"غدي نيوز"
سوزان أبو سعيد ضو
تختلف الهوايات وتتنوع من شخص وآخر، فقد نجد البعض يجمع الطوابع والسبحات والتحف القديمة وغيرها، فيما نجد البعض يعنى بتربية الحيوانات والطيور وجمع الأزهار النادرة، إلا أننا قلما وجدنا من يهتم بالسلاحف البرية، يجمعها، يطعمها ويوفر لها الملاذ والمأوى، ومن ثم يعمل على إكثارها وإعادتها إلى بيئتها الطبيعية كلما تكاثرت وضاقت بها الأمكنة التي وفرها لها.
في بلدة رويسة البلوط (قضاء بعبدا) الغارقة وسط أشجار الصنوبر في "وادي لامرتين"، يجمع مرسل سري الدين منذ خمسة عشر عاماً السلاحف البرية، يوفر سبل رعايتها، في أحواض محيطة بمنزله، وأكسبته هذه الهواية القدرة على التعامل مع هذه السلاحف بأحجامها المختلفة وتآلفت معه، تتناول الطعام من يديه ويغسلها ويعتني بها، حتى غدا منزله مقصدا للمواطنين والطلاب من مختلف المناطق اللبنانية ليتعرفوا عن كثب على هذه المخلوقات الرائعة والمسالمة.
سري الدين: أتفاءل بها
وأشار سري الدين لـ ghadinews.net إلى أن "هوايتي بدأت بالصدفة، يوم وجدت سلحفاة على الطريق كادت تدهسها سيارة فجلبتها إلى المنزل، ومن ثم صرت أجلب السلاحف من بعض المناطق والبلدات والأماكن، وتآلفت معها، وأتفاءل بها، ومن ثم أخذت تتكاثر حتى وصل عددها خلال العام الماضي إلى 120 سلحفاة، موزعة في هذه الأحواض حول المنزل".
وعن أسباب تفاؤله بها، قال "السلحفاة يدعوها العديد (المبروكة)، بينما البعض الآخر يتشاءم منها، بالنسبة لي لم تجلب لي إلا الخير والصحة وراحة البال، وقد بدأت هوايتي هذه منذ أكثر من 15 سنة ولدي سلاحف بهذا العمر".
الأنثى أكبر حجما
وقال سري الدين: "تختلف ألوان وأشكال السلاحف وفقا لطبيعة الأرض التي وجدتها فيها، كما أن فتحتها الأمامية تختلف، فبعضها متموج وبعضها محدب أو دائري، وأميز الذكر من خلال قوقعته فهي مجوفة إلى الداخل من الخلف، كما أن الأنثى أكبر حجما".
وأضاف "لا أتبع نظاما أو طريقة في الترقيم أو خلافه، بل أضع علامات على السلاحف الأنثى التي وضعت البيوض للسنة الأولى أو الثانية أو الثالثة بواسطة الحبر الصيني وعددها عندي أكبر من الذكور، وأميزها في وقت وضع البيوض، وأكرر عملية ترقيمها لأن الحبر يمحى بسهولة"، وقال: "أستمتع برؤيتها وهي تتواصل مع بعضها البعض، فهي لا تتعارك مع بعضها البعض، وقد تتسابق في التهام الطعام، ولكن ليس بينها تصرفات عدوانية أو ما شابه، حتى في فترة التزاوج".
120 سلحفاة
وأشار سري الدين إلى "أنني أصبحت مقصودا من الكثيرين، يجلبون السلاحف إلي، ويأتي البعض للتفرج فحسب، ويطلب البعض اقتناءها، وقد أتى وفد من الأجانب وحملوا السلاحف وقام بعضهم بمعانقتها وتقبيلها"، وأكد ان "الكائنات البرية ليست للمتاجرة، خصوصا بالنسبة للبيوض التي يطلبها البعض ظنا منهم أن تناولها يزيد من القدرة الجنسية وكل هذه الأمور خرافات لا تمت إلى العلم بصلة".
أما عن طعامها، فقال سري الدين: "لا تحتاج للكثير من الطعام، وتقريبا لا أرمي أي خضار أو فواكه في النفايات، فمثلا قشور الخيار والبندورة والجزر وورق الخس وورق العنب والتين والكوسى والمشمش والتفاح تعتبر طعاما محببا للسلاحف، أما الأرز والخبز فأطعمها منها، ولكن بكميات قليلة، فهذه الكائنات تستهلك كل ما ينتج عنا من مخلفات عضوية، كما أشتري من محال الخضار الخس لأنها تفضله على سائر الخضروات، وقد أصبحت زبونا لديهم أجلب بعض ما ينتج عنهم من بقايا خضار، ولكن لا أعطيها البقدونس والنعنع والباذنجان، فأنا أعمل على تدوير النفايات إنما على نطاق ضيق، كما لا أضع كثيرا من المياه بل أغسل رأسها بالقليل منه وهي تبتلعه أثناء هذه العملية".
وأضاف "وصل عددها في العام الماضي إلى حوالي 120 سلحفاة إلا أن بعضها أهديتها إلى أصدقاء، والبعض الآخر سرقه الأطفال، كما أن 20 سلحفاة صغيرة التهمها جرذ، لأن قوقعتها تظل لدنة وطرية في الفترة الأولى بعد أن تفقس، وقد التهم 7 منها خلال خمسة أيام، لكننا استطعنا التخلص منه".
وعن حالات أخرى من الإصابات والنفوق، قال "لم ينفق لدي سوى 10 سلاحف خلال 15 عاما،لم أعرف السبب إلا في حالة واحدة منها دهستها سيارة، كما أن إحداها ضربها أحدهم بعصا عن طريق الخطأ خلال محاولته قتل ثعبان احتمى بها، وقد عالجت قوقعتها التي أصيبت لفترة تزيد عن الأسبوع ونزفت وتألمت ولكنها الآن بخير".
محمية خاصة بالسلاحف
ولفت سري الدين إلى أنه "كان لدي سلحفاة عمياء لكنها نفقت منذ أسبوعين، كما أن لدي سلحفاة تعاني من إعاقة فهي ترى بعين واحدة فقط منذ أن فقست، كما تعاني من ضمور في قوائمها الأمامية، فإحداها بلا أظافر أما الثانية فقصيرة للغاية، إلا أنها طبيعية في كل ما عدا ذلك، وقد تزاوجت أيضا، ولا تصيب السلاحف الأمراض إلا حشرات القراد التي تمتص دماءها، وأعمل على إزالة هذه الحشرات أولا بأول، تتواجد عند ذيلها معظم الأحيان".
أما عن دورة حياتها فقال "تبدأ السلحفاة بالتزاوج ابتداء من سبع أو ثماني سنوات، من آذار (مارس) وتضع البيوض في تاريخ 9 أيار (مايو) حتى 15 حزيران، وتضع 4 بيوض عادة وبعضها يضع بيوضا ثلاث مرات في الموسم، أي نحو 12 بيضة كل سنة، ولكن لا تبيض جميعا ولا تنجح كل البيوض ولدي حوالي 30 سلحفاة تبيض، ولكن يفقس منها بالمعدل 70 بالمئة".
يعاني سري الدين من أن منزله قريب من الطريق الرئيسية، ولذلك يعمل على تأمين مكان جديد لها يكون بمثابة محمية خاصة بالسلاحف بعيدا من عدويها الرئيسيين الإنسان والجرذان.
وأضاف: "قبل وضع البيوض تقوم الأنثى بحفر الأرض حوالي 20 سنتمترا، وأقوم بمساعدتها بهذا الأمر في بعض الأحيان، وقد تستمر السلحفاة في وضع البيض لفترة تزيد عن ساعتين، ثم ترص التراب جيدا بقوائمها، وتشبه بيوضها بيوض طائر الفري إلا أن لونها أبيض، وتتطلب البيوض بين الشهرين والأربعة أشهر لتفقس".
صادق: ليست مهددة بالإنقراض
وفي هذا السياق، قال الخبير في العلوم البيولوجية والمحاضر ومدير متحف التاريخ الطبيعي في الجامعة الأميركية في بيروت البروفسور رياض صادق لـ ghadinews.net: "يوجد في لبنان والشرق الأوسط نوع واحد من هذه السلاحف وهي "مهمازية الورك" أو باللغة الإنجليزية Spur-thighed tortoise، واسمها العلمي Testudo graeca وتتواجد في موائل متعددة في لبنان، وهي ليست على القائمة الحمراء الخاصة بـ "الإتحاد الدولي لصون الطبيعة" International Union for Conservation of Nature أو الـ IUCN، ولكن هناك ملاحظة عليها من قبل اتحاد صون الطبيعة بأنها من الأنواع التي يتاجر بها كحيوان أليف إلى أوروبا، ولكن هذا النوع بسبب البرد لم يتأقلم مع المناخ في أوروبا، وقد أوقفت وزارة الزراعة ومنعت ترخيص هذه التجارة".
وأضاف صادق: "قمنا كباحثين بعملية رصد منذ 10 أيام للأنواع المهددة، ووجدنا أنها ليست مهددة ولا يعاني من التهديد المباشر، ويتواجد في مناطق عدة، ويعيش قرب البيوت، إلا أن هذا لا يعني أن هذا النوع قد لا يتعرض للتهديد من البشر، كما أن ليس هناك أمراض يصاب بها، أو ينقل الأمراض إلا في حال وجودها داخل البيوت، ولكن على الإنسان الذي يتعامل معها داخل البيوت أن يراعي القواعد الصحية فلا يجب أن ننسى أنها تتعرض لكافة أنواع الميكروبات من التربة".
أما عن هواية جمعها، فقال صادق: "إن كان قصده إكثارها فهي خدمة للبيئة والنوع، أما مدى هذه الخدمة فلا يمكن أن نقدر ايجابياتها، فالسلاحف لا تتناقص بصورة مقلقة لنستحدث ملاجئ خاصة به، وبرنامج طارئ لتربية وحماية النوع، ولكن إن كان قصده إفلاتها في الطبيعة وإكثارها كخدمة للحياة البرية، فهذا أمر جيد".