"غدي نيوز"
الخريف في برلين! هذا هو وقت زيارة غربان القيظ، التي تأتي بأسراب كبيرة من أوروبا الشرقية وتتنافس مع الغربان المحلية للحصول على الغذاء. والبرلينيون يتبادلون القصص حول صراعهم مع الغربان.
مساء السبت (6-10-2012)، ساحة ألكسندر الشهيرة في برلين تغص بالمارة والسياح وكذلك بالشباب المتجهين لحفلات نهاية الأسبوع، بينما يحلق فوقهم في الأعلى سرب كبير من الغربان، ليختفي ببطء متجها نحو الحي الحكومي. هناك تكون المنطقة هادئة ومظلمة ليلاً. مكان جيد للنوم لأسراب الغربان. مئات من الطيور تحط ليلة بعد ليلة على الأشجار حول مكتب المستشارية، وحول مطار تيغيل وفي حديقة الجدار، وفي تيغارتن.
"عندما أرى الغربان فوق الأسطح، أتذكر فورا فيلم (الطيور) لهيتشكوك"، هذا ما يسمعه المرء من المشاة هناك، عند سؤالهم عن قصة مرتبطة بالغربان. وقد سمع الجميع تقريباً عن قصة تعرض رجل لهجوم من الغربان في منطقة برينتسلاوربيرغ، أو عن إغلاق الساحة أمام المسرح الألماني بسبب هجمات الغربان.
الغربان تحمي فراخها
أين بالضبط؟ متى؟ وما مدى خطورة هجمات الغربان؟ كل هذه التفاصيل يتم نسيانها. يقول عالم الطيور ينس شارون من رابطة حماية الطبيعة "نابو". وهو يعرف منذ أكثر عشر سنوات تلك الهجمات من الغربان العدوانية، ولكن الهجمات على المارة لا تحدث إلا في الربيع. وهذا الوقت هو موسم تكاثر الغربان – وكل ما تريده في هذا الوقت هو ببساطة حماية فراخها.
ويقدر علماء الأحياء أن هناك حوالي خمسة إلى عشرة حالات فقط في السنة، فهناك عدد قليل فقط من أزواج الغربان التي تظهر سلوكاً ورغبة بالسيطرة على إقليمها. وبعد أن تفقس البيوض وتنمو الفراخ قليلاً وتبدأ بمحاولاتها الأولى للطيران، ترمي بنفسها من العش. فيعتقد سكان المدينة، بقلب كبير ولكن بمعرفة قليلة عن الطبيعة، بأن عليهم أن يساعدوا هذه الفراخ وينقذوها. وهنا تغضب الغربان البالغة، وتبدأ بالهجوم حماية لأطفالها.
منذ حوالي 20 عاماً، والغربان تأتي من الريف إلى برلين، وحالياً تعشش هناك حوالي خمسة إلى ستة آلاف من الأزواج. بعدوانية، كما يقول وينس شارون، تتصرف خاصة الحيوانات التي لديها احتكاك مع الناس على مدى سنوات.
الطيور تفقد الكثير من الغذاء في المنطقة المحيطة
هناك من يرى أن الغربان في العاصمة لا تعتبر تهديداً للبشر، كما يقول غونترام ماير، عالم الأحياء والخبير في الأنواع الغازية لموقع "دويتشه فيله" الالماني. إنها تعكس العلاقة المتغيرة بين المدينة والمناطق المحيطة. فمن جهة، أضحت برلين جنة حقيقية للغربان مع أكشاك الوجبات السريعة، وصناديق القمامة المفتوحة والنزهات التي يقوم بها الناس في الحدائق، وكثيراً ما يترك الناس بعد الشواء بقايا الطعام في مكانها. ومن جهة أخرى، تقل باستمرار الحقول والمساحات المزروعة، وتقل بالتالي البدائل بالنسبة للطيور فتضطر للذهاب إلى المدينة.
وغربان القيظ، التي تتدفق بالآلاف، في خريف كل عام، قادمة من أوروبا الشرقية إلى العاصمة باحثة عن الطعام. وفي الماضي، كانت غربان القيظ مفيدة جداً للزراعة، لأنها كانت تأكل الحشرات واليرقات والخنافس. ولكن اليوم صارت المنطقة المجاورة المحيطة ببرلين تعاني من قلة الحشرات في الحقول. وعلى الحيوانات بالتالي أن تبحث عن طعامها في المدينة.
المصائب تأتي مع المرح
وعندما يأتي الخريف والشتاء تكون جميعها موجودة هنا – أي الغربان الرمادية المحلية وغربان القيظ المهاجرة – عندها تصبح مزعجة فعلاً. وهذا ما يعترف به حتى النشطاء المدافعين عن الحيوانات. فهذه الطيور تستخدم مساحات السيارات وسقوفها كأدوات لتكسير الجوز والبندق، كما يقول ماير: "رأيت غراباً يحمل فرعاً من شجرة البندق ليعلقها في رف موضوع على سقف سيارة. ثم بدأ بالتحرك والنقر هناك كي يحصل على حبات البندق. ومع كثرة النقر تسبب بضرر للسيارة".
وقبل عامين، قامت الغربان بالنقر على تعزيزات لسقف محطة القطارات الرئيسية في برلين حتى أصبحت تسرب مياه الأمطار. كما يذكر ينس شارون. وفي وقت سابق، نجحت الغربان بالقيام بذلك على سطح الاستاد الأولمبي. أو قامت بإلقاء الحصى الموجودة على سقف فندق راديسون في وسط برلين.
ألقتها تحديداً على السطح الزجاجي المغطي لممر المشاة في الأسفل، كما يتذكر المهندس أوفه أبراهام: "انكسرت بعض الألواح بسبب ذلك، والتي يكلف كل لوح منها حوالي 5000 يورو". "أرادت أن تلعب، إنها مثل الأولاد الأشقياء".
يجب تفهم الحيوانات
ما الحل إذن؟ مطاردة الغربان أو تدمير أعشاشها، هذا محظور في ألمانيا، بموجب قانون رعاية الحيوان. ولكن "الردع" مسموح، كما يقول غونترام ماير: "يمكن مد شباك أو وضع أشواك على المقاعد الشعبية، لمنع الحيوانات من الجلوس هناك". وأحياناً تساعد فعلاً عملية تقليم الأشجار، ونقل حاويات القمامة وجعلها في أماكن أخرى، وكذلك إصلاح أنوار الشوارع، لكي تنير المناطق المظلمة التي تتخذها الغربان أوكارا لها. "ولكن لتحقيق النجاح، يجب الاهتمام بالحيوانات وتفهمها".
نصيحة غونترام ماير وجدت آذاناً صاغية عند أوفه أبراهام، فقام الأخير باستبدال الحصى الموجودة على سطح فندق راديسون بحجارة أكبر حجماً. "لا يمكن لها الآن أن تحملها بمنقارها. لقد حاولت ذلك عدة مرات دون جدوى. اللعبة انتهت... فحُلت المشكلة".
بتصرف عن: دويتشه فيله – د ب ا – وكالات