"غدي نيوز" – رصد ومتابعة قسم البيئة -
غادرت إنرجي أوبسرفر، وهي أوّل سفينة تسير بالهيدروجين وبالطاقات المتجدّدة، سواحل فرنسا يوم 26 حزيران (يونيو) 2017 لتجوب المحيطات طوال ست سنوات. وتشمل هذه الجولة حول العالم التي تحظى برعاية اليونسكو، 101 مرحلة في 50 بلدا، وتهدف إلى تحسيس الشعوب والمجتمعات المحلية بالقضايا المتعلقة بالتحوّل في مجالات الطاقة والتنمية المستدامة.
الإبحار دون إطلاق غازات مُثيرة للاحتباس الحراري ولا الجسيمات الرقيقة، بفضل استعمال الطاقات المتجدّدة: ذلك هو رهان "إنرجي أوبسرفر" Energy Observer وهي أوّل سفينة فرنسية تحظى بالإكتفاء الذاتي في مجال الطاقة. انطلقت السفينة من ميناء سان مالو بفرنسا دون أن تحمل أية قطرة من الطاقات التقليدية، لتشرع في جولة حول العالم تتواصل حتى سنة 2022.
والغاية من هذه الخطوة اختبار فاعلية الطاقات الشمسية والهوائية واستغلال ماء البحر لإنتاج الهيدروجين. ويرغب فيكتوريان إيريسار، الضابط بالبحرية التجارية الفرنسية وأحد المبادرين بهذا المشروع، وفريقه، الذهاب إلى أبعد من النجاحات التقنية، لملاقاة غيرهم من الذين ابتكروا حلولا تقنية جديدة، وذلك" لإثبات الدليل على وجود سبيل نقي ومستدام لانتاج طاقة".
ويقول جيروم دولافوس، رئيس البعثة، وهو غطّاس محترف ومنتج أشرطة وثائقية حول الطبيعة والتنوع البيولوجي: "يتم تطوير حلول مبتكرة في جميع أنحاء العالم. وهذه الرحلة هي مناسبة لجمع المبتكرين، ليتجاوزوا الحدود التي تفصلهم من خلال تثمين ابتكاراتهم وربط بعضها ببعض".
أسرع سفينة شراعية
انطلقت المغامرة سنة 2013 عندما اقتنى الربان فريديريك داهيرال إحدى أسرع السفن الشراعية في تاريخ السباق في عرض البحر. لقد تجاوزت هذه السفينة سنة 1984، ولأول مرّة في التاريخ، العتبة الرمزية لـ500 ميلا في 24 ساعة. وهي ذات السفينة التي ركبها سير بيتر بلايك، وهو بحّار شهير من نيوزيلاندا، لما انسحب من السباق ليتفرّغ للاستكشاف البيئي، وقد سمحت له بتحقيق الرقم القياسي العالمي للرحلة حول العالم سنة 1994.
ترى، ما هو حلم فريديريك داهيرال؟ أن يجعل من إنرجي أوبسرفر أول سفينة فرنسية تسير بدفع كهربائي مولد من الطاقة الهوائية. وفي ذلك رمزية ذات معنى.
في سنة 2015، التحق به فيكتوريان إيريسار، رفيقه في الرحلات الشراعية. ثم كان اللقاء مع مفوضية الطاقة الذرية والطاقات البديلة، ومع مخبر التجديد في تكنولوجيات الطاقات الجديدة والمواد النانومترية، ومقرهما فرنسا، ممّا أعطى منحى جديدا للمشروع. وبالتركيز على الجانب التكنولوجي، تم اعتماد البحث في مادة الهيدروجين كمصدر للطاقة.
مخبر عائم
استوجب تجهيز السفينة سنتين من العمل. تمّ تعويض الشراع الكبير والشراع الأمامي بمحركين كهربائيين، وتركيز مولّدين هوائيّين للطاقة ولوحتين شمسيّتين على جناحي السفينة، وفي الوسط نُصب شراع للجذب يبلغ عرضه 20 مترا. وهكذا يتم تشغيل المُولّدين المائيّين للكهرباء المثبتين تحت هيكل السفينة. هذان المولّدان المجهّزان بتوربينات، يستغلان القوة المائية الناتجة عن سير السفينة لتحويلها إلى كهرباء بكمية تكفي لتغطية مستلزمات المحرك، والحياة على متن السفينة وآلات القيادة والاتصالات اللاسلكية. وفي هذا المخبر العائم ثناء على التمهّل: تسير السفينة بسرعة 8 إلى 10 عقد، في حين كانت تبلغ 30 عقدة لمّا كانت مُعدّة للسباق.
الهيدروجين: حل مستقبلي
ويتمثّل التجديد الثاني في إنتاج الهيدروجين دون بثّ لمادة أوكسيد الكربون. وفي فرنسا، يُعتبر غاز الهيدروجين حلّا مستقبليا لتخزين الكهرباء الخضراء المُتأتّية من الطاقة الهوائية والشمسية. وبما أن هذا الغاز لا يتوفّر في شكله الصافي، فلا بد من انتاجه، واختار باحثو إنرجي أوبسرفر حلّا بيئيّا يعتمد على استغلال مياه البحر.
