"غدي نيوز"
الانحلال الأخلاقي لا يهمّ، التخلّف لا يهمّ، الجهل لا يهمّ، ارتفاع نسبة الجريمة والاغتصاب والعنف كلها لا تهمّ... فالشرف لا يرتبط إلاّ بعذريّة الفتاة.
في مقابل الانفتاح الذي نعيشه في المجتمع اللبناني، وزوال كثير من العادات والتقاليد، بات من الطبيعي أن تعيش الفتاة حياتها، مثل الشاب، كما يحلو لها من دون أن تكترث لنظرة المجتمع لها. فالضغط والعادات الاجتماعيّة الموروثة خلّفت كبتاً جنسياً كبيراً لدى الشباب والفتيات سرعان ما أتت العادات المستوردة من الخارج لتطيح به مخلّفة انفلاتاً أخلاقياً. لاشكّ في أنّ الحياة الجنسيّة تندرج ضمن الخصوصيّات، وأنّ شرف الفتاة لا يرتبط بغشاء البكارة، والمرأة والرجل متساويان في الحقوق والواجبات أمام الله والقانون.
أمام هذا الانفتاح والقناعة بأنّ الشرف لم يعد مرتبطاً بنقطة دم تخرج من الفتاة عند الجماع ليلة زواجها الأولى، لماذا تلجأ الفتيات إلى عمليّات ترميم غشاء البكارة؟ وهل الشاب الشرقي في ظلّ ما يعيشه من انفتاح ما زال يكترث لهذا الغشاء؟ وهل الفتاة التي تجري هذه العمليّة تمارس احتيالاً أخلاقياً أم إنّها تجنّب نفسها مشكلات لا تحلّ بسبب المجتمع الذي يعتبر جسد المرأة ملكيّة خاصّة للعائلة ويُستعمل للترويج لزواجها؟
العذريّة في ميزان الشباب
آراء الفتيات انقسمت، فواحدة تؤيّد إجراء هذه العمليّة خصوصاً أنّ المجتمع الذكوري لا يرحم الفتاة حتى لو كانت ضحية، وتؤكّد أنّ مظاهر الانفتاح التي يعيشها الشاب اللبناني ما هي إلاّ مظاهر سرعان ما تزول عندما يقرّر الارتباط، ولا تلفته إلاّ الفتاة "اللي مش بايس تمّها غير إمّها". أمّا أخرى فتؤكّد أنّ المجتمع قاسٍ على المرأة ولا ينصفها خصوصاً في ما يتعلّق بالحياة الشخصيّة، فهو لا يتقبّل الفتاة المتعدّدة العلاقات ولا يتقبّل المرأة المطلّقة، ومن الطبيعي أن لا يتقبّل الفتاة الفاقدة لعذريّتها قبل الزواج، لذلك طالما أنّ التغيير الحقيقي لم يصلنا على الفتاة أنّ تتأقلم مع المجتمع الذي تنتمي إليه وتمشي بعاداته، وعليها بالتالي أنّ تحافظ على نفسها. وثالثة تقول إنّ الموضوع لا يهمّها ففي حال مارست علاقة جنسيّة قبل الزواج لن تخفيها عن شريكها المستقبلي، فإن لم يتقبّل وضعها فالأمر يعود له خصوصاً أنّها لا تندم على ما قامت به عن قناعة، ولأنّ المرأة لا تقلّ شأناً عن الرجل في كلّ المستويات ويحقّ لها ما يحقّ له.
في المقابل، يرى أحد الشبان أنّ للمرأة حريّتها كما الرجل، ومن حقّها أنّ تعيش حياتها بالطريقة التي تحبّ لكن مع الحفاظ على بعض العادات، فهو لا يمكنه أن يحاسبها على ما عاشته قبل ارتباطها به ولكنّه يفضّل الفتاة العذراء للارتباط بها. شاب آخر يقول إنّ المجتمع اللبناني بات يعاني كثيراً من الانفلات الأخلاقي، ولا يجوز للفتاة أنّ تتصرّف كما الشاب أو أنّ تساوي نفسها به في كلّ الأمور، لأن ميزة الفتاة بخجلها وأخلاقها وبالتالي عليها الحفاظ على عذريتها مهما بلغت بها الأمور. شاب ثالث يقول إنّ الفتاة قد تفقد عذريّتها نتيجة حادثة اغتصاب قد تعرّضت لها ولذلك لا يمكننا محاسبتها، ويؤكّد أنّه لا يمانع الزواج من فتاة مماثلة لأنّ الأساس في الجوهر، شرط أن تكون تصرّفاتها موزونة لا منحلّة أخلاقياً.
حلّ للمشكلات
في هذا السياق، يقول الطبيب النفسي، روجيه بخعازي، لـ"النهار" أنّ ترميم غشاء البكارة هو حلّ لكلّ المشكلات، لأنّ لحظة اختلاف أي ثنائي بعد الزواج يعود الماضي إلى ذهن الرجل، ويهين زوجته لأنّها كانت على علاقة مع غيره قبل الزواج.
ويضيف: "صحيح أنّ المرأة قد تبدأ حياتها الزوجيّة بكذبة، لكن العقل الشرقي لا يرضى إلّا بهذه الكذبة. معظم الشباب يقولون إنّهم لا يكترثون لهذا الأمر لكن العكس صحيح، خصوصاً لدى الشباب الذين تخطّوا سن السادسة والعشرين. هناك كثير من الناس يعيرون أهمّية كبيرة إلى عذرية الفتاة وذلك بحسب البيئة والجوّ اللذين يعيشون فيهما، وإذا كان الشاب ينتمي إلى فكر تقليدي أو جوّ متحرّر، علماً أن الغالبية العظمى متحرّرة بالكلام وليس بالفعل".
ويشير بخعازي إلى أنّ هناك رجالاً يطلبون من زوجاتهم إجراء هذه العمليّة ليشعروا برجوليتهم. ويضيف: "الزواج هو حياة جنسيّة بالأساس وليس فقط عملاً مهنياً. والإشكاليّة ليست بالعلاقة الجسديّة فقط وإنّما بقدرة الشريك على تطبيق لذته مع الآخر، والهوّامات. واللذة والهوّامات هما ما يؤمّنان الديمومة للعلاقة".
ذكور لا رجال
ويقول بخعازي: "في البداية نخلق ذكراً وأنثى. الذكر يتحوّل إلى رجل من خلال التطوّر والتربيّة، والأنثى تتحوّل إلى امرأة بالطريقة نفسها. إذاً، الرجولة والأمومة هما اكتساب تربوي وثقافي. وبالتالي العلاقة الجنسيّة إذا بقيت على مستوى الذكر والأنثى، يعني لا هي شبيهة بالعلاقة الجنسيّة بين الحيوانات، لكن عندما تصبح علاقة رجل وامرأة، يكترث الأوّل لسعادة شريكته في العلاقة، فالاهتمام وحبّ الآخر يعنيان الاهتمام بلذّته أيضاً. وخلاصة القول أنّ العلاقة الجسديّة مرهونة بالبيئة الثقافيّة الحاضنة. مع العلم أنّ هناك شحّاً كبيراً في الرجولة وهناك نسبة كبيرة من الذكورة. فالرجولة والأمومة تنسحب على كلّ الحياة الاجتماعيّة، فيتعلّم الرجل والمرأة التضحية والمسؤوليّة وسماع الآخر".
كيف تتمّ العمليّة؟
ترميم غشاء البكارة عبارة عن عمليّة تجميليّة تتمّ على مرحلتين، حيث يصار إلى ترميم المنطقة كلّها، أي الغشاء وما وراءه وأمامه. ويشرح طبيب في الأمراض والجراحات النسائيّة لـ"النهار" : "يكون المهبل واسعاً، والغشاء ممزّقاً، وشكل هذه المنطقة مختلفاً عمّا كانت عليه قبل العلاقة الجنسيّة. لذلك ترميم غشاء البكارة يتطلّب عملاً تجميلياً دقيقاً، نضع المخدّر الموضعي ونجري العمليّة في المستشفى إذا كنّا نريد ترميم الغشاء، أمّا إذا كانت العمليّة عبارة عن تقطيب الغشاء فقد تتمّ في العيادة".
وتكلّف العمليّة بين الـ500$ والـ1000$، بحسب ما يؤكّد الطبيب، وهي لا تخضع لتخفيضات وزارة الصحّة أو الضمان الاجتماعي لأنّها تندرج في إطار العمليّات التجميليّة.
وعلى إثرها تضيق المنطقة التناسيليّة لدى المرأة مجدّداً، وأثناء الجماع مع زوجها يفضّ بكارتها وكأنها عذراء. ويشير إلى أنّ الرجل لا يستطيع التمييز بين الفتاة العذراء وتلك التي أجرت العمليّة، لكن الجرّاح يمكنه ذلك لأنّ الجرح الناتج من العمليّة لا يزول. مع العلم أنّ 15 بالمئة من النساء لا ينزفن دماً في العلاقة الأولى إمّا لأن الغشاء مطاطيّ، أو لأنّ التمزّق قد يحدث في مكان لا يجري خلفه شريان دم.
كذبة
ويشير إلى أنّ أسباب اللجوء إلى هذه العمليّة متنوّعة، ففي أغلب الأحيان تلجأ إليها الفتاة عندما تقيم علاقة جنسيّة مع شخص في مرحلة ما من عمرها، وتريد أنّ تتزوّج غيره، أو عندما تتعرّض لخديعة من خطيبها ويتركها لاحقاً، وهاتان الحالتان لهما ارتباطات اجتماعيّة. وأحياناً تأتي نساء متزوّجات لإجراء العمليّة بطلب من زوجها والهدف تضيّيق المنطقة التناسيليّة لهدفين، لتشعر هي باللذة مجدّداً عند ممارسة الجنس وليشعر هو برجولته، وهذه أمور لها ارتباطات نفسيّة.
ويؤكّد الطبيب عدم وجود أي موانع قانونيّة لإجراء العمليّة، ولكن هناك موانع اجتماعيّة لأننا نعيش في مجتمع ذكوري ولأنّ إجراء هذه العمليّة هو مساهمة في الغشّ الذي قد يتعرّض له الطرف الثالث أي الزوج. ويقول: "لا شكّ في أنّ المرأة ضحية ولكنّها تبني حياتها الجديدة على كذبة".
عن جريدة "النهار" اللبنانية