"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
فيما تعمل وزارة البيئة على "استكمال الإجراءات الفنية والإدارية اللازمة لمحاولة فتح موسم الصيد وحماية الطيور المهاجرة" ينام المواطنون على ضجيج الآلات المقلدة لأصوات الطيور "المزروعة" على أسطح البيوت وطلقات أعيرة نارية متفرقة، وتوقظهم طلقات بنادق الصيد على "جبهات" مسارات الطيور المهاجرة، أما في "بحر النهار" فالصيد مستمر أيضا من على أسطع المنازل ويستهدف في هذه الفترة طيور "الخطاف" والبجع والصقور والعُقبان.
أربع وعشرون ساعة وقتل الطيور مستمر، ولا تملك وزارة البيئة ما يمكنها من التصدي لهذه الظاهرة، إن لم تؤازها وزارة الداخلية والبلديات وسائر القوى الأمنية.
مفارقة غريبة ومقاربة فاضحة في بلد لا يقيم أبناؤه اعتبارا للدولة بكافة مؤسساتها، وفي المقابل لا يدنو القيمون عليه من أرض الواقع ومحاكاة اللحظة أبعد من مكاتبهم، فيما الفساد مستمر، ولم تجدِ مناشدات سفراء بعض الدول الأجنبية ولقاءاتهم مع المسؤولين اللبنانيين لوقف قتل الطيور المهاجرة التي تسدي خدمة لمجتمعات هذه الدول في القضاء على الآفات والحشرات، وتسعى إلى حمايتها لما لها من دور في التوازن البيئي.
رئيس "مركز الحياة والتعرف عليها" في مدينة عاليه الدكتور منير أبي سعيد أشار إلى أن "المزارعين في أوروبا الشرقية يبنون الأعشاش لطيور البجع لتكون على مقربة من أراضيهم الزراعية، وتؤدي دورها في القضاء على الحشرات التي تهدد محاصيلهم الزراعية"، ولفت إلى "اننا منذ الصيف الماضي ولا نزال نستقبل أنواعا عدة من الطيور المصابة كالصقور على أنواعها والبجع وأبو جراب وغيرها"، وأسف لأن "النسبة الأكبر من هذه الطيور تكون أجنحتها مصابة بعدة كسور ولا يمكن معالجتها لتعاود الطيران من جديد ولذلك نبقيها في المركز".
وبرر أبي سعيد مخاوف سفراء دول أوروبية حيال قتل طيور البجع بشكل خاص، وأشار إلى أن "طائر البجع يتزاوج من أنثى واحدة ان نفقت لا يتزوج غيرها والأنثى كذلك، بمعنى أن قتل البجع يعني قتل طائرين".
وبحسب (س. أ. م) فإن "رحلة الصيد تكلف ما بين 50 و 100 دولارا ثمن خرطوش فقط"، لكنه أبدى امتعاضا من أن "الصيد في البقاع بات صعبا لأسباب أمنية"، ولفت إلى "اني اصطاد يوميا حوالي مئة عصفور بينها أعداد من (الفري) و(دجاج الأرض)".
الخرطوش بدل التراب
في بعض الأحراج، لا يمكن لمرتادي الطبيعة السير على التراب، فبقايا الخرطوش الفارغ تغطي مساحات واسعة من المناطق البرية، وهي في حد ذاتها تمثل صورة فاضحة لا يراها المعنيون وهم قابعون خلف مكاتبهم، ولا الجهات المفترض أن تكون مواكبة لجرائم الصيد في لبنان.
وأعداد الخرطوش الفارغ في بقعة جغرافية صغيرة تبقي لبنان البلد الأول في العالم المهدد للطيور المهاجرة، وما رصدته "السفير" من مشاهد في أحراج المتن الأعلى والمتن الشمالي يختصر حجم سوق الخرطوش في لبنان الذي يقدر بالمليارات، ومنها ما يوظف في "تزيين" الصيد عبر الإعلانات، هذا اذا استثنينا سائر لوازم الصيد ومن بينها الآلات المقلدة لأصوات الطيور.
الخبير المجري في مجال الصقور والطيور المهاجرة ماتياس برومر أشار لـ "غدي نيوز" عبر البريد الالكتروني إلى أن "لبنان ما زال يتصدر الدول التي تمثل الخطر الأكبر على الطيور المهاجرة"، لافتاً إلى أن "أجهزة التعقب التي نضعها على الطيور لمعرفة مساراتها ودراسة أنماط حياتها تبين أن النسبة الأكبر منها يختفي فوق لبنان"، وناشد "المسؤولين وضع حد لهذه المجزرة السنوية".
وأشار الخبير في الحياة الطبيعية شمعون مونس إلى "انني عثرت في الصيف على طائرين من نوع (السفاري) وهي طيور جميلة اصغر من الحمام قليلا وكنا نظن انها انقرضت وكانا مصابين"، ولفت إلى انه وضعهما "في قفص صغير وداويت جراحهما"، وقال: "بعد أن تحسنت أحوالهما راحا يطيران بشكل جنوني داخل القفص وكنت خائفا من إعادة إطلاقهما كي لا يتم اصطيادهما مرة ثانية، ولذلك قصدت أسفل وادي لامرتين في المتن الأعلى في منطقة نائية لا يصل اليها الصيادون وغنية بالمياه واطلقتهما".
وأشار مونس إلى أن "السفاري تقضي على أعشاش دودة الجمر التي نقضي عليها الآن برشها بالمبيدات السامة".
فوق السطوح
وانتقد رئيس "جمعية غدي" فادي غانم "استمرار ظاهرة الصيد المصطنع فوق أسطح البيوت"، واعتبر ان "هذه الظاهرة تمثل خطرا على المواطنين كونها قائمة وسط الاحياء السكنية"، وقال: "سلطنا الضوء مرارا على هذا النوع من الصيد الذي يستغل تعب الطيور المهاجرة فتخال الاضواء الكاشفة وكأنها بداية طلوع الفجر وتغط على الأشجار الموضوعة ويطلق عليها النار من مواطنين مختبئين في العتمة".
ودعا "الجهات المعنية الى تسطير محاضر ضبط بحق كل من يضع أشجارا على أسطح البنايات لإقدامه على قطع شجرة من جهة ولاستخدامها في الصيد غير المشروع من جهة ثانية".
العبرة في تنفيذ القوانين
ثمة الكثير من الأمثلة عن ممارسات فاضحة، لكن في المقابل لا يمكن القاء تبعات ما هو قائم على وزارة البيئة فحسب، وإنما ثمة مسؤولية تقع على وزارة الداخلية والبلديات والقوى الأمنية و"المجلس الأعلى للصيد البري" الذي يبدو وكأنه غير معني بما هو قائم، فضلا عن أن القوانين في بلد مثل لبنان لا تكفي لمواجهة مواطِن الفساد، وإنما العبرة في تنفيذها.