fiogf49gjkf0d
''غدي نيوز''
قبل أسابيع قليلة من تولي مهامي الجديدة كالمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة العام الماضي، وصف دبلوماسي البلاد لي بطريقة مرئية. وقال لي "تخيل رجلًا معلقًا من الطابق الـ 12 من مبنى والحي بأكمله يترقبه ويتساءل متى سيسقط. وبعد ثلاثة أشهر، ما زال الحي نفسه يراقب هذا الرجل، ولا يزال يتساءل ما إذا كان سيسقط". وأضاف "هكذا يتحدى لبنان الجاذبية". إلا أن صمود لبنان الأسطوري يجب ألا يمرّ بالمزيد من الاختبارات، حيث أنه يتآكل أكثر فأكثر مع مرور كل يوم، ويتآكل ببطء.
لقد ألحقت تداعيات الصراع السوري، بما في ذلك تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة إلى جانب أوجه الغموض الإقليمية والاستقطاب السياسي الداخلي، خسائر فادحة على الاقتصاد اللبناني.
جميعنا يعرف الإحصاءات الاقتصادية القاتمة: فقد تباطأت توقعات النمو بشكل كبير لتنخفض من متوسط قدره 9% في فترة 2007-2010 حتى 1-% في فترة 2011-2015. إن كافة قطاعات الاقتصاد تكافح، فيما تضعف القدرة على المنافسة مع خسارة الأسواق الإقليمية والطرق التجارية الكبرى. كما استأنف الديْن العام مساره الخطير والمتزايد فيما تتضاءل الاستثمارات جراء تراجع الثقة.
أضف إلى ذلك، فقد تفاقمت المشاكل الموجودة من قبل مثال ضعف البنية التحتية في البلاد، بما في ذلك الكهرباء وإمدادات المياه وشبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية وذلك جراء عدم توافر الصيانة والتحديث.
وعلى ضوء هذه الخلفية، شهدت البطالة زيادة ملحوظة، وخاصة بين الشباب. وتشعر الطبقة المتوسطة في لبنان بالقلق حيال المستقبل، كما يتضح من انخفاض مؤشر ثقة المستهلك. ويغذي قلقها هذا وجود اللاجئين وأثره الديمغرافي. وفي الوقت نفسه، يزداد الفقراء فقرًا فيما تخسر الفئات المهمشة الثقة في مستقبلٍ أفضل. وتبقى حالة خيبة الأمل والقلق أرضية مشتركة للتعصب والتطرف، وهي "كليشيهات" علينا أن نحذرها لعدم تحدي طبيعة لبنان متعددة الطوائف والمتسامحة.
وفي الوقت الذي يتمتّع السلام والأمن والاستقرار بأهمية حاسمة لمنع تصاعد المخاطر ولاستعادة الثقة في البلد، ثمة حاجة على نفس القدر من الأهمية للتخفيف من التحديات الراهنة ألا وهي حزم الحوافز الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية والاستثمارات الكبيرة.
وبالفعل، يتم إنجاز الكثير في هذا الصدد. فقد اضطلع مصرف لبنان بدور حيوي من خلال توفير الائتمان بأسعار مدعومة للاستثمار في القطاعات الإنتاجية والإسكان. وإلى جانب أكثر من مليار دولار من المساعدات الدولية السنوية، ولسوء الحظ، لم يكن هذا كافيًا لعكس الاتجاهات السلبية في النشاط الاقتصادي.
ما المطلوب أكثر من ذلك؟ كيف يمكن للبنان أن يحسّن الظروف الاقتصادية ويخلق فرص العمل ويحويل الأزمة إلى فرص جديدة؟ كيف بإمكانه الابتعاد عن منطقة الخطر؟
لقد طرحت هذه الأسئلة، على مدى الأشهر القليلة الماضية، على عددٍ من الخبراء الاقتصاديين وأشاروا جميعهم إلى الحاجة إلى الرؤية والإرادة السياسية والمخاطر المشتركة وبرامج متعددة الأوجه الشاملة كشرط مسبق لاستعادة ديناميكية إيجابية.
لقد اكتسبت الشعب اللبناني تجربة إعادة بناء دولة مزقتها الحرب. فلبنان يتمتّع بالخبرة والموارد ليس لتوليد النمو محليًا وحسب وإنما أيضًا لوضع نفسه في موضع الاضطلاع بدور حاسم في عملية إعادة الإعمار في المستقبل من سوريا.
ولتمهيد الطريق، ثمة حاجة إلى تحسين القدرة التنافسية من خلال الاستثمار في البنية التحتية المحسّنة في القطاعات الإنتاجية. وأما المفتاح لتحسين هذه الاستثمارات فيتمثّل في الإصلاحات الهيكلية، بما في ذلك سوق العمل وقطاع الكهرباء.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يُعتبر كل من العمل على سنّ مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتصديق على قوانين الميزانية التي طال انتظارها والتفاوض على أشكال جديدة من الاتفاقات التجارية شروطًا أساسية في هذا الصدد.
وقد أثبت كل من مجلس الوزراء ومجلس النواب، في نهاية العام الماضي، إمكانية سن القوانين المطلوبة بشدة في الساحة المالية الدولية والتصديق على مشاريع البنية التحتية التي طال انتظارها. هذا يدل على أن الإرادة السياسية يمكن أن تقود الأولويات الاقتصادية الوطنية.
وأخيرًا، يجب تقاسم المخاطر لتمويل الاستثمارات الهامة. وعلى المجتمع الدولي أن يواصل جهوده لتوفير التمويل الكافي لحكومة لبنان، سواء كان ذلك من خلال المنح أو القروض الميسرة، وعلى هذه الأخيرة أن تولي الأولوية للاستثمارات وتقدّم التسهيلات للمستثمرين من القطاع الخاص للتخفيف من المخاطر المرتبطة بعدم اليقين.
يتطلب إحلال الاستقرار الاقتصادي الوطني ووضع البلاد في الموضع لإعادة إعمار سوريا الشجاعة والعزيمة، وقبل كل شيء، القدرة على وضع المصلحة الوطنية قبل المصلحة السياسية والطائفية.
الاستقرار ليس أمرًا مسلمًا به والوقت هو ذا أهمية كبرى يجب الحفاظ عليها. مع وجود أكثر من ربع سكانه كلاجئين، يمكن للبنان أن يرتقي إلى مستوى التحدي المتمثّل في تحويل هذه السلالة إلى مكسب كبير. وبالفعل، يتوقع البعض أن تواجه سوريا عجزًا في القوة العاملة لديها مع بدء عملية إعادة الإعمار. ليس من سوري يرغب في أن يبقى لاجئًا وأن يفوّت الفرصة لإعادة بناء بلده أو بلدها.
على لبنان واقتصاده أن يضطلعا بدور حاسم في هذه الرحلة المستقبلية؛ فتعزيز البيئة اللازمة ووضعها الآن إنما يصب في مصلحة الجميع. أما النجاح فسيعتمد على اتخاذ القرارات والقيام بالأعمال، الأمر الذي سيبيّن كما ويعزّز الأساس المتين الذي يكمن وراء صمود لبنان الأسطوري ويضع حدًا لتساؤلاتنا حول استمراره في تحدي الجاذبية.
Philippe Lazzarini
UNLazzarini@