fiogf49gjkf0d
"غدي نيوز"
الكتلة المتفحمة البالغة من العمر 2000 عام بقيت في مخزن عالم آثار إسرائيلي طوال عقود، مع استحالة فتحها بسبب هشاشتها. اليوم، كشفت تقنيات التصوير الجديدة عما كُتب فيها: الدليل الاوّلي على نص توراتي في شكله القياسي.
انها اقدم مخطوطة معروفة حتى اليوم من التوراة. والمقاطع من سفر اللاويين- احد اسفار موسى الخمسة التي تشكل التوراة- على ما يفيد العلماء، تقدّم الدليل الحسي الاول على ما اعتُقد طويلا أن تلك النسخة من التوراة المستخدمة اليوم تعود الى 2000 عام.
الاكتشاف المعلن في مقالة نشرها باحثون في ولاية كنتاكي الاميركية والقدس في مجلة "ساينس ادفانسز" الاميركية، أُنجز عبر "إزالة التغليف الظاهري"، وهو تحليل رقمي ثلاثي الابعاد 3D بالأشعة السينية. ويقول الباحثون انها المرة الأولى التي يتمكنون فيها من قراءة لفيفة قديمة من دون الحاجة إلى فتحها.
في اعدادهم لنسخة مصورة عن المخطوطة الملفوفة، يظهر نص من 35 خطا في كل عمود، منها 18 خطا محفوظا، و17 تمكن العلماء من اعادة تشكيلها. "لا يمكن أن تتخيلوا الفرح الذي عمّ المختبر"، تقول بنينا شور من هيئة الآثار الإسرائيلية، والتي شاركت في الدراسة.
من المقرر الكشف علنا عن تلك التكنولوجيا الرقمية التي موّلتها "غوغل" ومؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، كبرنامج حرّ المصدر بحلول نهاية السنة المقبلة. ويأمل الباحثون في استخدامها لالقاء نظرة خاطفة داخل المستندات القديمة الأخرى التي يستحيل فتحها لهشاشتها، مثل بعض من مخطوطات البحر الميت، ومخطوطات البردي المتفحمة اثر ثوران بركان فيزوف العام 79م. ويعتقد الباحثون انه يمكن تطبيق تلك التكنولوجيا أيضا في مجالات الطب الشرعي والاستخبارات والحفاظ على الآثار.
العام 1970، اكتشف علماء الآثار اللفافة التوراتية، موضع الدراسة، للمرة الاولى في عين جدي، وهو موقع لمجتمع يهودي قديم قرب البحر الميت. داخل خزانة اللفائف التوراتية لمعبد قديم، وجد علماء الآثار كتلا من اجزاء لفائف.
المعبد دُمِّر في حريق، وتفحمت مخطوطاته. غير ان المناخ الجاف للمنطقة ساهم في الحفاظ عليها. لكن عندما لمسها علماء الآثار، بدأت المخطوطات بالتفكك. لذلك تم تأجيل فتحها طوال نصف قرن تقريبا، وما امكن أي شخص ان يعرف ما كتب فيها.
العام الماضي، دخل يوسف بوراث، عالم الآثار الذي اجرى الحفريات في عين جدي العام 1970، إلى مختبر هيئة الآثار الإسرائيلية في القدس، حيث تحفظ مخطوطات البحر الميت، مع صناديق من قطع الفحم. كان المختبر نفذ صورا عالية الدقة لتلك مخطوطات، وهي أقرب نسخ للنصوص الكتابية المكتشفة ابدا. وطلب بوراث من الباحثين اجراء مسح ضوئي للفائف المحترقة. "نظرت اليه، وقلت له لا بد من انك تمزح"، تروي شور مديرة المختبر.
وافقت. وتم مسح عدد من المخطوطات المحترقة ضوئيا، بتقنية الابعاد الثلاثة للتصوير المقطعي المستخدم في المستشفيات لتصوير اجزاء داخلية من الجسم. ثم أرسلت الصور إلى وليام برنت سيلز، الباحث في قسم علوم الكمبيوتر في جامعة كنتاكي.
مخطوطة واحدة فقط امكن فكّ شفرتها. عبر تكنولوجيا "إزالة التغليف الافتراضي"، تمكّن سيلز وفريقه بعناء من التقاط الشكل الثلاثي الابعاد لطبقات المخطوطة، باستخدام شبكة مسطحة مثلثة رقمية، لتحقيق تجسيد افتراضي لأجزاء المخطوطة التي يشتبه بانها تحتوي على النص. بعد ذلك، فتش الباحثون عن الـ"بكسل" الذي يمكن أن يعني وجود حبر مصنوع من مادة كثيفة، كالحديد أو الرصاص. ثم استخدموا المحاكاة الحاسوبية لتسطيح المخطوطة افتراضيا، للتمكن من قراءة بعض أعمدة النص في الداخل.
وبالتالي امكن، ليس "رؤية الكتابة فحسب، انما ايضا قراءتها"، يقول سيلز. "عند هذه النقطة، كنا مبتهجين كليا." يقول الباحثون إنها المرة الأولى التي تكتشف مخطوطة في خزانة معبد قديم، حيث تم تخزينها من اجل الصلاة، وليس في كهوف صحراوية على غرار مخطوطات البحر الميت.
هذا الاكتشاف يكتسب أهمية كبيرة لفهم تطور التوراة العبرية، يقول الباحثون. في العصور القديمة، انتشرت نسخ عدة من التوراة العبرية. مخطوطات البحر الميت التي ترجع الى القرن الثالث ق.م، تظهر نسخا من النص تختلف جذريا عن التوراة العبرية اليوم.
يعتقد العلماء ان التوراة العبرية، في شكلها المعتاد، ظهرت للمرة الاولى قبل نحو الفي عام. لكن لم يكن لديهم اي دليل مادي على ذلك... حتى اليوم، وفقا لما تقول الدراسة. أقدم أجزاء معروفة من النص التوراتي الحديث تعود إلى القرن الثامن.
"النص المكتشف في مخطوطة عين جدي المتفحمة "مطابق 100 في المئة" لنسخة كتاب اللاويين المستخدم طوال قرون، يقول الخبير في مخطوطات البحر الميت العالم ايمانويل توف من الجامعة العبرية في القدس، والذي شارك في الدراسة. "هذا مدهش للغاية بالنسبة الينا. طوال الفي عام، لم يتغير هذا النص".
ويضيف مدير قسم الفلسفة والاديان في الجامعة العبرية في القدس مايكل سيغل: "اصبنا بالدهشة حين لاحظنا ان بعض المقاطع مشابهة تماما لما ورد في النسخ الماسورتية" للعهد القديم، اي تلك التي جمعت واعتمدت رسميا بعد ذلك قرون.
من جهته، يجد نعوم مزراحي، وهو خبير في مخطوطات البحر الميت في جامعة تل أبيب- ولم يشارك في الدراسة- ان "الاكتشاف جيد جدا". في رأيه، تكنولوجيا التصوير الشعاعي تحمل إمكانات كبيرة لتحقيق مزيد من القراءات لمخطوطات البحر الميت التي لم تُفتح بعد. الاهمية تكمن، ليس في ما تم العثور عليه فحسب، انما ايضا "في ما يعد باستكشافه، والذي سيتحوّل اكتشافا مثيرا".