وصول العلم اللبناني إلى قعر أعمق هوة في العالم

Ghadi news

Tuesday, October 16, 2012

"غدي نيوز"

بتصرف عن "النشرة" اللبنانية
  تمكن ثلاثة شبان لبنانيين من تحويل الأعماق هدفاً لهم، فحضّروا العتاد، وتدربوا لأيام وأيام كانت فيها حياتهم معلقة بـ "الحبل"... ليصلوا بالعلم اللبناني إلى أعمق نقطة يمكن أن يصل إليها مغوار في العالم في أعمق هوّة على وجه الأرض "كروبيرا فورونيا".
لم يكن تحدي الغوص 2080 متراً في عمق الأرض بالسهل، ولكن التجربة كانت بمثابة مغامرة العمر لجوزيف تابت وعبدو فغالي وريان زغيب، وهم أعضاء في الجمعية اللبنانية لدراسة المغاور في لبنان، إحدى الجمعيات الأربعة المتخصصة بهذا المجال في لبنان. وتقوم هذه الجمعية بدراسات علمية وجولات ثقافية وبنشاطات متعددة لا تبغي منها الربح المادي بل تدريب الأجيال الجديدة وتحضيرهم للدخول إلى عالم المغاور.
ويشرح تابت، في حديث إلى "النشرة" أنّ فكرة التوجه إلى أبخازيا بدأت عام2011 خلال مشاركته في مؤتمر للإنقاذ بالمغاور إلى جانب شخص آخر من لبنان، وكان المؤتمر يضم أشخاصاً من كل العالم، مشيراً إلى أنه تعرف هناك على مسؤول مشروع مغارة أبخازيا، فاتفقا على التوجه إلى هناك في آب 2011 ولكنه فضل في وقت لاحق التأجيل إلى العام المقبل. ويوضح تابت أنه حين تحدد الموعد، اقترح على فغالي وزغيب القيام بالمغامرة.

الوصول إلى الهدف رغم كل الصعوبات

هي5  ليالٍ و6 أيام أمضاها اللبنانيون الثلاثة داخل المغارة إلى جانب 64 مغواراً آخرين من 11 بلدا في البعثة العلمية العالمية، يفصلها ريان زغيب، البالغ 22 عاماً فقط، بتفاصيلها، في لقاء جمعنا به: "نزلنا أولاً فقط 250 متراً لكي يتعود جسدنا على التغيرات وعلى طبيعة المغارة والحرارة والمجهود الذي سنقوم به. بعدها، صعدنا إلى الخارج. وفي اليوم التالي استمرينا بالغوص ولم نخرج إلى أن بلغنا هدفنا، رغم أن الخطة الأساسية كانت النزول مرة جديدة إلى الـ500 متر والصعود من جديد إلا أن الوقت داهمنا ومشاكل لوجستية اعترضتنا ومنعتنا من السير وفق الخطة. في اليوم الأول، وصلنا إلى عمق الـ700 متر، وسرنا من الـ9 صباحاً حتى السابعة مساءً. على الطريق حمل كل منا حقيبتين: حقيبة الأمور الخاصة وحقيبة للأكل (25 كيلوغراما). بعد أن وصلنا إلى الـ700 متر، نمنا هناك في مخيم كانت قد أعدته البعثة العلمية لنا. وفي اليوم التالي، اتجهنا من الـ700 مترا إلى الـ1410، وسرنا من الثامنة صباحاً حتى الـ6 مساءً. تحدثنا مع قائد الفريق العلمي، لأن المغارة كانت تحتوي على 7 مخيمات تتواصل فيما بينها عبر الأنترفون، فقال لنا أنهم يحتاجون إلى المساعدة للصعود من الـ1680 إلى الـ1410 متراً، لأنهم قرروا إنهاء رحلة الاستكشاف وكانوا يحتاجون إلينا لكي نساعدهم بحمل عدّة الغطس".
ويتابع زغيب، شارحاً أنه "للوصول إلى عمق الـ 1680 كان لا بد لنا من المرور بـsiffon  وهو عبارة عن ممر ضيق طوله متران أو ثلاثة نغطس فيه دون عدة الغطس ودون أوكسيجين. في الـ1680 صعدنا من جديد إلى الـ1410 مع عبوات الغطس، ومررنا بالـsiffon  مرة جديدة. تحدثنا حينها مع المسؤول العلمي، فقال لنا أنه يمكننا النزول إلى هدفنا وهو عمق الـ2080 متراً، أعمق نقطة في العالم. فاستيقظنا عند الخامسة صباحاً في اليوم التالي وانطلقنا عند السادسة والنصف، وكنا نحن الثلاثة إلى جانب شخص آخر وهو بريطاني الجنسية، مررنا بالـ siffon للمرة الثالثة، ولكن هذه المرة لم يكن معنا شيء باستثناء بعض الأكل، لأننا تركنا كل أغراضنا في مخيم الـ1410 متراً".
وأضاف: "خلال نزولنا واجهتنا بعض المصاعب خصوصاً في الـYellow tube الذي هو عبارة عن ممر ضيق جداً وطوله 120 متراً. زحفنا كل هذه المسافة، وفي بعض الأماكن أجبرنا على الزحف جانبياً. وعند وصولنا إلى الـ2080 متراً، فرحنا جداً لبلوغنا الهدف، وحملنا علم لبنان بفخر. بعدها صعدنا في اليوم ذاته إلى الـ1410 لأن مخيم الـ1680 كان يشغله فريق بولوني، ومخيم الـ1800 كان قد تم فكّه".

