الفنان التشكيلي برنار غصوب في حوار مع غدي نيوز

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Friday, July 27, 2012

الفنان التشكيلي برنار غصوب في حوار مع "غدي نيوز":
... الطبيعة كانت وما تزال الملهمة الأولى في رسوماتي ومنحوتاتي

"غدي نيوز" – حاورته صفا ليُّون حجّار

        هو ابن بلدة لبنانية جميلة وعريقة، تنتشر فيها سطوح القرميد، لتبدو كـ "حبوب الرمانة المفتحة"، كما وصفها الشاعر الفرنسي ألفونس دو لامرتين حين زار لبنان وشاهد قرية "بيت شباب" من جهة بكفيا. تبلورت موّهبته مذ كان فتى يافعا على يد جدّه يوسف غصوب، أول من أحضر حرفة صناعة الفخار إلى بيت شباب، واعتُبِرَ أوّل "فاخوريّ" في البلدة.
إنه الفنان التشكيلي اللبناني المهندس برنار غصوب، الأستاذ في الجامعة اللبنانية منذ ٢٦ عاماً، ورئيس قسم الهندسة بمعهد الفنون الجميلة، بدأ مشواره الفني بعمر الثلاثة عشر ربيعاً، وكانت الطبيعة دائماً ملهمته الأولى في مشواره الطويل مع الفن، فانتقى أفكاره وموضوعاته من جمالها وروعتها، حتى غلبت عناصرها على أعماله، وترْجمها إما لوحة تنطُقُ بسحرها، وإما تحفة فنية طالعة من قلب الصخر.
التقيناه في محترفه الفني في بيت شباب وطالعتنا اعماله المنثورة هنا وهناك خارج وداخل المحترف، وبدت وكانها تحمل في صمتها ومضات من روحه الفنية وروح القرية اللبنانية، فمن الجرن الى المحدلة الى الابريق، والجرة، وعدة الفلاح اللبناني القديم، كل ما حولنا يشير الى ايمانه بالارض والوطن والله، استقبلنا بابتسامته اللطيفة وكلمات الترحيب، وكان لنا معه الحوار الآتي:

اطلقتَ اسم "فنون" على محترفك الرائع هذا، مما يدل على ان برنار غصوب صاحب مواهب وفنون متعددة، فماذا عن تعدد هذه المواهب ومن اين كانت الانطلاقة الفنية؟

-انطلاقتي كانت من قريتي بيت شباب، وبعمر الطفولة، حيث كان جدي يوسف غصوب "فاخوري" ونحاتاً، ومن خلال عمله الذي احببته جداً، بدأتُ اتعلم النحت على الخشب، وبالتحديد خشب الزيتون والزنزلخت والتوت، وحزت تلك المرحلة وفي عمر الرابعة عشرة تحديداً على الجائزة الاولى في مسابقة لهواة الفن في احد المعارض في المتن الشمالي، عن قطعة صنعتها من خشب الزيتون وهذه كانت اول حبة في سبحة النجاحات.

نعلم ان انطلاقتك الفعلية كانت من خلال الرسم فماذا تقول؟

-فعلاً بدأت مشواري بفن الرسم، وكانت لي عدة مشاركات في معارض داخل وخارج لبنان، لكني توجهت نحو فن النحت، فالفنان لا يمكن ان يكون نحّاتاً ان لم يتقن فن الرسم، وبراعة النحات الحقيقية تظهر من خلال براعته في الرسم، ولكن صممت على المضيّ في خط النحت، فالتحقت بمعهد الفنون في الجامعة اللبنانية ودرست الهندسة الداخلية، ثم هندسة الحدائق، وهذا ما منحني معرفة وثقافة اكبر، لاستطيع الدخول في خط النحت الذي صممت على اتباعه والذي كان دائماً جزءا لا يتجزأ من مشروعي الفني.

