مع اكتشاف تسرب أطنان من المياه المشعة من محطة فوكوشيما النووية اليوم (الثلاثاء 28-6-2011)، يتأكد للعالم أجمع أن لا مجال أمام الدول المتقدمة إلا التوجه بخطى حثيثة باتجاه تبني استراتيجيات واضحة محكومة بسقوف زمنية محددة لوقف عمل كافة المفاعلات النووية، كخيار وحيد يجنب هذه الدول تبعات كوارث محتملة، والأمل معقود هذه المرة على المواطنين في هذه الدول، وهم باتوا يشكلون أداة ضغط من المتوقع أن يزداد تأثيرها – عبر أطر ديموقراطية – لتصحيح مسارات خاطئة تحت هول ما شهدته اليابان مؤخرا، وما حصل قبل ذلك في حادثة تشرنوبيل في أوكرانيا قبل نحو عقدين من الزمن.
ويبدو أن ألمانيا واليابان هما الدولتان الاكثر استجابة لضرورات التخلي عن الطاقة النووية والاستعاضة عنها بالطاقة المتجددة، بدليل أن كل دولة حددت جدولاً زمنياً لوقف عمل مفاعلاتهما، نظراً لما تمثل من مخاطر من جهة، وتحت تأثير الضغط الشعبي من جهة ثانية، ذلك أن القوى السياسة في هاتين الدولتين تدرك أن المواطنين لا يمكن أن يقترعوا في أي استحقاق ديموقراطي مقبل، إلا لمن يتبنى سياسات بيئية شفافة ويحدد استراتيجيات واضحة للانتقال من الطاقة النووية إلى الطاقة المستدامة.
ربما لا يعرف كثير من القراء أن العالم شهد أكثر من مرة حوادث مماثلة وإن أقل تأثيراً وخطراً في مقارنة مع نشيرنوبيل وفوكوشيما ناجمة عن تسرب الاشعاعات من مفاعلات نووية، ولا سيما في فرنسا، وهذا ما يفسر أن هذه الدولة الاوروبية كانت أول من بادر إلى وضع خطط حددت لها سقفا زمنياً للتحول من الطاقة النووية إلى الطاقة المتجددة والطاقة التقليدية الاقل تلويثا للبيئة.
كل التجارب السابقة أكدت بما لا يقبل الشك أن التقنية النووية تبقى دوما عرضة للخطأ البشري والكوارث الطبيعية والخطأ في التصميم وربما الهجمات الإرهابية – كخيار وارد، فالكل يذكر على سبيل المثال إقدام مجموعة من الاشخاص تنتمي إلى "طائفة أوم" التي تأسست سنة 1984 على يد شوكو أساهارا، على نشر "غاز السالين" السام في هجوم مخطط على خمس قطارات أنفاق مما تسبب بموت 12 شخصاً وإصابة 54 بإصابات خطيرة والتأثير على أكثر من980 شخص في هذه الحادثة في 20 آذار (مارس) عام 1995.
ومن يضمن عدم تعرض المفاعلات النووية لهجوم بطريقة ما؟ وهل ثمة من يمكن أن يلغي هذا الاحتمال في ظل الصراعات القائمة تحت مسميات كثيرة؟
ما نراه داخل فوكوشيما حاليا هو قصور في النظم، ذلك أن المفاعلات نفسها تمكنت من الصمود أمام الزلزال والتسونامي، ولكن بعد ذلك أصيبت نظم التبريد الهامة بأعطال كبيرة، وعندما أصيبت نظم الكهرباء البديلة بالأعطال أيضا، زادت درجة الحرارة في المفاعلات، ما أدى في النهاية إلى انتشار الإشعاعات. ويعد ذلك نموذجا يمكن أن يتكرر في أي دولة.
من هنا، تبدو الحاجة ملحة للعودة إلى جذورنا الانسانية بعيدا من حدود المغامرات القاتلة، والتقيد بمعايير أخلاقية تفرض "أنسنة" توجهاتنا في الفكر والعلم والاقتصاد والتنمية.
أنور عقل ضو