"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو
يلقي لبنان حوالي سبعمئة طن من البلاستيك سنويا في البحر، وفقا لجمعية السلام الأخضر "غرينبيس"، ولو قدر لنصف هذه الكمية أن يعاد تدويرها، فإن مردودها المادي سيكون بمعدل يتراوح ما بين 200 و400 دولارا للطن، فضلا عن تخفيف أثرها البيئي على الأحياء البحرية، إضافة إلى أن التدوير سيؤمن مصدر رزق لعائلات عدة.
آخر التقديرات تشير إلى أن تريليون كيس بلاستيك يستعمل سنويا حول العالم، بمعدل مليوني كيس بلاستيك بالدقيقة، وفي هذا السياق، بادرت 15 دولة أفريقية لحظر استهلاك أكياس البلاستيك بهدف التخفيف من أثرها البيئي المدمر، ويتطلب من الطبيعة مئات من السنوات للتخلص منها.
دول أفريقية رائدة
تصنع الأكياس البلاستيكية من البترول، وبالتحديد من الــhigh-density polyethylene، ويقدر أن 100 مليون برميل من البترول تستخدم سنويا لتصنيعها، بينما تتطلب مئات من السنوات للتحلل، وبعضها يبقى لأكثر من ألف سنة، وتساهم بتلويث البحر وخنق الكثير من الحيوانات البرية والبحرية، ويقدر "الصندوق العالمي للطبيعة" the World Wide Fund for Nature أن 100 ألف حوت وسلحفاة بحرية وفقمة تنفق سنويا نتيجة تناولها أو تعرضها لهذه الأكياس، كما يقدر أن 70 بالمئة من حالات نفوق ماشية العاصمة الموريتانية نواكشوط من خراف وماعز هي نتيجة لتناولها هذه الأكياس، كما تساهم في إغلاق المجاري المائية، ما يجعل هذه المجاري بؤرة لتكاثر الحشرات وخصوصا البعوض، الذي يمكن أن ينقل الأمراض كالملاريا، وهو ما دفع بلاد أفريقية عدة لقرع ناقوس الخطر.
وكانت رواندا الرائدة في مجال وقف تصنيع واستعمال أكياس البلاستيك في العام 2004، لتتبعها دول أخرى وهي: إريتريا، موريتانيا، كاميرون، غينيا بيساو، تانزانيا، أوغندا، إثيوبيا، مالي، ملاوي، السنغال، جنوب أفريقيا، وغيرها، وكان آخرها كينيا التي اتخذت قرارا في هذا المجال خلال شهر آذار (مارس) الماضي، مع التأكيد على وضعه حيز التنفيذ خلال ستة أشهر، أي في شهر أيلول (سبتمبر) القادم لينضم هذا البلد الأفريقي إلى دول عدة حول العالم في هذا الحظر.
في أوروبا والعالم
تعتبر الدنمارك أول دولة أقرت قوانين تساهم بحظر الأكياس البلاستيكية، وكان ذلك في العام 1993، وذلك بدفع بدل نقدي للحصول على كيس بلاستيكي، وساهمت هذه الخطوة بانخفاض نسبة استهلاك أكياس البلاستيك إلى 60 بالمئة، وعندما وضعت ايرلندا ضريبة باهظة على هذه الأكياس، انخفض استهلاكها بنسبة 90 بالمئة، وأعلن الإتحاد الأوروبي إجراءات للحظر ستتطلب انخفاضا بنسبة 80 بالمئة في العام 2019، كما أن ثمة دولا تتجه لحظر البلاستيك أو فرض ضرائب على استعمال الأكياس البلاستيكية منها الصين، الهند، بنغلادش، الفيليبين، أستراليا، السويد، بعض أجزاء من تشيلي، البرازيل والأرجنتين.
أما في الولايات المتحدة، فإن مدينة سان فرنسيسكو في ولاية كاليفورنيا كانت الأولى في حظر هذه الأكياس، وتبعتها مدن عدة، إلا أن ولايتي كاليفورنيا وهاواي الوحيدتين اللتين لديهما تشريعات لحظرها، وفي فرنسا بدأ حظرها في العام 2015.