التحدي الأكبر: الصعود والحمولة!

إذاً، كان عمل الشباب اللبنانيين  يقضي أساساً بمساندة الفريق العلمي إذ إن البعثة العالمية كانت تقوم بدراسة المغارة سعياً لكسر الرقم العالمي بالعمق، وقد تمكنت من تحقيق ذلك. ورداً على سؤال حول ماهية المساعدة التي قدموها، يقول فغالي: "بداية، نحن شرحنا لهم أن هدفنا الأساسي هو أن نصل إلى أعمق نقطة في العالم، وقلنا لهم أننا وخلال قيامنا بتحقيق هدفنا، مستعدون للمساعدة قدر الإمكان، فساعدناهم خصوصاً بالحمولة. كانوا يطلبون منا أن نحمل بعض العتاد وننقلها من مخيم إلى آخر، أو حقائب الأكل... وإلى ما هنالك. فتمكنا نحن من تحقيق هدفنا مستفيدين أيضاً من الخيم التي كانت البعثة العلمية قد حضرتها لها، وهم استفادوا أيضاً منا من خلال نقل الحمولة"، ويشير إلى "أننا لم نتمكن من القيام بالمزيد لأننا وصلنا متأخرين بسبب بعض المشاكل التي اعترضتنا".
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الهوة في أبخازيا إلى أكثر ما يمكن أن يطمح إليه حتى يومنا هذا مستكشفو المغاور في العالم لأنه لا يمكن الوصول إلى رقم أكبر إلا من قبل 4 أشخاص في العالم، متخصصين بالغطس في المغاور لأن مرحلة ما بعد الـ2080 متراً تحتاج إلى غطّاسين.
ولكن لم يكن الوصول إلى النقطة نهاية المطاف، فالتحدي الأكبر بحسب زغيب، كان الصعود مجدداً في الطريق عينه رغم التعب والإرهاق. فبعد مرورنا بالممرات الضيقة من جديد وصلنا إلى مخيم الـ1680 متراً وارتحنا قليلاً مع الفريق البولوني، وحملنا لهم عبوات الغطس لأنهم كانوا يريدون فكّ معداتهم للصعود في اليوم التالي فطلبوا منا المساعدة. ومررنا بالـSiffon للمرة الرابعة، والعبوات معنا، حتى وصلنا إلى الـ1410 متراً. في اليوم التالي استيقظنا على راحتنا وكان علينا الوصول إلى القمة، فحملنا أمتعتنا بالإضافة إلى أغراض البعثة الإستكشافية ووصلنا إلى مخيم الـ500 م. هذا النهار كان طويلاً وصعباً. نمنا هناك وارتحنا وفي اليوم التالي وصلنا إلى القمة".

لا مكان للتردد والخوف

في هذا الإطار، يسجل فغالي عتباً على الدولة اللبنانية التي لا تدعم هذه الأمور الثقافية، ويقول: "نحن قمنا بكل هذا لكي نرفع اسم لبنان وعلمه، ونحن فخورون بذلك، ولكن الدولة لا تعير لهذه الأمور الأهمية الكافية"، مشيراً إلى أن "عدداً كبيراً من اللبنانيين يمكنهم أيضاً القيام بذلك وأكثر لو كان هنالك من يدعمهم ويشجعهم".
ولكن... هل فكّر أحدهم في وقت ما بالرجوع عن هذا القرار والعودة؟ يؤكد فغالي هنا، أن هذه الفكرة مرت للحظات في بالهم بعد أن علق هو في ممر ضيق. فكان السؤال: "أنتابع السير أو نتوقف؟". فتشاور الثلاثة ثم قالوا: "من أيمتين نحن منقول هيك؟"، فحملوا أمتعتهم وعدتهم وتابعوا المسيرة.
ويكشف فغالي أنه "في الـYellow tube  تضايقنا كثيراً، ولكننا كنا نشجع بعضنا بعضاً لأن الإنهيار العصبي لا يفيد أحداً".
من 9 إلى 14 آب (اغسطس) 2012، أيام تبقى روايتها أسهل بكثير من حقيقة كل ما جرى في كل دقيقة منها. وهي أيام، تمكن فيها تابت وفغالي وزغيب من تحقيق ما لم يحققه حتى اليوم أي لبنان أو أي شخص آخر في العالم العربي من قبل.
وصل العلم اللبناني إلى قعر أعمق هوة في العالم لدقائق بجهد أبنائه وبعرقهم وبإرادتهم القوية، علّ هذه الوحدة التي عاشها هؤلاء اللبنانيين الثلاثة في جوف الأرض وفي تجربة استثنائية، تنتقل إلى كل أبناء الوطن تحت نور الشمس وفي حياتهم العادية.

بتصرف عن "النشرة" اللبنانية

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن