"غدي نيوز"
لم تكن ولادته في مدينة "ويتشيتا" بولاية تكساس عام 1946 وبلوغه مناصب أكاديمية وعلمية عالية، لتنسي البروفسور إدوارد صهيون وطن آبائه لبنان الذي لم يره منذ 44 سنة.
حاز صهيون شهادتي بكالوريوس وماجستير في الفيزياء الفلكيّة من جامعة كنساس، ودكتوراه في الفيزياء النظرية من جامعة بنسلفانيا عام 1975. وحاضراً، يعمل أستاذاً لعلم الفلك وفيزيائه في جامعة فيلانوفا.
وتشير وثائق "الوكالة الأميركية للفضاء والطيران" (ناسا) إلى تمحور بحوثه حول "تشكّل النجوم القَزَمة البيض White Dwarfs وتطوّرها، والتغيّرات الكارثية في النجوم وتحوّلاتها في المراحل المتأخرة من عمرها الفلكي".
وفي حديث إلى "جريدة الحياة" اللندنية رأى صهيون أن النجوم لها دورة حياة، مثل الكائنات الحيّة. وبواسطة تلسكوب الفضاء "هابل" الذي يتولى إدارة الفريق المشرف عليه في "ناسا"، توصّل صهيون إلى رصد كثير من حالات انهيار النجوم التي تحدث حين تستنفد طاقتها، مشيراً إلى أن انفجار بعضها ربما شكّل تهديداً مدمّراً للأرض.
وتذكيراً، فإنّ النجوم هي شموس بعيدة، كثير منها أضخم من شمسنا. وتستمد النجمة قوّتها من وقودها النووي الذي ينفجر بصورة مستمرة، فيبعث بالحرارة والنور. وعند استنفاد الوقود النووي، تنهار النجمة على نفسها بأثر من كتلتها الضخمة. وفي بعض الأحيان، تعاود النجوم المنطفئة الاشتعال لأن انهيارها يولّد انفجارات ذرّية ضخمة، فتتحوّل إلى ما يُسمى "نجوم قَزَمَة بيض". ولاحقاً، ينفجر القَزَم الأبيض ويتبدّد.
نجوم قَزَمَة تضرب الأوزون
في هذا السياق، تحدث صهيون عن نجمة "تي بيكسيديسPyxidix T " الواقعة على مسافة 3260 سنة ضوئية والتي ستنفجر في مستقبل قريب نسبياً بقوة 20 بليون بليون بليون ميغاطن من مادة "تي أن تي"، وتوّلد حرارة مرتفعة جداً. وقال: "إذا وصل بعض من أشعتها القاتلة إلى الأرض، فربما تؤثّر في طبقة الأوزون".
وأوضح أنّ "تي بيكسيديس" تمرّ بمراحل من الانفجارات التقليدية التي تتكرّر كل 20 سنة على الأكثر، على غرار ما يحدث في شمسنا. ولكنه أشار إلى أن الانفجار الأخير لهذه النجمة كان في 1967، ولم يحدث شيء منذ تلك الفترة.
ورأى صهيون أن "تي بيكسيديس" تندرج في نظام نجمي مزدوج تضم نجمة في مثل حجم شمسنا وأخرى أصغر منها هي كناية عن قَزَم أبيض.
وشدّد على أن "القَزَم الأبيض" يتكوّن من مادتي الكربون والأوكسجين اللذين يتشكّلان أثناء اشتعال الفرن الذرّي للنجم من اندماج نووي لعنصري الهيدروجين والهيليوم. وبيّن أن المرحلة الأخيرة من حياة "القَزَم الأبيض" تتمثّل في زواله عبر انفجار نووي حراري، يولّد قرصاً على شكل فطيرة من الغاز تُسمى "قرص التراكم". ونبّه إلى أن الأقزام البيض لا تشعّ بقوة، وتكون كثيفة بسبب تراكم كتلتها على بعضها بعضاً.
ورجّح صهيون أن الأقزام البيض لا تولّد طاقة نووية، وأن ما يتبقى فيها مجرد رماد لا يصلح للتفاعل نووياً، ما يعني أن القَزَم الأبيض يفقد حرارته بسبب قلّة التفاعلات الداخلية، فيبرد ويتلاشى بعد بلايين السنين. وأعرب صهيون عن أمله في العثور على نظام نجمي يتألّف من قَزَمين أبيضين، لأنهما ربما أنتجا موجات جاذبية غير تلك التي يعرفها العلماء.
أخطار تهدد الأرض
أبدى صهيون قناعته بأن الكوكب الذي نعيش عليه معرض لمخاطر مدمرة. ففي الفضاء الخارجي ينتشر كثير من حطام النجوم والمُذنّبات والكويكبات التي يمكن أن تتصادم مع الأرض. وذكّر بحدوث تصادم من هذا النوع في الماضي، مشيراً إلى أنها ظاهرة تتكرّر بصورة متواترة.
ولَفَتَ إلى وجود 3 عائلات من الكويكبات التي ربما تصادمت مع الأرض، هي: أموري Amore، وأبوللو Apollo، و آتنAten .
وأضاف أن كويكبات "أبوللو" لها مدارات قريبة من الأرض، لكنها تُراقَب بعناية فائقة بواسطة مراصد متنوّعة. "إذا دخل أحد كويكبات (أبوللو) في عملية تصادم مع الأرض، فلحسن الحظ سيكون لدينا وقت للتحذير وربما لتجنّب الأمر".
وذكّر بحادث خطير حصل عام 1908 وعُرِفَ باسم "تانغوسكا". وحينها، انفجر كويكب بدائي في غابة في سيبيريا بالقرب من نهر "تانغوسكا". وقال: "لم تكن تلك المنطقة كثيفة السكان، ولم تحدث فيها وفيّات بشرية. لو أن هذا الانفجار حدث فوق أحد المحيطات، لأحدث موجات عارمة من الـ (تسونامي)، وخلّف آثاراً مُدمّرة على طول الشاطئ".
وكشف صهيون أن علماء "ناسا" يخطّطون لاعتراض مثل هذه الأجسام، إما بواسطة أجهزة للطاقة الحركية أو صواريخ شديدة القوّة. وأضاف: "على العلماء توخي كثير من الحذر كي تجري عملية تفتيت الكويكب بطريقة لا تسمح للشظايا بأن توسّع دائرة الدمار". وبيّن أن هذا السيناريو مُتَضمّن في برنامج "ناسا"، وبرامج الفضاء الروسية والصينية والأوروبية، كاشفاً أيضاً عن وجود مخطّطات وقائية للتعامل مع تداعيات هذه الحوادث الكوارثية.
وأشار صهيون إلى سيناريوات كونية معروفة تتصل بنظامنا الشمسي، على غرار تغيّر الشمس عند استنفادها وقودها النووي (مع انهيارها ثم معاودتها الانفجار لتصبح نجماً أحمر)، ونهاية الأرض عند انفجار الشمس (مع إمكان أن تدور ككوكب مُضمَحِل حول ذلك النجم الأحمر). وأعرب عن قناعته بوجود شكل من أشكال الحياة على كوكب المريخ، خصوصاً مع ظهور أدلّة على وجود الميثان في غلافه الجوّي.
تواصل مع الأصول
حظي صهيون بشهرة عالمية واسعة، خصوصاً بسبب إدارته الفريق المُشرِف على تلسكوب الفضاء "هابل". وهو يعتبر من أبرز علماء الفلك والفيزياء. وعمل محرّراً في "مجلة الفيزياء الفلكية"، وباحثاً في "المركز الوطني للبحث العلمي" في لوس أنجليس، ومرصد "ميدي بيرنيه" في جامعة تولوز الفرنسية، وعضواً في المجلس الاستشاري في "الأكاديمية اللبنانية للعلوم"، والمجلس الاستشاري في "معهد الفيزياء البريطاني"، وهيئة تحرير "موسوعة علم الفلك وفيزياء الفلك"، و "الاتحاد الدولي للفلك" وغيرها.
وترأس "الاتحاد الفلكي الدولي"، وفريق "النجوم الثنائية" في "ناسا"، وفريق تلسكوب "هابل"، وفريق برنامج "ناسا" لبيانات الفيزياء الفلكية، وفريق "استكشاف الأشعة فوق البنفسجية" في "ناسا"، والفريق الوطني لمراجعة الزمالة في "مؤسسة العلوم الأميركية"، وفريق "برنامج نظرية الفيزياء الفلكية" في "ناسا" وغيرها.
وكذلك تقلّد مناصب فخرية في "الاتحاد الفلكي الدولي"، و "الجمعية الفلكية الدولية". وحصل على رتبة زميل في "الجمعية الفلكية الملكية" في بريطانيا، و "الجمعية الفلكية في منطقة المحيط الهادئ"، و "الرابطة الأميركية للتقدّم العلمي"، و "جمعية البحوث العلمية الأميركية" وغيرها.
ومُوّلَت بحوثه العلمية من "المؤسسة الوطنية للعلوم" ووكالة "ناسا"، بمبالغ وصل مجموعها إلى 3,3 مليون دولار.
قُدّر للبروفسور صهيون أن يزور لبنان للمرّة الأولى في أواسط 1990 بعد رفع الحظر عن سفر المواطنين الأميركيين إلى الشرق الأوسط. ثم قدم في زيارات علمية، منها حضور اجتماع الهيئة التأسيسية لـ "الأكاديمية العلمية اللبنانية" الذي عقد في السراي الحكومية، وإلقاء سلسلة من المحاضرات في عدد من جامعات لبنان ومصر معنية بعلم الفلك. وشارك في لجنة الدكتوراه المُشرِفَة على تخرّج طلاب مصريين في "مرصد حلوان".
يذكر أن صهيون ساهم في نسج علاقة أكاديمية وعلمية غير رسمية بين جامعتي "فيلانوفا" الأميركية و "اللويزة" في لبنان.
وتحدّث صهيون عن رؤيته لعلم الفلك وفيزيائه في العالم العربي. وقال: "تتلخّص رؤيتي في أن نحقق قفزة نوعية في مجالات مختارة في هذين المجالين، وأن نستعين بالمراصد الفضائية في الدول الكبرى، خصوصاً أنها تطبّق تقنيات فلكية في مصانعها العسكرية. فمثلاً، نتجت تقنية تلسكوب (هابل) عن رصد مخابراتي بواسطة أقمار التجسس الاصطناعية التي طوّرها الاتحاد السوفياتي والصين. كانت هذه الشبكة من الأقمار الاصطناعية تستعمل أشعة (غاما) التي تستجيب لحاجات الاتحاد السوفياتي من جهة، وتحافظ على تقيده بمعاهدة حظر التجارب النووية من جهة أخرى".
وأعرب صهيون عن أمله في أن تمتلك البلاد العربية مراصد عملاقة، لافتاً إلى أن العرب سيطروا على علم الفلك من القرن التاسع حتى القرن الخامس عشر، وأنهم أطلقوا أسماء عربية على 210 نجوم كانت الأشد توهّجاً في سماء الليل.