عندما تتلوث السياسة

Ghadi news

Monday, September 10, 2012

أنور عقل ضو

لا يملك سكان مدينة صيدا اللبنانية، ولا سيما القاطنين عند مدخلها الجنوبي إلا الصراخ لمواجهة انتشار الروائح الكريهة والدخان الأسود الذي غطى سماء المنطقة، نتيجة اندلاع النار في مكب جبل النفايات للمرة الثالثة في أقل من أسبوعين، وسط تساؤلات عن الجهة التي تقف وراء اضرام النار في جبل النفايات بين الحين والآخر، مما يخلف أضراراً بيئية وصحية وخطراً على صحة السكان خصوصاً الذين يعانون من ضيق تنفس.
مدينة صيدا التاريخية الرابضة عند شاطئ المتوسط تجاور جبل النفايات منذ ما يزيد عن العشر سنوات، في ظاهرة أدخلت صيدا "التاريخ" من بابه السلبي، ولم تجد طريقا لمعالجتها رغم الوعود التي تطلقها الحكومة وبلدية صيدا عن قرب حل المشكلة التي تعتبر الأخطر على الصعيد البيئي في لبنان عموما وفي صيدا والجنو بشكل خاص.
المشكلة أبعد من أن تكون بيئية فحسب، فهي جزء من حال الفساد المستشري من السياسة إلى الادارة، ولا يتحمل تبعاتها فريق سياسي دون آخر، بمعنى أن الثلوث الأشد خطورة هو الذي أبقى المشكلة قائمة برغم نتائجها المدمرة على الصحة وتاليا على موقع لبنان السياحي والحضاري، فعندما تتلوث السياسة بالمصالح والمناكفات والانقسامات وتفوح منها روائح الصفقات تبدو مشكلة النفايات الحقيقية أقل وقعا، لأنها في المحصلة هي نتاج واقع سياسي مأزوم.
وسط هذه الكارثة – الفضيحة، تحول اهتمام المسؤولين إلى مجرد إدارة الأزمة، بمعنى معالجة ومتابعة الحرائق التي امتدت الى جبل النفايات، فيما المطلوب أساسا هو حل جذري لهذه المشكلة، وهو حل متاح في ما لو كانت ثمة إرادات طيبة تغلب المصلحة العامة على ما عداها من قضايا خلافية.
كما أن هذه المشكلة تسيء إلى لبنان المنضوي في "اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط من التلوث"، وثمة انتقادات كبيرة وجهت الى لبنان الرسمي عندما انهارت أجزاء من النفايات وسحبتها أمواج البحر ووصل بعضها الى شواطئ قبرص وتركيا.
باختصار، نحن أمام كارثة تفترض أولا أن تكون محكومة بمعايير أخلاقية، وتاليا بسياسة واضحة تمهد لممارسة "خيارات نظيفة"، وإلا سنبقى محكومين بنفايات أخطرها هو الاستقالة من أداء مهمة تتمثل في مواجهة ما يشوه صورة لبنان، ولا سيما على مستوى البيئة وما يتصل بها من كوارث، من التلوث البصري إلى ملوثات كثيرة تبقي جبل النفايات حاضرا كـ "معلم" فاضح يقوض صورة وطن تغنى الشعراء بجمال بيئته!


 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن