"غدي نيوز" – قسم التحقيقات
تنهش الكسارات جبالنا ومواقعنا الطبيعية الخلابة، بدعم مباشر أحيانا وغير مباشر في كثير من الأحيان من قوى سياسية ومناطقية نافذة، وتراخٍ من بعض البلديات والفاعليات المدنية والدينية، ولا يقتصر هذا الأمر على منطقة فحسب، بل باتت الكسارات تقضم جبالنا وتسويها بالأرض، وتعتبر التعديات في منطقة الشمال سافرة إلى حد "الوقاحة"، كونها اقتربت من البيوت كما أشرنا في مقال سابق حول بلدة بتعبورة (الكورة).
وفي هذا السياق، نفذ ناشطون ومواطنون على طريق كفرحزير – شكا، يوم الأحد 19 آب (أغسطس)، وتحديدا أمام مقالع مصانع الإسمنت، اعتصاما رفضا لاعتداءات مصانع إسمنت شكا على الحياة والبيئة في الكورة وجوارها، وحملوا لافتات تطالب بإقفال معمل الإسمنت في شكا، وكانت قد دعت "لجنة كفرحزير البيئية" إلى المظاهرة ولجنة الزيتون والجوار من قرى مثل اميون، كفتون، بتعبورة وغيرها، استنكارا لاعتداءات مصانع اسمنت شكا على البيئة والحياة في الكورة والجوار، ورفضا للتلوث البيئي والصحي القاتل الذي تنشره هذه المصانع غير المستوفية الشروط البيئية والصحية.
بيان
وأصدر المشاركون بيانا موجها لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تلاه رئيس "لجنة الزيتون في اللقاء الوطني للهيئات الزراعية في لبنان" جورج عيناتي، قال فيه:
"ندعوكم لتحمل مسؤولياتكم التاريخية لإيقاف الدمار البيئي والصحي والإقتصادي الذي سببته مصانع إسمنت شكا ومقالعها، نطالبكم بوضع يدكم على الملف لسببين، الأول أننا أمام جريمة إبادة للحياة وتدمير للطبيعة، لم تحدث في أي مكان آخر في العالم، والثاني أنه كلما زار أحد المسؤولين المعنيين هذه المصانع، نفاجأ بزيادة الهجوم الوحشي الجهنمي للجرافات على جبال الكورة، ونفاجأ بتطور أساليب الحرب الممنهجة التي تشنها مصانع اسمنت شكا على الشعب اللبناني في الكورة للإستيلاء على ترابها"، وأضاف "فخامة الرئيس، شهداء مجزرة السرطان في الكورة يتطلعون من عليائهم سائلين متى ستتوقف هذه المجزرة، ومن سيوقفها؟، إننا نأمل بأن تكون أنت أحد المساهمين في حماية الحياة في الكورة، وأحد المحافظين على ما تبقى من أهلها وترابها".
وقال عيناتي: "فخامة الرئيس، ندعوك لزيارة أهلك في الكورة المنكوبة، المسلوبة، المحتلة من قبل مصانع إسمنت شكا، هنا حيث كان مشرق شمس الاخضرار وحيث كانت تزهو الحياة، فأصبح يعشش الجحيم والألم في كل دار وزاوية، بقدر ما يعشش الإرهاب البيئي الجهنمي في كل مقلع ومصنع، وفي عقول أبالسة الإرهاب البيئي، قتلة الحياة، عبدة المال الممزوج بدماء شعبنا"، وأضاف: "إننا نرد على من يقول أن مصانع الإسمنت لا تسبب مرض السرطان، بأن الطريقة التي تعمل بها مصانع إسمنت شكا مسبب أساسي وناشر رئيسي للسرطان، ليس فقط في الكورة، بل في جميع المناطق اللبنانية، أليس إحراق الفحم البترولي (البتروكوك) المشبع بالكبريت بين البيوت السكنية وفوق المياه الجوفية، جريمة العصر السرطانية الموصوفة، أليس نشر المعادن الثقيلة كالكروم والنيكل والكادميوم بكميات مخيفة في الهواء والتربة سبب خطير للسرطان؟ أليس وضع رماد الفحم البترولي وغبار أتربة الإسمنت مع ما تحتويه من معادن ثقيلة داخل الإسمنت، سبب أساسي للسرطان في القرى المجاورة ولكل من يستعمل هذا الإسمنت؟ إن مصانع شكا، بالطريقة التي تعمل بها، هي سرطان يطير في الهواء والماء والتربة، وداخل الإسمنت الذي تبنى به البيوت مقابر لساكنيها؟
وتابع عيناتي قائلا: "إن شركات موت شكا والكورة هي نبع السرطان والفساد والإرهاب البيئي ولن نرضى ان تبقى في بيوتنا، وإن جرائم الحرب المتعددة التي ارتكبتها وترتكبها هذه الشركات تحتم إقفالها، ومحاكمة أصحابها والقيمين عليها بموجب قانون جرائم الحرب وبموجب القانون 64 من قانون البيئة اللبناني: الأشغال الشاقة أو الإعدام".
