الطبيعة الخلابة والتنوع المناخي هما بترول لبنان وثروته الوطنية التي وضعته منذ الأربعينيات من القرن الماضي على الخارطة السياحية الإقليمية والدولية، إلا أن اللبنانيين لم يتمكنوا من الحفاظ على هذه الثروة، يكفي أن نذكر أن المساحات الخضراء تراجعت من 60 بالمئة إلى ما بين 4 و 6 بالمئة خلال أقل من أربعين سنة، الأمر الذي دفع البيئيين في لبنان وبعض الدول الصديقة إلى وضع برامج لمواجهة هذه المشكلة بتداعياتها المناخية، حتى أن ثمة خططاً وضعت قبل سنوات لمواجهة مشكلة التصحر.
ولعل أبرز المشكلات القائمة في لبنان اليوم، تتمثل في المقالع والكسارات التي تنهش جباله ومواقعه الجميلة، حيث لم تتمكن حكومات ما بعد "الطائف" من إقرار مخطط توجيهي شامل للكسارات والمرامل، وما تزال وزارات البيئة والداخلية والبلديات تعتمد بدعة المهل الإدارية مع غياب المراقبة والمحاسبة.
لا يمكن مقاربة مشكلة الكسارات في لبنان، على أنها مشكلة بيئية فحسب، فهي تتعدى البيئة إلى السياسة وتستحضر الروتين الإداري والفساد، حتى قيل أن "وراء كل كسارة تعمل مسؤول نافذ في الدولة"، خصوصاً إذا علمنا أن ثمة حلقة كبيرة من المستفيدين في الدولة وخارجها، بطرق ملتوية من رشى وعطايا ومخصصات تصرف بانتظام، فضلاً عن مافيا تدعم وتؤازر وتخفي ملفات.
ان مشكلة الكسارات في لبنان ليست جزءاً من حال الفساد المستشري في مؤسسات الدولة فحسب، بل هي فصل من فصول المشهد السياسي الذي لم يرتقِ معه اللبنانيون إلى مصاف الوطن الذي يحلمون به. لكن لا بد من التنويه في هذا السياق إلى أن ثمة خطوات وقرارات مهمة اتخذها وزير البيئة ناظم الخوري في مقاربة الكثير من المشكلات البيئية بجرأة وموضوعية، لكننا نعلم أن الواقع السياسي المأزوم يمنع الوزير الخوري الذي يتمتع بقيم ومناقب الرجل السياسي المتعفف والمترفع عن أي مصالح خاصة من المضي قدما في مواجهة مشكلة الكسارات، خصوصا في بلد مثل لبنان بات الأمن والحفاظ على الاستقرار فيه يمثلان هاجس المواطن والمسؤول في آن.
وإذا كانت بعض الكسارات تعمل استناداً لقرار صادر عن مجلس الوزراء، فالمشكلة كان يمكن أن تحل بقرار آخر، يجعل الكل متساو أمام القانون، بحيث أن كثيرين من غير المحظيين بدعم سياسي أقفلت كساراتهم في فترات سابقة، والكيل بمكيالين فيه افتئات وتجن، والمطلوب تشريع عمل الكسارات دون استثناءات على قاعدة احترام دراسة الأثر البيئي، أو إقفالها جميعها تبعاً للمخطط التوجيهي الذي تعثر تنفيذه والقاضي بنقل كل الكسارات في لبنان إلى سلسلة الجبال الشرقية القريبة من الحدود السورية، ذلك أن ما هو قائم الآن، يشكل فضيحة بكل المعايير البيئية والإدارية والتنظيمية وحتى السياسية.
يبدو أن الكسارات والمقالع وهي تقضم الجبال بشكل عشوائي وتغير من معالم جبال لبنان لن تتوقف سريعاً، خصوصاً في ظل الواقع السياسي الذي أكثر ما يريح أصحاب الكسارات، حتى أن الظروف ملائمة لمضاعفة كميات الانتاج وتجميع كميات كبيرة من "الستوكات"، الأمر الذي استدعى تجهيز بعض الكسارات بمعدات حديثة قادرة على طحن صخور كبيرة تقدر بعشرة أطنان بعشر ثوان فقط؟!
أنور عقل ضو