "وقد تم الكشف سابقا من قبل الطبيب البيطري المختص، فضلا عن الكشف الذي قامت به البلدية من خلال المسؤولين في قسم الاشغال مع المراقب الصحي، وقمنا بكافة الاجراءات في هذا المجال".
وأضاف السوقي: وبعد استكمال الملف كنا بصدد استصدار قرار بالإقفال، الا أننا تلقينا اتصالا من وزارة الصناعة وقتذاك، وقيل لنا أننا كبلدية لا يحق لكم إقفال المزارع، وان مثل هذا القرار يأتي من وزارة الصناعة، وتركنا الملف في عهدتها".
مع المواطنين
واستغرب فادي علاء الدين أن "تكون منطقة تضم نصف مليون نسمة من الشويفات الى الضاحية ملوثة بالروائح"، مشيراً إلى أن "المشكلة تفترض نقل المزارع والمسالخ إلى أماكن بعيدة عن المناطق السكنية"، لافتا إلى أن "ليس ثمة جهة سياسية تقبل بما هو قائم الآن"، معتبرا أن "عدم تطبيق القانون مرده الى وجود بعض النافذين بقوة السلطة والمال ولا هوية سياسية لهم".
واعتبر شادي الجردي أن "المشكلة لا نعيش تبعاتها المباشرة على الصحة فحسب، وإنما على مستوى حرمان المنطقة من الاستثمار السياحي"، لافتا إلى أن "المواقع التي تنتشر فيها المزارع يمكن الافادة منها ببناء فنادق لقربها من المطار، ما يساهم في خلق فرص عمل دائمة تساهم في الحد من مفاعيل هجرة الشباب".
وزارة البيئة
مصدر مسؤول في وزارة البيئة أكد لـ "غدي نيوز" أن هذه القضية كانت حاضرة في اللقاء الذي جمع وزير البيئة مع مدير عام البلديات العميد الياس خوري خلال زيارة الاخير للوزير محمد المشنوق"، وأشار إلى أن "الوزير يولي اهتماما بهذه القضية كما غيرها من القضايا البيئية التي تفترض ملاقاتها بحلول ناجزة".
وأكد المصدر أن الوزير المشنوق "اشار إلى وزير الداخلية بضرورة الطلب الى محافظ جبل لبنان بالتكليف تطبيق قرارات الاقفال السابقة الصادرة عنه بتاريخ 18-3-2010 ووضعها موضع التنفيذ لجهة إقفال كافة المزارع والمسالخ غير المرخصة قانوناً نهائياً واقفالها بالشمع الأحمر، وتطبيق قرارات الاقفال السابقة لجهة اقفال كافة المزارع والمسالخ المرخصة قانوناً بشكل مؤقت وعدم السماح بإعادة تشغيلها الى حين وضع خطة ادارة بيئية تتضمن الاجراءات التخفيفية المقترح اعتمادها مع جدول زمني وبرنامج مراقبة لتنفيذها واحالتها الى وزارة البيئة للموافقة عليها ، وتنفيذ مضمون خطة الادارة البيئية وأخذ موافقة الوزارة".
طبيعة بلا حدود
ورأى رئيس "جمعية طبيعة بلا حدود" المهندس محمود الاحمدية أن "ما يهمنا في هذا المجال الجانب البيئي"، ولفت إلى "اننا كجمعية رحبنا بقرار وزير البيئة الاخير وأصدرنا بيانا أكدنا فيه اننا مع اي قرار يقفل منشأة لا تحترم تقييم الاثر البيئي الذي اصبح ملزما بقانون وأقر عام 2013 وبمفعول رجعي، بعهد وزير البيئة السابق ناظم الخوري".
وقال الاحمدية: "بعيدا من السياسة وبغض النظر عن من هم مستثمرو هذه المزارع والمسالخ، فإن الوجه الحضاري لأي بلد هو المطار، وعندما تطالع القادمين الى لبنان الروائح الكريهة المنبعثة من المزارع، فهذا وحده يدل على حجم الكارثة ليس فقط بالبعد البيئي وانما بالبعد الحضاري، لذلك نؤيد بلدية الشويفات التي أعدت ملفا يوثق المخالفات والذي لم يستكمل بالاقفال كخطوة تلقائية، ونجدها فرصة لتأييد قرار وزير البيئة الحالي".
وطالب الاحمدية "بتحديد المسؤوليات وعدم التداخل في ما بين الوزارات بما يخص القرارات على مستوى البيئة وتوحيدها بشكل مطلق لتكون وزارة البيئة صاحبة القرار الاول والاخير في هذا المجال، بمعنى ان تكون الوزارات الاخرى مساعدة لها بما لا يسمح بتداخل الصلاحيات".
من الداخل
تجدر الاشارة إلى أن "غدي نيوز" حصل على صور من داخل المزارع والمسالخ، وبدت فاضحة لجهة عدم الالتزام بالنظافة، فالقصابون يعملون دون ارتداء ملابس معقمة، ومنصات الحديد التي تعلق عليها الذبائح يعتريها الصدأ، فضلا عن أن الأبقار والخراف بدت غارقة في مخلفاتها.
لكن يبقى ثمة سؤال، هل ستتمكن وزارة الداخلية من تنفيذ قرار الإقفال بالاستاذ إلى كتاب وزير البيئة؟ إلى الآن تبدو الأمور معقدة، فالمشكلة في أية قضية بيئية عامة لا تتعلق بدراسة الأثر البيئي، وإنما تتعداها في بلد مثل لبنان إلى "دراسة الأثر السياسي"، وما يصح في مقولة أن وراء كل مقلع وكسارة سياسي نافذ، يصح أيضا في المسالخ والمزارع وغيرها من الارتكابات اليومية بحق البيئة.