fiogf49gjkf0d
"غدي نيوز"
لسنوات طويلة حرم سكان العاصمة من حرش بيروت، المساحة الخضراء العامة الأكبر في المدينة، حيث كان الدخول الى المتنفس الاخضر الوحيد في العاصمة يتطلب مجموعة من الشروط أبرزها أن يكون صاحب الإذن قد تجاوز الـ 35 من العمر، وأن يكون من "نخبة المجتمع"، أو أجنبياً، قبل ان يتساوى ابناء البلد مع الاجنبي بالحق في الدخول الى الحرش!
حرش بيروت والذي كان شاهداً على خطوط التماس بين المناطق المجاورة له من طريق الجديدة الى الشياح وعين الرمانة، والشاهد الاكبر على همجية آلة الحرب الاسرائيلية التي دمرت فيه أشجار الصنوبر ولما يزل بعضها القليل شامخا، وشاهدا على ما واجهت بيروت من أحداث ودمار، عاد ليفتح ابوابه وينزع عنه الخصوصية التي لازمت الدخول اليه، ليتحول الى نقطة تلاقٍ بين المناطق المجاورة له وفسحة للأطفال الذين حرموا من المساحات الخضراء داخل العاصمة.
أُغلق الحرج عام 1992 على أساس أن تنتهي الأعمال فيه بعد 10 سنوات في العام 2002 ويصبح جاهزاً لاستقبال الجميع، وتمّت زراعة 7000 شجرة صنوبر فيه إضافة إلى عدد من الأشجار الفرنسيّة وأنواع أخرى من النباتات والأشجار والزهور. ويتراوح عدد أشجار الصنوبر في حرج بيروت بين 7000 و8000 شجرة، ويحتوي على أنواع عديدة من النباتات والأشجار، كأشجار الخرّوب والزيتون وأشجار ألبيزيا، أشجار "جاكراندا" Jacaranda المزهرة والتي تتميّز بأنّها تُستخدم للظلّ والتزيين في الشوارع والحدائق العامّة، وشجيرات «لسان الحمل» ونباتات الزينة "العسلة اليابانيّة" أو الياسمين العرائلي أو الياسمين العراقي وغيرها...
جمعية نحن كانت المقاومة الاولى لانتزاع حق اعادة فتح الحرش امام الجميع، يعتبر رئيسها محمد ايوب ان الأشجار المعمّرة التي بقيت صامدة في الحرج، لا تشكّل إلا نسبة قليلة تتراوح ما بين 20 إلى 50 شجرة معمّرة، لكن أُعيد تشجيره بشتول وأشجار جديدة، وفي العام 1992 ساهمت فرنسا، وتحديداً منطقة «ايل دو فرانس»، في إعادة تشجير الحرج وتصميمه ليكون منتزهاً عامّاً للجميع وذلك بموجب معاهدة تمّ توقيعها بين بلديّة بيروت ومنطقة «ايل دو فرانس»، على أن تتولّى بلديّة بيروت وضع المواد الصلبة وإدارة الحرج، ولكن بلدية بيروت لم تلتزم بالاتفاقية .
جنة في بيروت
على مدخل الحرش يستقبلك رجل عجوز يعرض بضاعته المتواضعة من اوراق اللوتو والعلكة وغيرها من الامور البسيطة، فيتحدث بفرح عن اعادة الحرش، معتبراً ان الحرش عاد الى سابق عهده رغم تقليص مساحته عما قبل الحرب الاهلية الا ان تلك المساحة رغم صغرها تبقى "جنة" بالنسبة لسكان بيروت عامةً والاطفال بشكل خاص الذين لا يعرفون عن المساحات الخضراء سوى في الجبل او عبر شاشة التلفاز. فذاكرة بيروت بحسب الرجل الخمسيني لا يمكن ان تكون بدون الحرش.
وبعد البائع المتجول تستقبلك صرخات الاطفال وعناصر الامن المولجون حماية المكان، بالاضافة الى مجموعة من الرياضيين يمارسون رياضة الركض، فالمكان مناسب لتلبية احتياجاتهم، وعلى مقربة منهم ضحكات اطفال يمرحون بالقرب من اهلهم... اصوات الاطفال يخرقها صوت الموسيقى من قبل فرقة عزف وجدت في الحرش ملتقى لها فتجمع حولها جمهور صغير وبدأ الاستماع الى اغاني فيروز وغيرها من الاغاني القديمة، وكأن هموم لبنان الاقتصادية والامنية وضغوطات العيش نسيها رواد الحرش.
صورة مصغرة عن لبنان
الحرش يعتبر صورة مصغرة عن لبنان، فرواده من جميع الفئات والطوائف والمناطق، سياح اجانب وجدوا بمساحته الخضراء فسحة بعيداً عن ضوضاء بيروت وزحمة سيرها خصوصاً ان المكان يتمتع بالأمان فلا احد له علاقة بالآخر ودوريات شرطة البلدية والجيش اللبناني تجول بشكل متواصل مانعة اي احتكاك محتمل بين رواده.
جو وهو احد سكان برج حمود قصد الحرش مع صديقته حيث رأى انه رغم تأخير الافتتاح لكن النتيجة جيدة جداً، خصوصاً انه الفسحة الخضراء الوحيدة في العاصمة، ولكن يمكن ان تكون النتيجة أفضل مع توزيع عدد أكبر للمقاعد والحاويات واصلاح الطرق، وهناك بعض المناطق تحتاج للمزيد من الاهتمام إنما يكفي وجوده كرئة لبيروت.
مقصد الشباب والكبار
اما احمد وهو من سكان منطقة الشياح فقال انه كان يظن ان الحرش غير موجود بهذا الجمال فهو لم يشاهده سوى عبر الصور على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بينما كان الذهاب الى منطقة قصقص ممنوعا من قبل اهله خصوصاً بعد احداث 7 ايار 2008 والاحتكاكات بين منطقة الشياح وطريق الجديدة، فكان يقصد ملاعب كرة القدم المجانية هناك، معتبراً انه من الظلم بحق اهل المدينة ان تقفل مساحة كبيرة مثل الحرش بوجههم وتفتح فقط للأجانب. بينما جلال من سكان منطقة النويري كان يقصد المنطقة مع والده لممارسة رياضة الركض حيث كان يسأل والده لماذا لا يمكننا الدخول الى هناك ليكون الجواب بأن الحرب اقفلته وقد يفتح لاحقاً، وفي حال كنا نريد الذهاب الى حديقة عامة كنا نقصد حديقة الصنائع او نذهب الى الجبل.
ارشادات
وخلال الجولة داخله يستوقفك عدد من المتطوعين الذين يقدمون الارشادات للزوار، فالدراجات النارية ممنوعة من الدخول كذلك الباعة المتجولون، وبالطبع صيد العصافير والمواد المسببة للحريق، ورغم انه يمنع التدخين داخله الا ان "اللبناني كالعادة يحب المخالفة" فنسبة المدخنين كبيرة كما يمنع ادخال النرجيلة ومنقل الفحم خوفاً من اي حريق قد يطال المكان.
التنوع المناطقي داخل الحرش كان واضحاً خصوصاً في شهر رمضان، فالرواد الاجانب ومن غير الطوائف الاسلامية يتمتعون بشرب العصائر وتناول الطعام في ظل الجو الحار الذي ضرب لبنان، بينما الرواد المسلمون اقتصرت زيارتهم اما لممارسة الرياضة قبل موعد الافطار، او قضاء الوقت مع اطفالهم.
رغم ان اعداد الزوار يعتبر مقبولاً ومرتفعاً الا ان نسبة كبيرة من سكان العاصمة خصوصاً جيل الشباب لا يسمع بخبر اعادة افتتاح الحرش بعد سنوات طويلة من الاقفال، ولكن زيارة واحدة لهذه المساحة الخضراء داخل العاصمة كفيلة بأن تعطي زواره طاقة ايجابية في ظل غياب ثقافة الاماكن العامة والمساحات الخضراء في لبنان على امل الّا يتطلب دخول الحرش في السنوات القادمة مبلغا ماليا او يتحول الى مشروع سياحي لأحد حيتان المال.
المصدر :البلد