وقال: "الذين يموتون بالسرطان وأمراض القلب والأمراض الصدرية في الكورة هم مواطنون لبنانيون وليسوا من كوكب آخر. الجبال التي تقتلع هي جبال وطنية لبنانية، ملايين أشجار الزيتون والسنديان التي اقتلعتها مصانع إسمنت شكا هي في لبنان الأخضر وليست في مجاهل أفريقيا، تراب الكورة التي استولت عليه هذه الشركات، والذي كان ينتج الزيت والتين والاخضرار والأوكسجين والحياة وأصبح ينتج السرطان والتلوث البيئي الرهيب، هو تراب لبناني وليس ترابا أجنبيا، الغازات السامة التي أطلقتها مصانع الموت هذه والتي تتعدى المليار طن تنشقها الشعب اللبناني في الكورة ولم يتنشقها سواه. ملايين أطنان أتربة النفايات السامة التي دفنت في مقالع هذه الشركات فوق المياه الجوفية اللبنانية وبين البساتين والقرى والينابيع، مع ما تحتويه من معادن ثقيلة، دفنت في أرض لبنانية وستسبب لساكنيها الفناء الشامل. فإلى متى تستمر جرائم مصانع إسمنت شكا في التزايد الوحشي؟ ما ترون أمامكم من مقالع هو قطعة من جهنم وليس لبنان الأخضر الذي يتغنى به البعض، والذي يصوره بعض أصحاب الشركات للوزراء الذين يزورونهم بأنهم قد زرعوه أحزمة خضراء ومحميات طبيعية، فهل ينبت شجر ومحميات طبيعية في جهنم؟ ردا على ما يقول هؤلاء نقول: ما ترون أمامكم هو محميات العار، محميات الرشوة، محميات الفساد ورأس حربة تدمير لبنان الأخضر وتحويله إلى لبنان الصحراء الجهنمية. يشارك في هذا التدمير بعض أقزام السياسة الذين يرتشون من هذه الشركات ويتقاسمون معها الأرباح الفاحشة التي تجنيها على حساب الحياة والبيئة في الكورة".
وأضاف: "فخامة الرئيس، علمنا أنهم أخبروك بأن شركة الترابة الوطنية قد قامت بتركيب فيلتر للحد من التلوث والانبعاثات، وقد أقامت حفلا إستعراضيا لذلك، أما نحن، فكنا نعلم السبب والنتيجة سلفا، السبب هو التسويق لمشروع زيادة الاستثمار لإنشاء أبنية ومصانع وأفران جديدة، ومقدمة لمزيد من زيادة الانتاج لهذه الشركات واعتدائها على جبالنا وبيئتنا وحياتنا، والنتيجة هي أن هذا الفيلتر كسابقه كلمة حق يراد بها باطل. لم تنقض أيام ولم يجف حبر الدعايات، ولم تصرف قيمة الهدايا بعد، حتى انطلق الغبار والدخان والغازات من مداخن هذه الشركات في الأيام الماضية بشكل لم يسبق له مثيل قبل تركيب هذا الفيلتر".
وقال عيناتي: "أما بالنسبة لشركة هولسيم لافارج التي أجبر رئيسها التنفيذي إريك أولسن على الاستقالة في الخامس عشر من تموز الفائت بعد أن افتضح أمر تمويل مصنع هذه الشركة في حلب لتنظيم داعش وسائر التنظيمات المسلحة، فإننا نطالب القضاء اللبناني بإقفال مصانعها ومقالعها في الهري وشكا وكفرحزير، وإصدار أشد العقوبات التي تتناسب مع الجريمة الوطنية التي شعارها القضاء على معالم التراث الحضاري والثقافي ومحاولة محو الذاكرة الإنسانية في الكورة، اليوم ندعو جميع أعضاء مجلس إدارة شركة لافارج هولسيم السويسرية إلى الاستقالة بعد افتضاح أمر الاعتداء الخطير الذي قامت به عن سابق تصور وتصميم على جزء هام من حرش كفرحزير، وقد نظمت وزارة الزراعة محضر ضبط بالشركة المذكورة بكسر خمسين ألف متر من الأراضي الحرجية وهذا المحضر هو الأكبر بتاريخ المخالفات والاعتداءات البيئية والحرجية والزراعية في تاريخ لبنان، ماذا سيكون موقف السلطات في فرنسا وسويسرا حيث يوجد مجلس إدارة هذه الشركة لو حدث هذا الاعتداء على أهم غابة هناك؟ ماذا سيكون موقفهم لو تم إحراق الفحم البترولي (بتروكوك) المشبع بالكبريت بين البيوت السكنية وفوق المياه الجوفية؟".
وأشار إلى أنها "جرائم حرب تلك التي ارتكبتها هذه الشركات بالجملة في غفلة من الزمن وفي تغافل من بعض الوزارات المعنية وبعض السياسيين وبعض المرجعيات الدينية وبعض الأحزاب وبعض الجمعيات والبلديات الذين أغروهم وأسكتوهم ببعض المقاولات والمحاصصات والرشى".
