"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
لسنا من المرحبين بانغماس رجال الدين بالأمور الدنيوية، إلا من باب تعميم القيم الإنسانية السمحاء، وتغليب هذه القيم على نوازع الشر في العالم، لكن عندما تعجز الدول والحكومات عن تكريس مفاهيم العدالة، يصبح تدخل رجال الدين ضرورة، لا بل واجبا أيضا، في مواجهة سياسات الأنظمة، وهي لا تني تبشر العالم بحروب وكوارث، ولا سيما الدول العظمى المتهافتة على تسويق بيع ما تبتكره مصانع الموت من أسلحة وذخائر، ولا ترى في الدول النامية والفقيرة إلا سوقا اقتصادية لتجارة لا تجلب إلا المزيد من القتل والدمار والتهجير.
وإذا ما تناولنا قضية المناخ، وما نشهد من تطورات دراماتيكية، وآخرها في ولاية تكساس الأميركية، مع إعصار "هارفي" الذي خلف أضخم مأساة تعيشها الولايات المتحدة منذ أكثر من خمسين عاما، وإذا ما نظرنا إلى الخطط الخجولة للدول الصناعية الكبرى حيال مواجهة ظاهرة الاحترار العالمي، نتأكد أن هذه الدول لما تزل غير مستعدة للإيفاء بما أقره اتفاق باريس للمناخ (2015)، ما يعني أننا نسير، وبخطى سريعة، نحو الهاوية.
البابا فرنسيس والبطريرك برثلماوس
إزاء كل ذلك، جاء إطلاق البابا فرنسيس وبطريرك القسطنطينية برثلماوس "نداء عاجلاً" إلى قادة العالم اليوم الجمعة 1 أيلول (سبتمبر)، مطالبين بالعمل للتوصل إلى حل للأزمة المناخية التي تعصف بكوكب الأرض وتلقي ثقلها على "الأكثر ضعفاً"، ليعبر عن معاناة ومخاوف الدول الفقيرة، الأكثر تضررا من تغير المناخ، وهي لا تتحمل مسؤولية تاريخية حيال ظاهرة الاحتباس الحراري.
وجاء في الرسالة التي وجهها رأسا الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية "تقول الكتب المقدسة إن الله، في البدء، أراد أن يتعاون البشر في حفظ البيئة الطبيعية وحمايتها". وأضافا "لكن تاريخ العالم يظهر سياقاً مختلفاً جداً، ويكشف عن تراجع أخلاقي يجعل سلوكنا وتصرّفنا إزاء الخليقة حاجباً مهمة التعاون التي أرادها الله".
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) أن البابا والبطريرك طالبا في الرسالة المشتركة "كل أصحاب النيات الحسنة إلى الصلاة من أجل البيئة في الأول من أيلول (سبتمبر)".
صراخ الأرض
وجاء في النداء المشترك: "إن ميلنا إلى القضاء على الأنظمة البيئية الضعيفة في العالم، وطمعنا غير المحدود في السيطرة على الموارد المحدودة للأرض والتلاعب بها، وتعطّشنا للحصول على أرباح غير محدودة في الأسواق، كل ذلك يبعدنا عن الهدف الأساس للخلق".
وأكدا أن "عواقب هذه النظرة الجديدة للعالم مأسوية وطويلة الأمد"، وأن "التدهور في كوكب الأرض يقع على عاتق الأكثر ضعفاً من سكانه".
وأطلق المسؤولان الروحيان "نداء عاجلاً لكل من لديهم مسؤوليات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، ليسمعوا صراخ الأرض ويجيبوا حاجات المهمّشين".
وكثيراً ما يدعو البابا فرنسيس قادة العالم إلى تغيير النموذج الاقتصادي السائد القائم على الربح إلى "اقتصاد اجتماعي".