"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو
مع انعقاد مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ في مدينة بون الألمانية COP23، بهدف تحقيق تعهدات البلدان التي وقعت قبل عامين على مؤتمر باريس للمناخ، تختفي قرية بأكملها تقع على بعد حوالي 100 كيلومترا من مكان انعقاد هذا المؤتمر لـ "إفساح الطريق أمام إدمان ألمانيا على أقذر أنواع الطاقة الأحفورية، ألا وهي مناجم الفحم"، وفق ما ذكرت "الواشنطن بوست" الأميركية.
خطاب أخضر... وتلوث
لا يمكن توصيف هذا الأمر إلا بما وصفه أحد الناشطين في كوب 23 بـ "النفاق البيئي"، فبينما تكافح الدول الجزرية للتقدم بمقترحات لتخفيف انبعاثات غازات الدفيئة، لإنقاذها من الغرق نتيجة ارتفاع منسوب المياه بسبب الإحترار العالمي الناجم عن استخدام الطاقة الأحفورية ومنها الفحم، يستمر نمو مناجم الفحم الألمانية في الوقت الذي يتم فيه التخلص من الوقود الملوِّث في أماكن أخرى في العالم، ليظهر مدى الصعوبة التي يمكن أن تواجهها البلدان، حتى تلك التي تلتزم بقوة بالتكنولوجيات الأنظف، والتحول إلى الطاقة النظيفة، فضلا عن أنه بالنسبة لألمانيا، فإن الفجوة بين الخطاب "الساطع والأخضر" وبين الواقع الملوث بالفحم لم تكن أبدا أكثر وضوحا.
ووفقا لـ "الواشنطن بوست" Washington Post تقوم الحكومة الألمانية بإزالة كافة الآثار لبلدةImmerath بما فيها المستشفى، المنازل، حتى المقبرة، إذ لم تنج رفات الموتى من عمليات الحفريات لاستخراج ملايين الأطنان من المادة الثمينة "الفحم" من مناجم عملاقة، ويبدو أنه من مقتضيات هذه العملية، تحويل القرية الغنية بالثروة الزراعية في الريف الألماني غرب البلاد إلى قرية أشباح، وفي المقابل، ينعقد مؤتمر بون للمناخ بهدف تخفيف الإنبعاثات والاحترار المناخي إلى ما دون الدرجتين أو الدرجة ونصف الدرجة فوق مستوى ما قبل الثورة الصناعية.
التحول الطاقوي
وبعد انتخابات الخريف وفوز "مستشارة المناخ" أنجيلا ميركل، يتفاوض المحافظون من مناصري ميركل للتحالف مع "حزب الخضر"، الذي دعا منذ فترة طويلة للتوقف عن استخدام الفحم في ألمانيا، لا سيما وقد أظهرت استطلاعات الرأي وجود أغلبية واسعة من الجمهور الألماني صوتت لصالح التخلي عن قطاع الفحم، وقد التزمت الحكومة الألمانية بالفعل بخطة تهدف إلى إزالة الكربون إلى حد كبير من الاقتصاد بحلول منتصف القرن، مع تعبئة الفراغ الناتج بالطاقة المتجددة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها.
ولكن من الواضح أن ألمانيا تفوت أهدافها المتعلقة بخفض الانبعاثات بحلول عام 2020 على نحو سيء، وقد قاوم السياسيون البارزون - ميركل - بشدة اتخاذ الخطوات التي يقول النشطاء أنها يمكن أن تساعد البلاد على العودة إلى المسار الصحيح، بما في ذلك إغلاق المعامل التي تعمل على الفحم وتحديد موعد نهائي للتخلص التدريجي من الفحم.
أما أسباب هذا الأمر فمتفاوتة، ولكنها جميعها تنبع من أن الوقائع أثبتت أن رؤية ألمانيا الطموحة لـ "إنيرجيفيندي"، Energiewendeأي التحول الطاقوي، هي من الصعوبة بمكان من حيث تحقيقها.
آراء سياسيين وخبراء
تقول خبيرة الطاقة في مؤسسة هاينريش بول Heinrich Böll Foundation المتوافق مع اتجاهات حزب الخضر ريبيكا بيرترام Rebecca Bertram: "إنه ليس مجرد تحول تقني، بل إنه تحول اجتماعي"، وأضافت: "هناك الكثير من المصالح المكتسبة في الحفاظ على الهياكل القديمة (الفحم والطاقة الأحفورية)، والناس سوف تتشبث بها طالما استطاعوا ذلك".