يقول نيكولا ديغورس، المهندس البحري الذي شارك في تصميم السفينة: "95 بالمئة من الهيدروجين المستعمل اليوم في العالم مصنوع بواسطة الطاقة (العتيقة) مثل الغاز الطبيعي ذات درجة عالية من التلوث. نريد أن نبيّن أنه من الممكن انتاج الهيدروجين بطريقة خالية من الكربون".
وقد تطلب ابتكار نظام انتاج يكون قادرا على تحمّل الظروف القاسية للملاحة، مشاركة حوالي 30 باحثا من مخبر التجديد في تكنولوجيات الطاقات الجديدة والمواد النانومترية، عملوا بكل مثابرة طيلة سنتين. وساعدهم في ذلك مهندسون، وخبراء مختصّون في النقل، ومهندسون في بناء السفن وفي التكنولوجيات الحديثة، كما دعمتهم مؤسسات خاصّة.
ويُضيف نيكولا ديغورس: "تم تصميم حوالي 20 نموذجا. ولدينا فرصة رائعة لإخراج هذه النماذج من المخابر لدراستها وتجريبها".
على الأوتاد وفوق الجسر، تقوم 700 آلة استشعار إلكترونية بتسجيل تحرّك مجمل عناصر الهيكل بشكل آني: الهوائي والشمسي والكهرمائي وكذلك إنتاج الهيدروجين. وبهذه المعطيات، يعمل الباحثون على تحسين أداء هذه العناصر، وهذا النظام الذي صمّم في شكل شبكة ذكية والذي يمزج بين الطاقات المتجدّدة، قد يصبح يوما قابلا للاستعمال في المنازل وفي المعامل وفي الشاحنات. كما يُمكن أن يُساعد على مكافحة الإقصاء الذي يعاني منه 2،1 مليار من البشر المحرومين من الطاقة الكهربائية عبر العالم.
التعرّف على كوكب الأرض
ولا يقتصر هذا التحدي المستقبلي على البراعة التكنولوجية فحسب، فبفضل إنرجي أوبسرفر، يرغب البحّارة أيضا في تحسيس الجمهور الواسع بضرورة المحافظة على التنوع البيولوجي، وبقضايا الساعة المتعلقة بارتفاع درجة الحرارة المناخية. يقول جيروم دولافوس في هذا الصدد: "إني أواجه تأثير النشاط البشري على سطح الأرض منذ عشرين سنة. هذه الرحلة هي مناسبة لإظهار الواقع وتجميع كافة المبادرات الإيجابية عبر العالم"، طموحه أن يجعل من إنرجي أوبسرفر وسيلة إعلام في سبيل الدفاع عن كوكبنا: "نرغب في دعوة الجمهور إلى الحلم، حتى نحسّسه ونكشف له صورة للعالم لم يشاهدها أبدا من قبل".
خلال الرحلة، سيتمّ إنتاج سلسلة من ثمانية أفلام وثائقية لقناة فرنسية. كما سيتم إعداد مضامين بثلاثة أبعاد ووقائع افتراضية، لبثّها عبر الإنترنت أو عرضها في المرافئ حيث سيتوقّفون: ستكون بمثابة الإنغماس في قلب إنرجي أوبسرفر، وكذلك الغوص وسط حيتان العنبر للتعرّف أكثر على طريقتها في التواصل. ولعلّ كل هذه المضامين ستعرض يوما في المدارس عبر العالم.
وفي الرحلة وعد بحصاد ثريّ. فمن بين 101 محطة في 50 دولة، سيزور الطاقم جزرا تبحث عن اكتفائها الذاتي في مجال الطاقة مثل الهيارو في جزر الكاناري بإسبانيا، أو المدن المثالية على غرار سان فرانسيسكو التي تسعى إلى أن تكون مدينة خالية من النفايات. وبرعاية من اليونسكو، تمّت برمجة حوالي عشرين مرحلة في مواقع من التراث العالمي وفي محميّات للمحيط الحيوي التابعة لليونسكو، مثل الأحواض البحرية في وادن بهولندا أو جزيرة سوكوترا الواقعة في عرض القرن الشمالي الشرقي لإفريقيا والتي تأوي تنوّعا بيولوجيا وحوالي 700 من الأنواع الحية التي لا نظير لها في العالم. ويقول جيروم دولافوس بحماس: "سوف نقوم بتصوير شريط حول أسماك القرش في عرض جزيرة كوكوس بكوستا ريكا، والبحر الأبيض في شمال روسيا وكل الكنوز التي لا يعرفها إلا القليل، ولكنها تأثرت بسلوك الإنسان. هذه البعثة هي فرصة رائعة للتعرف أكثر على كوكبنا"، مضيفا: "نريد تقاسم هذه المعرفة بفضل وسائل الإعلام الرقمية ومن خلال اللقاءات التي سننظمها في المواني الكبيرة عبر العالم".
بتصرف عن موقع "اليونيسكو" unesco.org - فيرجيني جوردان