سوزان أبو سعيد ضو
تناقلت وسائل التواصل الإجتماعي صورة قرار من ملف عائد لمشروع سد القيسماني صادر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء (رقم المحضر 23 ورقم القرار 44 بتاريخ 24-3-2010) حول زيادة تكلفة السد، وبالتالي زيادة قيمة القرض الأساسية بنسبة 20 بالمئة، وكان الكثيرون يعتقدون أن تمويل سد القيسماني جاء بهبة كويتية، ليفاجأوا بأنه قرض... وبمبالغ خيالية!
وفي هذا السياق كانت عدسة ghadinews.net قد رصدت صورا للسد الواقع قي أعالي بلدتي حمانا وفالوغا – قضاء بعبدا، وبالتحديد في "سهل المغيثي"، ووثقت وجود كمية قليلة من المياه لا تتجاوز المتر الواحد! ما اعتبره بعض الخبراء "فضيحة في كافة المجالات"، خصوصا وأن تكاليفه تجاوزت الـ 32 مليون دولارا أميركيا.
وفي هذا السياق، التقينا الباحث في مجال سياسات المياه water politics and policies والذي يشغل أيضا منصب الأستاذ المساعد Assistant Professor في قسم العلوم السياسية والسياسات العامة في الجامعة الأميركية في بيروت البروفسور رولان رياشي، وبعد رؤيته الصور، وكونه من المتابعين لموضوع السد في حمانا، ومن الرافضين أساسا لمشاريع السدود السطحية، ولا سيما العشوائية منها في لبنان.
بركة أم سد؟
وأشار رياشي بداية إلى أنه "في حالة سد القيسماني ساهم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية باكثر من 80 بالمئة من التمويل، وبفائدة تقدر بـ 4 بالمئة سنويا وستتراكم مع مرور السنوات، وتضاف إلى المبلغ المستدان، فضلا عن تراكم الدين العام وهندسته وتمويل الفوائد الخارجية التي تدفع بصورة فورية للممولين".
وقال: "يظهر القيسماني في الصور هجينا بين البركة والسد وإن كان أقرب للبركة، وكان من المفترض أن يكون بركة لجمع المياه لا سدا، ووفقا لبنائه الظاهر فهو ليس سدا تماما وإن كان أقرب لتصميم بركة، فالسد لا يعزل قاعه بعملية Sealing، بعكس البركة"، ولفت إلى أنه "في أغلبية السدود قد يعملون على تزفيت جدرانها، إنما في حالة هذا السد فقد غلف بمواد بتروكيميائية لا نعرف مدى تأثيرها البيئي".
ولفت رياشي إلى دراستين "أعد الأولى الدكتور معتصم الفاضل من الجامعة الأميركية ، والثانية بحثت في التقييم البيئي الاستراتيجي لقطاع المياه الجديد في لبنان وقامت بها وزارة البيئة، وتوصلت الدراستان إلى أن ثمة محظورات عديدة لإنشاء عدد من السدود المقترحة ومنها القيسماني خصوصا لتأثيرها على التنوع البيئي والتلوث، وتغير المناخ"، وقال: "هذا السد فاشل تماما كسد شبروح، فلا توجد فيه كمية مياه كافية، أما سد شبروح فيخسر 200 ليتر مياه بالثانية وفقا لدراسة أجرتها الجامعة الأميركية أيضا، فضلا عن حرمان المناطق القائمة فوق السد من مياه نبعي اللبن والعسل، ومشاكل عدة لجهة الكمية والجودة والنوعية بسبب تلوثها بالصرف الصحي من المنشآت القائمة فوق السد، خصوصا وأن كافة المنشآت ليس لديها أنابيب لتصريف مياه المجارير".
وأضاف رياشي: "أما بالنسبة للتكلفة، فقد كان من المفترض أن يكلف سد شبروح 40 مليون دولار، لكن تكلفته النهائية وصلت إلى 100 مليون، ومن أسباب هذه التكلفة الإضافية عملية التسرب، وتم حقن الإسمنت في الصخور الكارستية المميزة لمعظم أراضينا بهدف منع التسرب إلا أن هذا الأمر كلف أكثر من ضعفي التكلفة، ولم يحد من تسرب المياه".
عملية حسابية
وعن تكاليف القيسماني، أكد رياشي أنه "بلغت تكاليفه أكثر من 32 مليون دولار، وذلك لجمع حوالي 0.8 مليون متر مكعب، وبعملية حساببة مبسطة، فإن قسمنا الكلفة على كمية المياه، نجد أن كل متر مكعب من المياه يكلف حوالي 40 دولار، وهذه الكلفة المباشرة سنويا، أو ما يعرف بـ (سعر الإستثمار)، ومقارنة بشبروح فقدرت كلفة المتر المكعب بـ 30 دولار أما بسري وجنة، فسيكلف المتر المكعب حوالي 30 دولار، وكما أسلفنا فهي كلفة آنية لإنشاء السد فقط وهناك تكاليف إضافية للتشغيل والصيانة فضلا عن الفائدة السنوية على القروض المأخوذة لصالح إنجاز هذه السدود".
وأضاف: "تدخل الـ 32 مليون أو جزء منها في الدين العام، وقد تأتي بعض الإيرادات من جبايات مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، وهي بقيمة 296 ألف سنويا، ومن الجدير ذكره أن هذه القيمة ارتفعت من 234 ألف سنويا، ويدفعها المواطن ثمنا للحصول على كمية مياه نظيفة تقدر بـ 365 متر مكعب نظيفة، ولكننا ندفعها لكمية لا تتجاوز 100 متر مكعب، ومن المفروض أن تخضع لمعايير الجودة والنوعية، وفي تسعينيات القرن الماضي كانت تصل اللبناني المياه النقية من الصنبور (الحنفية)، إلا أن جودة المياه تدهورت، ويؤكد المسؤولين أن هذه التكلفة لدراسة الجودة والنوعية، لذا فالمواطن يدفع خدمة لن نحصل عليها كما أن الجودة مشكوك بها".
وقال رياشي:"قد تزداد كلفة الجباية على المواطن لتمويل قيمة إنشاء السد بالإضافة إلى فوائد الدين وكلف التشغيل والصيانة وغيرها، ولا يكفي أن المياه لا تصل للمواطن، بل إنه يشتري مياه الشرب وللاستعمال المنزلي والصناعي وغيرها، وكأن المواطن لا يكفيه أعباء من دفع ما لا يقل عن مليون ليرة إضافية سنويا ثمن مياه، وهذه الجباية كان من المفترض أن تمول الصيانة لشبكة المياه التي تعاني من الإهتراء والهدر بما يزيد عن 40 بالمئة، بسبب عدم الصيانة منذ أكثر من خمسين عامة، ويكتفون بتلزيمات مؤقتة و(ترقيع) لبعض الأنابيب بدلا من استخدام موظفين دائمين يعملون على صيانة الشبكات بصورة مستدامة".
الخدمة غير متوفرة
وأوضح رياشي أن "الخدمة غير متوفرة، ولكن لنفترض أن المياه تصلنا بمعدل متر مكعب يوميا، في هذه الحالة يكلف المتر المكعب حوالي 810 ليرات لبنانية أو 54 سنتا، بالمقارنة فتكلفة المتر المكعب من مصدر سد القيسماني يتطلب تسديدها حوالي 75 سنة، ولا يظن البعض أن هذا الأمر مبالغ به بل أنه بإضافة فائدة الديون، يتطلب حوالي 90 سنة، ومع إضافة الصيانة وتقدر بـ 5 بالمئة سنويا، فقد نتجاوز المئة عام"، وأشار إلى أن "دراسات التكلفة لم تلحظ هذه التكاليف الإضافية، ومن الجدير ذكره أن عمر السدود مهما كانت كبيرة ومصانة بصورة مستمرة لا يتجاوز خمسين سنة، فهل يستطيع المواطن أن يدفع قيمة جباية إضافية؟".
سياسات التقشف
وأشار رياشي إلى أنه "لا يحتسب المسؤولون تحليل كلفة الربح للمشروع أو Cost Benefit Analysis، ولم تلحظ أي من دراسات السدود السابقة والمزمع بناؤها هذه الناحية فضلا عن الكلفة البيئية للسد، مثلا كلفة منشآت سد جنة قد تصل إلى المليار دولار بينما سيكلف بسري مليارين وذلك بهدف جر المياه إلى بيروت، بعد إضافة تكاليف الأنفاق وإستملاكات بأرقام خيالية، ولكن لم تحتسب التكلفة البيئية السنوية لجهة التغير المناخي وتأثير السدود على المياه الجوفية والزراعة وغيرها، لنعط أمثلة سد جنة سيكلف 100 مليون دولار سنويا، أما بسري فقد تصل التكلفة البيئية إلى 200 مليون، والقيسماني أقلها كلفة لكنه يصل إلى مليوني دولار تقريبا، ولكن هذه القيمة قد تضاف إلى الدين العام الذي يضاف إليه فوائد القروض"، وقال: "نحن ندور في حلقة مفرغة لن تنتهي، فإن تطلب تسديد تكلفة سد القيسماني وهو أصغرها حوالي 80 سنة فماذا عن السدود الأخرى".
وختم رياشي: "إن سياسة السدود سياسية وانتخابية ومناطقية وتقاسم للحصص بامتياز، ولا تختلف عن كافة الملفات الأخرى، ويعتبر المسؤولون أنها سياسة بعد نظر، ولكنها خدمة لمبادئ النيوليبرالية الحديثة Neoliberalism، وتبعا للرؤية الجيوسياسية المنتهجة من أيام الراحل الرئيس كميل شمعون وبالإتفاق مع الأميركيين لصد وحصر نفوذ الإتحاد السوفياتي، أما الآن فيتم قبض ثمنها عبر ديون البنك الدولي وغيره من البنوك الكبرى الداخلية المملوكة بمعظمها لسياسينا أو الخارجية منها، ولا ننسى فوائدها وعبر الإتجاه لخصخصة مؤسسات الدولة، وبذلك سندفع المبلغ المطلوب منا لكن أضعافا مضاعفة، فالفائدة في لبنان 4 بالمئة بينما في الخارج لا تتجاوز الصفر بقليل، وختم: "نحن لا نسير على درب اليونان، بل سبقناها بأشواط وسنوات، وما نشهده من سياسة التقشف وخصوصا في الوظائف العامة ومنها قطاع المياه أكبر دليل".