أما الرئيسة المشاركة لحزب الخضر سيمون بيتر Simone Peter فقالت: "إن الخضر يدفعون ميركل إلى الاتفاق في محادثات الائتلاف على إنهاء الإعتماد على الفحم الألماني بحلول عام 2030، وهو الموعد النهائي، الذي سيؤكد هذا الأمر لأوروبا، ولكن أيضا لبقية العالم، فنحن لا نستطيع ان نترك ذلك للدول النامية، وعلينا ان نبين ان لدينا تكنولوجيات افضل من الفحم".
وقالت بيرترام: "لكن بالنظر إلى السياسات المعنية، والتخلي عن الفحم بحلول 2030 غير واقعي"، واضافت: "سيكون الأمر اكثر واقعية التفكير في الأعوام بين 2040 او 2045".
ومن شأن دفع مرحلة التخلص التدريجي من الفحم إلى أقصى حد، أن يفسح المجال أمام فرص ألمانيا في الوصول إلى أهدافها الطموحة للحد من الانبعاثات، ليس فقط في العام 2020 ولكن بعد ذلك بكثير، إلا أن المدافعين عن البيئة يقولون أنه ذلك سيعني أيضا أضرارا لا رجعة فيها تطاول كوكب الأرض، في الوقت الذي تحتاج فيه الحكومات مثل ألمانيا إلى التحرك بشكل أسرع للتحول إلى مصادر أنظف للطاقة.
لكن شركاء التحالف المحتملين في "الخضر" يصرون على أن البلاد ليس لديها خيار سوى الحفاظ على حرق الفحم - على الأقل في المستقبل القريب!
وبدأت ألمانيا تتخلص بالفعل وتستغني عن قطاع الطاقة النووية، بعد كارثة فوكوشيما اليابانية عام 2011، فقد قررت ميركل إغلاق كافة المحطات النووية بحلول عام 2022.
أما منتقدو التخلي عن الفحم، فقالوا: "هذا سيترك ألمانيا من دون الموارد اللازمة لضمان أن لديها الكمية الكافية من الطاقة التي تحتاج إليها".
وقال هيرمان أوتو سولمز Hermann Otto Solms المنتمي للحزب الديموقراطي الحر والمؤيد للأعمال التجارية، وهو الحزب الذي من المرجح أن ينضم إلى "الخضر" وحزب المحافظين الذي تنتمي إليه ميركل في الحكومة الألمانية المقبلة: "لا نريد الخروج من طاقة الفحم على الصعيد الوطني لاستيراد الفحم أو الطاقة النووية من دول أخرى".
الفحم البني
وقال سولمز إن "مصادر الطاقة المتجددة هي المستقبل، ولكن البلد بحاجة إلى بناء الشبكات اللازمة للتحول لتلك الطاقة"، وأضاف: "في الوقت الراهن، فإن معظم الطاقة المتجددة الألمانية هي في الشمال، على طول ساحل بحر البلطيق، في حين تتركز الصناعات الألمانية في الجنوب"، وقال "إذا دفعنا نحو التحول إلى الطاقة المتجددة، فعلينا إنشاء البنية التحتية اللازمة لهذا التحول".
وفي الوقت نفسه، فإن الفحم البني brown coal وفير ورخيص، وتخطط المانيا بالفعل للإستغناء عن الفحم الصلب، مع اغلاق آخر المناجم تحت الارض العام القادم، ولكن الفحم البني، المعروف أيضا باسم اللغنايت Lignite، يمثل مشكلة أخرى، حيث يتم استخراجه في حفر مفتوحة عملاقة، ومن الأسهل الوصول إليه ولكنه أقل جودة، وأقذر لجهة الحرق من الفحم الصلب، لكنه موجود في أجزاء من ألمانيا الغربية المعروفة باسم راينلاند Rhineland، وفي كل مكان، وفي مستنقعات عمرها يتجاوز 25 مليون سنة، وليس هناك داع للحفر بعمق للعثور عليه، ونظرا لانخفاض سعر الكربون في إطار نظام تداول الانبعاثات في أوروبا، فهناك القليل من التكلفة المالية لحرقه.
وقال كبير الاقتصاديين في معهد بوتسدام لبحوث تأثير المناخ أوتمار إدينهوفر Ottmar Edenhofer: "ليس هناك حافزا اقتصاديا حقيقيا لإزالة الفحم، ولتحفيز الابتكار النظيف، نحن بحاجة إلى أدنى سعر لثاني أوكسيد الكربون".
المصادر: "واشنطن بوست" Washington Post + "غدي نيوز" ووكالات