وقال مخاطبا أصحاب معامل الإسمنت "أنتم يا عملاء مصانع الموت، موت الشعور، موت الإحساس، موت الأخلاق، فليس هناك في العالم من هو مثلكم. أنتم شركاء في قتل أهل الكورة وتدمير اخضرارها، كل دولار تتقاضونه من هذه الشركات على شكل هبات أو مساعدات أو مقاولات يقابله شهيد بالسرطان وجبل يقتلع، فتنبهوا جيدا إلى مواقفكم. لقد طلبنا من النيابة العامة أن يبرز أصحاب مصانع إسمنت شكا التراخيص التي يزيلون بموجبها جبالنا ويشوهون اخضرار كورتنا، وإلى الآن لم تقدم أي تراخيص ما يؤكد عدم وجودها، وما يؤكد أنها تعمل بقانون الرشوة والفساد، كل المخالفات البيئية والممارسات غير الشرعية تحدث داخل هذه المقالع وصولا إلى الاعتداء على أراضي الزيتون التي يرفض أصحابها بيعها لهم ومحاولة الاستيلاء عليها بطرق احتيالية غير شرعية، أصحاب هذه الأراضي في بدبهون لا يريدون بيعها لكم، فتوقفوا عن استعمال الطرق الاحتيالية للإستيلاء على أرض الناس".
وقال عيناتي متوجها إلى رئيس الجمهورية "إننا نضع فخامة رئيس الجمهورية أمام مسؤولياته الوطنية بإلزام هذه الشركات بخفض سعر طن الإسمنت إلى 40 دولارا، إن استيراد الإسمنت الخالي من المواد الملوثة المنتج بالغاز الطبيعي قد أصبح أمرا ضروريا لاسيما أن سعره لا يتعدى 40، المطلوب خفض الرسوم الموضوعة على استيراد الإسمنت لحماية مافيا الإسمنت وإلزام هذه المافيا بإرجاع أموال الشعب اللبناني التي سلبتها بعد بيعها طن الإسمنت بأضعاف سعره العالمي وبعشرة أضعاف كلفته من أجل أن توزع الرشاوى على شركائها في الجريمة".
وأضاف: "إننا هنا اليوم لنثبت أننا سنسقط المشاريع والأحلام التوسعية الاستعمارية لمصانع الموت، سنسقط مخططاتها في زيادة الاستثمار وفي بناء أبنية تصل إلى 5 بالمئة من 116 ألف متر، إننا هنا لنسقط خططها الجهنمية في إنشاء أفران جديدة وفي زيادة إنتاجها القاتل للحياة، وفي إنشاء أحزمة نقل جديدة هي أحزمة ناسفة للحياة والطبيعة في الكورة وجوارها، نحن هنا لنسقط مشاريعها الإستعمارية في تغيير تصنيف الأراضي من أراض زراعية إلى أراضي مقالع، نحن هنا لنعلن للعالم المتقدم أن مجرمي حرب الدمار البيئي والصحي الشامل سيعاقبون بعقوبات تتناسب مع جرائمهم التي لم تحدث في مكان آخر من العالم. لقد حولتم الكورة الخضراء، عاصمة الاخضرار، إلى عاصمة للدمار البيئي في لبنان. سنحولها قريبا إلى عاصمة للانتصار على الدمار البيئي في لبنان والعالم، إفتحوا عيونكم وآذانكم جيدا يا أبالسة الإرهاب البيئي حينما تبدأ المواجهة المباشرة لن تتحملوا البقاء هنا لدقيقة واحدة، نحن اليوم نقوم بتحركات تحذيرية ولكن المستقبل آت ولن نسمح ببقائكم بين بيوتنا، وإن ترددت الجهات المعنية بإزالة هذه البؤرة السرطانية، فإن نساء شهداء مجزرة السرطان في الكورة وأطفالهم سيزيلونها بأيديهم".
الأب حيدر ومواطنون
وتكلم الأب لويس حيدر كاهن رعية بلدة "فيع" عن ارتفاع عدد الوفيات بسبب مرض السرطان، وتحدث أيضا المواطن ميشال تامر الذي فقد ثلاثة من إخوته بسبب مرض السرطان كما تحدثت سيدة فقدت إبنتها بسبب مرض السرطان أيضا.
ويحاول الأهالي الضغط أيضا على أصحاب الكسارات التي تزود هذا المعمل وتدعمه بالمواد الكلسية اللازمة لعمله، ومؤخرا تم إقفال كسارة بتعبورة ويتوجس الأهالي خيفة من إعادة فتحها، وأشار ناشط من الأهالي أن الكسارة قريبة من البيوت، ولن تتمكن من العمل دون علم الأهالي، ويطالبون صاحبها بتشجيرها، خوفا من أن يماطل في تنفيذ عملية التشجير، خصوصا وأن القانون يسمح له بمهلة سنتين، ويحاول الأهالي الضغط لتأهيلها بوقت أسرع، وعرضوا أن يقوموا بأنفسهم بعملية التشجير.