"غدي نيوز"
أنور عقل ضو -
إذا ما توقفنا عند ما نواجه اليوم من كوارث وحروب ومآس، يتأكد لنا أن الإنسان في مسار تطوره ظلّ قاصرا عن بلوغ حدود إنسانيته رغم كل هذا البنيان الحضاري والثقافي، وعلى مدى أكثر من ألفي سنة، وما يزال إلى الآن أسير نوازع راسخة في لاوعيه البدائي، أي الطبيعة الهمجية الأولى، تلك التي غالبا ما تتبدى في أشكال ومظاهر متفلتة من ضوابط وقيم، مفترض أن تكون هذّبت حضوره الإنساني.
وهنا، ثمة إشكالية أخلاقية، تحيلنا إلى حقيقة صادمة، فأن يكون الإنسان الكائن الأقوى فذلك لا يعني أنه الأرقى، وإلا ما معنى أن يسكننا القلق ونحن نكاد نتخطى العقد الثاني من الألفية الثالثة، هذا القلق الوجودي المضطرب الذي أحال عالمنا إلى خراب ماثل وآخر متوقع، إذا اعتبرنا أن تغير المناخ سيدمر مظاهر الحياة على الكوكب، أي دون الأخذ في الاعتبار حروبنا الماثلة ودورة العنف التي تطاول كل بلدان العالم.
إذا ما نظرنا ما بين التاريخ البعيد وحدود اللحظة، نجد أن الإنسان لم يعش إلا حلقات متتالية من العنف، وأن كل هذا البنيان الحضاري محكوم بنوازع الشر الجاهزة للتمظهر حروبا وصراعات تعيدنا إلى عصور ما قبل التاريخ.
في ما تقدم، وإن كان يفترض فسحة أكبر من البحث والتحليل، لكنه كافيا للتأكيد أن العالم يسير نحو الإنقراض الشامل، وأن تغير المناخ هو نتاج كل هذا النزوع نحو تدمير كافة أشكال الحياة، وإلا ماذا يعني خروج الولايات المتحدة الأميركية من اتفاقية باريس للمناخ؟
بعد أن اعتبر الرئيس دونالد ترامب أن تغير المناخ "خدعة"، نراه اليوم يعترف ضمنا بأن ما أثبته العلم في هذا المجال لا يمكن أن يحجبه ادعاء أجوف، وقدم مؤخرا "عذرا أقبح من ذنب"، لجهة دراسة بعض جوانب الاتفاق لمعرفة ما إذا كانت تؤثر على مستوى معيشة الأميركيين، على قاعدة "ومن بعدي الطوفان" أو حسب ما قال الشاعر أبو فراس الحمداني "إذا متُّ ظمآناً فلا نزل القطرُ".
لا نصوب في ما نواجه من كوارث وويلات وحروب على رئيس الولايات المتحدة فحسب، في عالم مجنون ومتصدع، لكننا من خاصرة المناخ الذي يهدد وجودنا الإنساني، نصل إلى حقيقة أن "العالم على كف... ترامب"!