"غدي نيوز" – أجرت الحوار صفا ليُّون حجَّار
من فضاء التمثيل إلى ألقِ الكلمة المعرِّشة في حدائق الشعر، بدأ الفنان اللبناني جان قسيس مسيرته الفنية بخطى جريئة، واثقة، ليحلق في فضاءين يجمعهما الابداع بتجليات الجسد والوجدان وبإيحاء الحرف حين يزهر قصائد يطرب لها القلب وتسافر الروح في عباب جمالها.
كل ذلك وسط صعوبات وتحديات كبيرة، فكلنا يعلم أن الحرب اللبنانية قوضت أحلام المبدعين في بلادنا وهدمت كيان مؤسساتها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والفنية، وطاولت كذلك نقابة ممثلي السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة، فأصيبت بنكسات عدة، ما أدّى إلى تشتّت أعضائها وتفرقهم، إلا أن الحياة عادت إلى النقابة بعد أن همدَتْ نار الحرب، وبالتحديد في عام ١٩٩٣، مثلما عادت إلى معظم الهيئات والمؤسسات.
في تلك الفترة، أصدر وزير العمل آنذاك عبد الله الأمين، ترخيصاً لنقابة جديدة، سُـمّيت بنقابة الفنانين المحترفين في لبنان، ضمّت فنانين من ممثلين وموسيقيين وسينمائيين، لكن، ومنذ تاريخ تأسيسها، واجهت اشكاليات أوجدت نوعاً من الإحباط لدى المنتسبين للنقابة، فتوقّفوا عن تسديد إشتراكاتهم الشهرية، كما توقّفت المساعدات والهبات التي كانت تأتي من الخارج، فتدهْورَ الوضع المالي وتراجعت أحوال النقابة.
في هذه الأثناء، عيّن نقيبٌ جديدٌ للنقابة، هو الفنان جان قسّيس، الممثّل المعروف، والكاتب والشاعر والباحث والأستاذ في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية - قسم المسرح، والمدرّس لمادتيْ الغرافيك ديزاين Graphic Design والـ إنتريير ديزاين Interior Design. وتسلم مهامهُ وسط الإنقسام الحاد، ليواجه وما يزال تحديات كبيرة.
"غدي نيوز" التقاه في دار النقابة في بيروت وكانت مناسبة للحديث عن تجربته الفنية، وعن الدراما اللبنانية وصندوق تعاضد الفنانين وغيرها من الامور، فكان هذا اللقاء فسحة للحديث عن تجربة ما تزال عابقة بالزهر وقابلة للتبرعم لتؤتي ثمارها في سيرورة التجدد الكامنة في روح الفنان قسيس وهو يمارس التحدي فنانا ونقيبا وباحثا عن مدارات جديدة في ابداعات يطالعنا بها في مواعيد القطاف.
وفي ما يلي نص الحوار:
بدايةً، لماذا ترشح جان قسيس الى رئاسة النقابة؟
-ترشّحتُ لهذا المركز، عندما أحْسستُ بأن الوقت قد حانَ لذلك، وأصبح لدي مُتّسع من الوقت الذي تحتاجه مهامّ النقابة، فأنا شبه متفرّغ لهذا المركز حالياً، وأحاول بالتعاون مع الجميع أن ننهض بالنقابة من كبوتها وسباتها العميق، وهذا الامر يستوجب الكثير من الجهد والتعب والصحة والمال. لهذه الأسباب مجتمعة، عملْتُ ومنذ البداية على جمع فريق عمل وليس أعضاء مجلس بالمعنى الإداري، لكي نعمل معاً يداً واحدة، وروحاً واحدة، تصب في مصلحة هذه النقابة ومصلحة الجميع. المسؤولية كانت وما تزال كبيرة، والصعوبات أيضاً كثيرة، ولكننا وضعنا خطة عمل، وبدأنا السّير وفقَ بنودها رغم كل العراقيل والصعوبات التي تحول دون تنفيذها. ونحن الآن بصدد ترميم دار النقابة، وإعادة تجديد أثاثه، وإصدار دليل جديد، وموقع على الإنترنت، ونظام تكنولوجي جديد بمعدات حديثة، ولكن كل هذا يسير بخجل، بسبب الإمكانيات المادية المحدودة والمتواضعة.
منذ حوالي الشهر، أعلن وزير الثقافة غابي ليّون في مؤتمر صحافي إطلاق صندوق تعاضد الفنانين، فماذا عن أهداف هذا الصندوق ودوره في دعم الفنان اللبناني؟
-في البداية، نتمنّى أن يطبّق هذا القانون بتفاصيله، وألا تقف عقبات في طريق تطبيقه، فمعاناة الفنان اللبناني كبيرة وتحتاج إلى قانون كهذا نسعى منذ زمن لتحقيقه، فالنقابة تضمّ كبار الفنانين الذين تقدموا في السنّ، وربّما لم يعُد بإمكانهم تسديد إشتراكاتهم، فعند بلوغ الفنان سن الـ ٦٤، يعفى من دفع رسوم الإشتراك، ولا يغيب عن بالنا أن معظم هؤلاء بحاجة إلى الإستشفاء والأدوية، وليس لديهم ضمانات صحية، وربما يحتاجون إلى أكثر من ذلك. فلعل هذا القانون، يُريح الفنان اللبناني من هذه الأعباء ومن البحث عن لقمة العيش بعد بلوغ سن التقاعد. ولتأمين هذه المساعدات، وبغياب المشاركة النقابية، من أعضاء لا يسدّدون إشتراكاتهم اليسيرة، ومن خلال موقعي كنقيب، إتخذت قرارات كان آخرها في جمعية عمومية، في مسرح "دوّار الشمس" أولها ان كل منتسب إلى النقابة يتأخر عن القيام بواجباته، سيفصل بموجب القانون، ولن يحق له بالتالي أن يتقدّم بالإشتراك في نقابة أخرى، وخاصة إذا أراد الإنتساب إلى صندوق تعاضد الفنانين. وبالتالي، حين ينتسب لصندوق التعاضد، وعندما يسدّد مستحقاته النقابية، عندئذ، تسدّد إشتراكات الفنانين غير القادرين على تسديد إشتراكاتهم .إن مجلس إدارة الصندوق قد تشكّل، وينتظر الإستفادة من خدماته وفقاً لجباية الأموال التي تتولى وزارة المالية مهمة جبايتها. ولكن توجد بعض العقبات حتى الآن بسبب عدم إتمام بعض الترتيبات. وهو يضم ثمانية مندوبين، برئاسة أنطوان غانم، وبالتعاون مع محامي النقابة جوزيف غانم. والعمل جارٍ حالياً لبلْورة هيكلية هذا الصندوق وآلية العمل فيه بشكلٍ يستفيد منه جميع الفنانين من مِنَحٍ طبية ومنح تعليم وولادة وزفاف وصولاً إلى معاش التقاعد، وأتمنّى أن لا نتلهّى بالأمور الشخصية، والحزازيات في موضوعٍ إنساني حضاري بهذه الأهمية، وأن يعود التواصل بين أعضاء القاعدة النقابية، فغاية النقابة كما جاء في أهم بنود نظامها الداخلي هو جمع شمل الممثلين من المحترفين والمتدرّجين، ورفع مستواهم المهني والإجتماعي والمادي والدفاع عن مصالحهم، وتقوية روح الصداقة بينهم، والمطالبة في ظل القوانين المشروعة بجميع ما يرمي إلى تحسين ظروف معيشتهم، والتوسّط في حل النزاعات مع أصحاب الأعمال، ومدّ يد المساعدة للمعوزين منهم.
في أي موقع تجد الإنتاج الدرامي في لبنان؟ وماذا عن حال الدراما؟ هل تراها في موقع متقدم أم متراجع؟
-للأسف لا أرى الدراما في لبنان في موقع متقدّم، والسبب بكل بساطة هو عدم إقتناع المنتجين حتى الآن بأن مجال الدراما باستطاعته التحول إلى صناعة كبيرة، وانه باستطاعتهم تشغيل رؤوس أموال كبيرة من خلاله تعود على هذا القطاع بالنفع بواردات ضخمة، الدراما اللبنانية تحتاج إلى التمويل، وعندما يقتنع المعنيون، بأن الدراما تعطي إذا أعطيت، وعندما يُدرس الإنتاج جيداً وتدرس طريقة تسويقه، فإن أي مصرف من مصارف لبنان يفتح أبوابه لتمويل المشاريع الجيدة، ومع هذا، فإن الأمر لا يخلو من بعض المحاولات التي تبشّر بالخير إنما النسبة الأكبر من أعمالنا الدرامية لا تعتبر في عداد الأعمال الدرامية العربية الكبيرة، فبالرغم من كل ما يحدثُ في سوريا، وكل ما حدث في مصر، فما زالوا ينتجون أعمالا ذات مستويات عالية. إذاً، لدينا إمكانيات مهمّة لكن العقلية "المافيوية" هي المسيطرة. وللأسف، الإنتاج الدرامي في لبنان يقتصر على بعض المجموعات والأشخاص الذين تتكرر أسماؤهم، لمجرد وجود علاقات شخصية مع بعض المنتجين، بينما لدينا أكثر من ١٥٠٠ ممثل، والأكثرية منهم، تنتظر فرصها. والحلم الآن هو أن يزيد الإنتاج الدرامي لكي تزيد فرص العمل للممثلين.
حكي عن بعض خلافات بينك وبين بعض الفنانين، فماذا تخبرنا عن هذا الموضوع؟
-ليس هناك خلاف مع أحد، لكن إشكالاً حدث منذ فترة بين الممثلة فيفيان أنطونيوس وزميلات أخريات في النقابة، إضطرني إلى التدخل، وكان عتبي على فيفيان لأنها لم تخبرني ولم تتقدم بشكوى إلى النقابة. وفيفيان فنانة قديرة إستطاعت فرض نفسها على الساحة الفنية، وصديقة أعتز بها وأحترمها، ولكن ليس لديها أي حق على النقابة، فهي لم تعُد تسدّد رسوم النقابة منذ أكثر من عشر سنوات، ومع هذا تدخلت لحل المشكلة، ولا يوجد أي خلاف آخر مع أي من الفنانين.
نعلم أنّك من المهتمين والمتابعين لكل الأنشطة المتعلقة بالبيئة، وقد كتبتَ حلقات إذاعية، تصبُّ في مجال التوعية البيئية، فماذا عن هذه التجربة؟
-أحب البيئة وأهتمّ بها منذ صغري، فقد عشت الحياة الكشفية التي تعلمنا فيها أن نحب البيئة ونحافظ عليها ونهتم بها، وقد كتبت تسعين حلقة إذاعية حول البيئة كل حلقة تتضمّن رسالة معينة في إطار تمثيلي، حواري، مفيد، لكنها لم تُذعْ حتى الآن، وأفكّر حالياً أن نستثمرها كنصوص ونُغْنيها بمعلومات جديدة، ونعيد إنتاجها من جديد. ورأيي أن أي إنسان لديه الحد الأدنى من الوعي لما يحدث في هذا العالم اليوم، يجب أن يتحمّل مسؤوليته تجاه البيئة، واستغرب إنعدام وجود تربية بيئية في مجتمعنا، وانصح بالمحافظة على البيئة والمثابرة في التوعية البيئية، وأؤكّد دعمي لحملة "الأزرق الكبير" التي أعيد إطلاقها منذ سنتين، والتي تُعنى بتنظيف شواطىء لبنان، وأشدد على أهميتها وإيجابيتها على حياتنا وصحتنا، وقدّمت نشيداً خاصاً لهذه الحملة لحّنه وأدّاه الفنان خالد عبدالله.
وماذا عن تجربتك الشعرية؟
-الشعر هو المكان الذي أهرب إليه من تعب الحياة اليومية، وهو المكان الذي يشعرني بالدفء والحنان. واصدرت دواوين شعرية عدة منها " كتاب للحب" "ما حدا متلك" و"حلم الدني"، وهناك كتابان قيد الإصدار، ودراسة مسرحية وخواطر، وديوان شعري بعنوان "قصائد لها"، قيد التحضير.
جدير بالذكر إن للفنان قسّيس أعمال تلفزيونية مكتوبة نذكر منها : "من أجل عينيها"، " اللقاء الأخير"، "الهروب إلى النار"، "غيمة صيف "،ومن آخر أشعاره ، لا بد أن نشير إلى أنه قدّم مؤخراً نشيدا جميلا جدا لـ "جمعية غدي"، يقول مطلعه:
غدي، غدي وفي يدي
غَرْسٌ نديٌّ أخضرُ
حيثُ الندى عرسُ المدى
ينمو الجمالُ ويُزْهرُ
وختامآً، وجّه الفنان جان قسيس رسالتين لقراء "غدي نيوز"، في الرسالة الاولى دعوة للمحافظة على البيئة والمثابرة على التوعية البيئية، والتعامل بشكل حضاري بكل ما بتعلّق بالبيئة من حولنا. "لأن موارد الأرض كثيرة ولا تشحّ، الأرض كريمة جداً وأكرمُ مما نتصور، ويد الله فيها، لذلك علينا أن لا نستهتر بهذه الموارد، بل نستغلّها ونستثمرها كما يجب"، على حد قوله، وخصّ بالذكر الثروة المائية التي تذهبُ هدرا في البحر ولا يستفاد منها، كما شجّع على الزراعة بكل أنواعها، فوطننا كان على الدوام " لبنان الأخضر"، ويجب أن يبقى. ووجه دعوة إلى شباب لبنان، أن يقرأوا عن البيئة ويعوا أهميتها، ويعرفوا أنهم إذا قطعوا شجرة ليصنعوا ورقا -على سبيل المثال، فإنهم إن لم يزرعوا ثلاث شجرات بديلة، فسيصلون لوقت لا يجدون فيه مصدراً لإنتاج الورق.
أما رسالته الثانية فقد وجّهها إلى المعنيين في الدولة اللبنانية، متمنّياً أن يُحضن الفنان اللبناني لأنه بحاجة إلى حضنٍ يرعاه وأن "لا يُذلّ بعد اليوم". كما عبّر عن سعادته وامتنانه لوجود لسان ينطق باسم البيئة ولها، ألا وهو "جمعية وموقع غدي"، وتمنّى أن يستمر هذا الموقع في مد الجسور بين المهتمّين بشؤون البيئة والناس، كي يدرك كل منهم مسؤولياته تجاه بيئته ووطنه.