"غدي نيوز"
يعكف باحثون بريطانيون وإيطاليون على دراسة سلوكيات النوم والاستيقاظ لدى الحشرات من خلال اكتشاف الجين المسؤول عن ذلك، الأمر الذي يمكن أن يقود إلى إيجاد طريقة صحيحة لضبط آلية النوم لدى الكائنات الحية، بما في ذلك البشر وبعض أنواع البكتيريا.
وقالت صحيفة "ساينس ديلي" الأميركية، في تقرير حديث لها، إن الدراسة التي أجراها باحثون في جامعتي ليسستر البريطانية وبادوفا الإيطالية، شملت متابعة اضطرابات النوم لدى الحشرات وتأثير التغير في مواعيد أنشطتها في الجسم والشعور بالأرق بسبب اختلاف التوقيت والبدانة واضطرابات الشرايين.
وتقول "ساينس ديلي" إنه في الواقع يمكن استهداف الإيقاعات البيولوجية لدى الحشرات ذات الأهمية الطبية والزراعية، مثل أنواع الذباب التي تفسد الثمار، وهي المشكلة الكبيرة السائدة في جميع أنحاء العالم.
ويقول البروفسير بامبوس كيرياكو، وهو أستاذ علم الوراثة السلوكي في جامعة ليسستر وقائد فريق الباحثين الذي قام بتحويل حديقة النباتات في منزله إلى مختبر كبير لإجراء هذه الدراسة: "إن ذبابة الفاكهة، وهي الذبابة السوداء هي العمود الفقري للأبحاث الوراثية في الكائنات الحية العليا، فقد كانت نموذج النظام الرئيسي لفهم كيفية عمل الساعة البيولوجية لدى هذه الكائنات، وكيفية تحكم الجينات في طريقة عملها وبنائها. ولحسن الحظ، فقد اتضح أن آلية هذه الساعة البيولوجية يتم حفظها من الذباب إلى الثدييات، ومن ثم فإن دراسة هذه الجينات في الذباب تفيد بالقدر نفسه بالنسبة للإنسان".
ويضيف: "الكثير من العمل الذي تم إنجازه على مدى السنوات الأربعين الماضية على إيقاعات الذباب استخدم دورة النوم واليقظة لدى الذباب لفهم آلية عمل الساعة، وكيف يمكن للذبابة الاستيقاظ في الصباح والحصول على القيلولة في منتصف النهار، ثم معاودة النشاط في المساء قبل أن يخلد إلى النوم ليلاً، حيث تم تحليل ذلك بالتفصيل الرائع من الناحية الوراثية والعصبية البيولوجية".
وأشارت "ساينس ديلي"، في تقريرها، إلى أن هذه الدراسات استهدفت معرفة عدة أمور، أهمها، على سبيل المثال، أي من الخلايا العصبية التي تتحكم في ذبابة نداء الاستيقاظ في الصباح، وتلك التي تحدد نشاطها السلوكي في المساء.
ومع ذلك، فقد تم إجراء كل هذا التجارب في المختبرات في ظل ظروف مصطنعة، حيث تكون درجة الحرارة ثابتة، ويأتي الضوء فجأة في الصباح ويذهب فجأة في الليل.
ومن خلال رصد الإيقاعات السلوكية للذباب ودرجة الحرارة وضوء الشمس والقمر الرطوبة، في بيئة إيطاليا الدافئة وليسستر الباردة والرطبة، تمكن الباحثون من معرفة ردود أفعال الذباب تجاه التغيير في مستويات الضوء في الفجر والغسق، وتجاه التغير في درجات الحرارة خلال النهار.
وفي هذا الصدد، يقول البروفسير كيرياكو: "كانت النتائج مفاجئة للغاية، حيث اكتشفنا أن الذباب لم يكن يقوم بما ينبغي القيام به. فبدلاً من الخلود إلى القيلولة أثناء فترة منتصف النهار، أصبح أكثر نشاطاً خلال تلك الفترة. وبدلاً من حدوث تشوهات في إيقاعات الساعة البيولوجية، فقد أظهرت أنشطة سلوكية جيدة تماماً. وبدلاً من أن ينتظر الذباب وقت دخول الفجر كما هي الحال أثناء وجوده في المختبر، فقد استجاب لمستويات الضوء المتغيرة خلال وقت الشفق. وبعبارة أخرى، فإن بعض الأفكار لدينا بشأن الطريقة التي ربما تتوافق استجابة الذباب في المختبر مع طريقة استجابته في الحياة البرية تبين أنها أفكار خاطئة. فالجينات الخاصة بالساعة البيولوجية والتي تم التعرف إليها خلال العقود الأربعة الماضية حدّدت مجال علم البيولوجيا الزمني، إلا أنه ربما كانت هناك مبالغة في أهمية هذه الجينات من أجل البقاء".
وتشير نتائج هذه الدراسة إلى أن سلوك الدماغ في ما يتعلق بتغيير بيئته (سواء كانت بيئة شديدة البرودة أو الحرارة) لا يحتاج إلى توقع التغيرات الحاصلة في البيئة قبل تجربتها، وإنما يمكن للدماغ أن يتفاعل مع هذه التغيرات بسهولة.