كينيا
أما في أفريقيا، فتختلف قوانين الحظر بين دولة وأخرى، منها من تعاقب من يستورد أو يصنع الأكياس البلاستيكية ومنها من يطلب ثمنا لها، أو يضع ضرائب مختلفة على أنواعها، وعلى سبيل المثال، في جنوب أفريقيا فالأكياس الخفيفة محظورة والأكياس السميكة توضع عليها ضرائب، في السنغال وموريتانيا يمنع تصنيعها، استيرادها أو استعمالها في التسوق، وفي موريتانيا فرضوا عقابا بالسجن لمدة عام لكل من يصنع هذه الأكياس.
وعلى الرغم مما تطلبه هذا الحظر من جهد لدى المجتمعات المحلية، خصوصا وأنها المرة الثالثة التي تقرر فيها كينيا هذا الحظر، وكان أولها في العام 2007 وقضى بحظر الأكياس دون 0.3 ميليمتر وقد فشل، وفي العام 2011، كان ثمة قرار آخر لحظر الأكياس دون 0.6 ميليمتر الذي طالبت به "وكالة إدارة البيئة المحلية" the National Environmental Management Agency ولم يلق النجاح، وتواجه هذا القرار تحديات لجهة التجارة غير الشرعية بالأكياس، فضلا عن التحول للأكياس الورقية التي تساهم بقطع الغابات، لكن القادة البيئيين في هذه الدول صمموا على مواجهة هذه المشكلة والتصدي لها، وقال وزير المصادر الطبيعية في رواندا فنسانت بيروتا Vincent Biruta: "قررت حكومتنا التصدي للنفايات، وعلى الرغم من التحديات التي واجهتنا في عمليات تعليب البضائع إلا أنها خلقت العديد من الفرص".
ويقدر عدد الأكياس البلاستيكية المستخدمة في كينيا بمئة مليون كيس ينتهي معظمها في مكبات النفايات في العاصمة نيروبي، وقال اريك سولهايم Erik Solheim المدير التنفيذى لبرنامج الامم المتحدة للبيئة the United Nations Environmental Program (UNEP): "إن كينيا تتخذ اجراءات حاسمة لازالة وصمة بشعة تشوه جمالها الطبيعي الرائع".
مخاطر وأضرار
بدأ استعمال هذه الأكياس في العام 1957 كغلاف للسندويشات، وشاع استخدامه في المتاجر الكبرى في سبعينيات القرن الماضي، وفي السوبرماركات الكبرى في ثمانينيات القرن الماضي، ولم نكن نحتاجها قبل هذا التاريخ، فلماذا نحتاجها الآن؟
وتشكل الأكياس حوالي 8 ملايين طن من النفايات البلاستيكية التي تتجمع في المسطحات المائية البحرية، وتقدر منظمة UNEP أنه بحلول العام 2050 وإن استمر استهلاك أكياس البلاستيك بهذه الوتيرة سيصبح هناك كمية من البلاستيك تتفوق على أعداد الأسماك.
ومن الأمثلة المؤلمة من النروج عن حوت من نوع Cuvier’s beaked whale، بحالة صحية متردية، حاول مرارا أن يجنح إلى الشاطئ، وأعاده الناشطون، إلا أنهم أخيرا قرروا أن يلجأوا للموت الرحيم، وبعد تشريحه في جامعة the University of Bergen، وجدوا في أمعائه حوالي 30 كيس بلاستيك، فضلا عن بقايا بلاستيكية في أجهزته الحيوية، كما حذرت "الجمعية الملكية لحماية الطيور – المملكة المتحدة The U.K.’s Royal Society for the Protection of Birds من أن بعض الطيور تستعمل أكياس النايلون كمواد لبناء أعشاشها، وقد تعلق فيها أرجلها، ومن الممكن أن يكون هذا الأمر سببا بنفوقها، كما أن العديد من السلاحف تنفق عند ابتلاعها أكياس البلاستيك التي تشبه طعامها المفضل وهو قناديل البحر، وهو ما ساهم بزيادة أعداد هذه الكائنات بصورة غير مسبوقة، وتهديدها للعديد من المرافق السياحية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وفي لبنان، لا يكتفي المستهلك بكيس واحد من البلاستيك لمشترياته، بل قد تتجاوز أعدادها العشرات، وقد يستعمل كيسين أحيانا لسلعة واحدة، وربما حان الوقت لوضع ضريبة على هذه الأكياس، بهدف التقليل من استخدامها، فضلا عن العمل على تدويرها، وقد تشكل هذه الخطوات وسيلة لتعويض بعض العجز في الخزينة بدلا من فرض الضرائب الجائرة على مواد تطاول الفقراء قبل الأغنياء.