وكيف اثرت تلك الدراسة في صقل موهبتك؟

-ساهمت دراسة INTERIOR DESIGN و LAND SCAPE بنحو ٩٩ بالمئة في صقل موهبتي، وخاصةً في مجال نحت الصخر والرخام، الذي يختلف تماماً عن نحت الخشب الذي بدأت من خلاله، فالحفر على الخشب يشكل بحد ذاته سهولة في التعاطي معه، لانه بمجرد ان تنظف قطعة الخشب، فإنها تعطي شكلاً يتأثر به الفنان ويطّوره، لكنني توجّهت نحو فن النحت والرخام مع انه يتطلب صعوبة وقساوة اكثر في العمل، ولكن من يملك القدرة لا يعرف الخوف.

وبعد الدراسة؟

-قصدت بلاداً عدة بهدف الاطّلاع، وعملتُ لفترة في ايطاليا بمدينة "كارارا" التي تعتبر من اهم المحترفات الفنية في العالم، وهذا ما اغنى موهبتي وزادها ثقافة، ومن ثم عدتُ الى لبنان، وكانت اعمالي تتميز وتتفوق من خلال الخلق والابداع.

ومَنْ مِنَ الفنانين، كان لاعماله تأثير في حياتك كفنان في تلك الفترة؟

- كي يكون الانسان فناناً يجب ان يتحلى بالموهبة اولاً والاجتهاد والثقافة والاطلاع ثانياً. ولا شك بأني تأثرت بعدة مدارس منها الكلاسيكي والتجريديّ والسوريالي، فمن لبنان هناك فنانون كبار امثال صليبا الدويهي في فن الرسم والفنان الكبير يوسف الحويك في فن النحت، الذي قدم تمثال "يوسف بك كرم"، وحليم الحاج ويوسف غصوب وسواهم، وقد تأثرت بأعمال هؤلاء جميعاً، وايضاً خلال دراستي في معهد الفنون اكتسبت الكثير من خبرة اساتذتي في المعهد امثال الدكتور نعيم ضومط والاستاذ زياد حوّاط والأستاذ انطوان برباري.

إذا أردنا تقييم تجربتك، فإلى أي مدرسة فنية تنتمي؟

-الى مدرسة الـ Neo CLASSIQUE التي تجمع ما بين التجريدي والكلاسيكي، ففي التجريدي يجد بعض الناس صعوبة في قراءة العمل، ومع إن الكلاسيكي ليس سهلاً أيضاً، إلا أنه مطلوب نجاح هذا الخط، وهو يبقى الأساس في النجاح بالمدرسة التجريدية أيضاً، كما ان الفنان المبدع يجب أن يعرف العديد من المدارس الفنية. وأعمال الفنان يجب أن تكون موجّهة لجميع فئات الناس، لذلك فإن هذا الخط الذي يقع في الوسط ما بين هاتين المدرستين، الكلاسيكية والتجريدية، والذي يسمّى بالـ MODERN يتقبّلهُ الجميع، للوضوح الظاهر بطريقة تنفيذه.

من أين تستوْحي أفكارك وموضوعاتك؟

-لا شك إن نشأتي في بيت شباب، القرية اللبنانية النموذجية العريقة، كان لها الدور الأساس في تنمية موهبتي، تأثّرتُ وبدون شك بجمال الطبيعة فيها وروْعة بيوتها القرميدية الجميلة التي شبّهها "لامرتين" بالرمانة المتفتّحة، فالطبيعة كانت وما تزال المحور الأساسي والملهمة الأولى في معظم رسوماتي ومنحوتاتي، وموضوعاتي تتركّز دائماً على محور القرية والمسنّين والبيوت التقليدية. كما ان الفن إطّلاع وثقافة ويجب أن يكون للفنان دائماً تطلّعات جديدة، فالإبداع ليس حالة مؤقتة، بل هو خط لا نهاية له، وعلى النحات بشكل خاص أن يتحلّى بمخيّلة واسعة ورؤية للعمل الذي بين يديه، قبل أن يبدأ به، وهذه قدرة مُتفرّدة عند النحات. لقد سُئلَ الفنان اللبناني ميشال بصبوص (رحمه الله) عن إحدى منحوتاته، وكيف نفّذها، فقال : "هذا العمل كنز بقلب الصخر، وأنا أحفر لأجد هذا الكنز".

