أنور عقل ضو
من آلاسكا إلى كندا، ومن الهند إلى الولايات المتحدة الأميركية إلى إسبانيا والبرتغال في شبه الجزيرة الإيبيرية، ومن اليابان وجمهورية الجبل الأسود إلى الجزائر وفرنسا ورسيا، مئات الحرائق دفعة واحدة، ترافقت جميعها مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، في ظاهرة لم نشهد مثيلا لها من قبل، بهذا الحجم وبعدد الحرائق، حتى لنشعر أن العالم يحترق، حتى وإن كنا بعيدين عن النيران، فلفح الهواء الساخن يشي بأن ثمة ما ينذر بالأسوأ.
قرى وبلدات الاصطياف
بعيدا من لظى وأجيج النيران الملتهبة حول العالم، نتذكر أنه في سبعينيات القرن الماضي لم تكن قرى وبلدات الاصطياف قد عرفت ما هو "المكيف"، ولا حتى الفنادق والنزُل اعتمدت يومها المكيفات الكهربائية، لا بل أبعد من ذلك، فمن واكب سهرات مقاهي الصيف في تلك الفترة يتذكر لسعة البرد الليلية، وكنزات الصوف في عز صيف تموز (يوليو) وآب (أغسطس).
لقد خسرت مناطق الاصطياف سماتها وخصائصها المناخية، فلم يعد الآن ثمة فرق بين بيروت والجبل، بمعدل ومتوسط درجات الحرارة، وبدلا من ان يبترد المواطنون بهواء الصنوبر، نراهم اليوم يتوسلون برودة المكيف.
نهضة عمرانية!
قبل أن نلقي باللوم على تغير المناخ، لا بد من الإشارة إلى أن مناطق الاصطياف كانت "غارقة" وسط أحراج الصنوبر الكثيفة، فضلا عن غابات السنديان والملول والبطم، إلى أن جاءت الحرب وأتت على مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء.
لكن الكارثة الأكبر التي حلت بالثروة الحرجية، فقد بدأت في تسعينيات القرن الماضي، تحت ستار "نهضة عمرانية" واستثمارات على حساب مئات آلاف الأشجار المعمرة، حتى أن أصحاب الأملاك كانوا يضرمون النار بأحراجهم لاستثمارها عقاريا وسكنيا، وثمة تحقيقات طويت وسجلت "ضد مجهول".
النتائج أشد وأقسى
وإذا أخذنا منطقة المتن الأعلى مثالا، نجد أن ثمة مئات المجمعات السكنية الفارغة، حتى أن المخطط التوجيهي الذي أعدته المديرية العامة للتنظيم المدني في مطلع القرن الحالي، وحددت خلاله نسب الاستثمار بـ 20 بالمئة من مساحة العقار، كان ثمة من يخرقه بقرارات من مراجع عليا من الدولة، فيما نجد اليوم "وادي لامرتين" مجردا من ثلثي أشجاره، وقضمت المجمعات السكنية العشوائية مناطق واسعة منه، فضلا عن الحرائق والتعديات المباشرة على الأشجار.
لبنان ليس بعيدا عن ظاهرة الاحترار العالمي، وهو يتحمل تبعاتها كما سائر الدول، ولكن مع استباحة الأحراج بدت النتائج أشد وأقسى، في حين كان يمكن أن ننعم بهذه الثروة لنخفف عنا لهيب تغير المناخ، وألا نعيش فصوله الصعبة في صحراء جهلنا!