حقّقْتَ إنجازاً للبنان في الهند، إذ تمّ اختيارك من بين ثلاثة نحاتين، إيطاليّيْن ويوغوسلافي، لتُعدّ نُصباً في إحدى أكبر المدن الهندية، فماذا عن هذا الحدث؟

-كان هذا في العام الماضي، حيثُ فزْتُ بمسابقة كانت قد أعلنت عنها بلدية PATNA الهندية، واخترت من بين النحاتيْن الإيطاليين واليوغوسلافي، و PATNA تعتبر من إحدى أكبر المدن الصناعية في العالم، ويقطنها ٢٢ مليون نسمة. أما العمل فهو يمثل الصناعات القاسية في الهند، وقد بلغ وزنه ٩٧ طنّاً وارتفاعه تسعة أمتار من القاعدة الرخامية، هو من الرخام الملوّن، إستغرقت مدّة تنفيذه شهرين ونصف الشهر، وكان من المفترض أن ينجز خلال ٤٥ يوماً، لكن التأخير حصل بسبب إفتقار الهنود للديناميكية والطاقة التي يتميز بهما اللبناني، وقدْ نقلت الخبر معظم الوسائل الإعلامية في لبنان وسواه.  

وماذا عن العمل الذي قدّمه لمدينة جبيل اللبنانية، ووضع في ١٠ تموز (يوليو) الماضي على طريق ميناء جبيل؟

-انه عبارة عن منحوتة تُمثّل المغترب اللبناني المقيم في القارات الخمس، وقد نفّذ بدعم إجتماعي وفنّي ومعنوي من قِبَل سيدة لها دور كبير على مستوى المجتمع اللبناني، السيدة ريجينا فينيانوس، رئيسة جمعية GREEN GARDEN GROUP، وتحت رعاية رئيس البلدية وممثلين من دول الإغتراب. بلغ وزنها ٣٣ طنّاً، وهي تمثّل الرجل اللبناني الأصيل الطالع من الصخر، يعتمر اللبّادة ويده مرفوعة صوب البحر، تلوّح مودّعة، ويدُه الثانية موضوعة على الصخر، والصخر مقسّم إلى أربعة أقسام، كل قسم يمثل إحدى القارات، مطعّم بالفسيفساء ليضفي لوناَ وجمالاً  وروحاً، ونُحتَتْ على القارات الخمس الأحرف الأبجدية التي انطلقت من لبنان، وسمّيت الساحة بساحة المغترب اللبناني.

عَلمَ موقعنا "غدي نيوز" بأنك قدمت نصباً لبلدتك بيت شباب أيضاً، وضع في ٧ آب (اغسطس) الماضي وسط البلدة، فماذا عن هذا العمل؟

-أحسست في بعض المراحل بأنني يجب أن أقدّم لقريتي مثلما قدّمت لي الكثير، وعندما وُفّقتُ في الهند، أحبَبْتُ أن أقدم عملاً لبيت شباب، وفعلاً بدأت العمل على المنحوتة في العام الماضي، إستغرق تنفيذه مدة شهر ونصف الشهر، وهو عبارة عن منحوتة تزن ١٠ أطنان، وترمز إلى الصناعات الحرفية التي اشتهرتْ بها بيت شباب على مرّ الزمنْ ألا وهي صناعة الفخّار، وصناعة الأجراس وصناعة الديما (النسيج)، وكان اجتهاداً فردياً على مستوى العائلة، لمْ يكن هناك مساعدة من أي طرف، ولا حتّى من المجلس البلدي، وكنت أتمنّى أن ألقى دعماً أقلّه معنوياً على صعيد البلدة. لكن نحن الفنانين، وللأسف لا نلقى الدعم، بدليل وجودالعدد الكبير من الفنانين الذين لديهم عطاءات كبيرة ولا يذكرون، فنتمنّى على القيّمين والدولة والإعلام أن يُسلّطوا الضّوء على أعمالهم.

وماذا عن نقابة الفنانين للرسم والنحت؟

-انها نقابة مشتّتة ومقسّمة، وبالتالي ضعيفة وهذا لا يجدي نفعاً، ففي الإتحاد قوّة، والمنافسات التي تحصل عادة يجب أن تحصل على مستوى الثقافة والفن وليس على مستوى السياسات الضعيفة التي نحن بعيدون عنها كل البعد. وأنا أجد إن جميع إجتهادات الفنانين، وللأسف هي على مستوى فرديّ وشخصي، ولكن لا يخلو الأمر من وجود بعض الزملاء الذين وضعوا يدهم على الجرح أمثال نقيب الممثّلين جان قسّيس والسيدة كلوديا أبي ناضر شمعون، وخاصة بالنسبة للعمل الذي قُدّم للهند ولم  يلقَ ذكراً وتكريماً في لبنان. وأنا في الواقع لا أسعى إلى التكريم، ولكن نتمنّى أن يكون هناك تجاوباً أكثر من جميع القيّمين والمسؤولين ووسائل الإعلام، وأن يساهموا في دعم الطاقات الكبيرة المخبّأة وراء الكواليس، وذلك على جميع المستويات المادية والمعنوية، فالفنان يكسب رزقه من عمله هذا، ولا يصح أن يبقى مغيّباً.
وتبقى الأحلام والطموحات هي الأمل في حياة كل منّا، فكيف إذا كان فنّاناً يمتلك أسمى المشاعر وأجمل الأحاسيس؟ ويبقى حلم غصوب، كحلم كل لبناني، ان كان مواطناً عاديا أم فناناً، هو أن يزدهر لبنان وتعلو رايته في الخارج، ويستقر وينمو ويكبر بحب أبنائه داخل الوطن وخارجه، وهذا ما يحصل من خلال تكاتف اللبنانيين جميعاً - على حدّ قوله - وسعيهم الى تحقيق طموحاتهم، بغضّ النظر عن الإختلافات السياسية. وأن تبتعد "الأنا" عن كل شخص منّا، ونسعى جميعاً لنرفع من شأن لبنان، ليكون على الدوام وكما عهدناه، وطن المحبة والسلام والفن والجمال.
وعلى الصعيد الشخصي تمنّى غصوب النجاح لولده أوليفير (١٧ عاماً) الذي يسعى لشق طريقه في فن النحت أيضاً، والذي يمتلك موهبة كبيرة وأن يكون لديه رؤية أكبر ويزرع حب الفن في نفوس أصدقائه وقلوبهم لأنهم مستقبل لبنان.
وأنهى غصوب حديثه بكلمة وجّهها لـ "غدي نيوز"، فقال: "أتوجّه بالشكر أولا لجمعية غدي وعلى رأسها الاستاذ فادي غانم الذي تربطني به صداقة وطيدة، وذلك بعدة إتجاهات ومنها محبته للوطن والبيئة، أشكره على الرسالة التي يوجهها من خلال الجمعية وموقع "غدي نيوز"، لتحسين وضع البيئة في لبنان وحمايتها والإهتمام بها، كما أشكر أعضاء الجمعية والموقع لمساعدتهم أيضاً في نشر الوعي البيئي الذي نحتاجه كثيراً في أيامنّا هذه، ليستمر الوطن ويزدهر ويحلو ويبقى اللون الأخضر عنوانه. 

 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن