"غدي نيوز" يحاور الفنان التشكيلي سليمان دليقان

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Saturday, November 17, 2012

"غدي نيوز" يحاور الفنان التشكيلي سليمان دليقان:
رسالة الفنان ودينه وسياسته هي فنه... وفنّه فقط

"غدي نيوز" – حاورته صفا ليّون حجّار

  ينأى الفنان التشكيلي اللبناني سليمان دليقان إلى عالمه الخاص فيقترب منا بلوحاته ويصيبنا بالدهشة، وتذهب العين في متعة بصرية لنصاب بالجمال ونربض عند تخوم ألوانه وظلال رسوماته وفسحات الضوء في خبرة تتسم بأناقة قل نظيرها، وهو يعيدنا إلى منابع الفن الأولى، إلى الجذور، وهو يؤثر الكلاسيكية بعيدا من الجمود، يطل منها بروحية متجددة، يزيد عليها من ذاته ويطبعها بشخصيته، لنجد أنفسنا أمام لوحة نابضة بالحركة.
ليس صحيحا أن الفنان دليقان ينتمي إلى المدرسة الكلاسيكية التقليدية، وإنما إلى الكلاسيكية المتجددة أو الحديثة، وهي تمثل قمة التحدي للفنان التشكيلي عندما يؤثر عدم هدم الأشكال والهروب إلى الاستسهال في اللوحة الحداثوية، ومن يمعن النظر في لوحاته يجد انطباعية متوارية، وهذه ميزة الفنانين والمبدعين الكبار، عندما يجسدون الواقع بنبض خواطرهم وأحاسيسهم، وليس من قبيل الصدفة أن يقول له الفنان الملتزم أحمد قعبور "أكادُ أسمع صهيل الجياد في لوحاتك، وضحكات الأطفال وهمس النساء".
نلقي الضوء على مسيرة وأعمال الفنان اللبناني دليقان، الذي عاد مؤخراً للإقامة الدائمة في وطنه لبنان، بعد غياب دام أكثر من خمس وثلاثين سنة في الكويت.
وفي ما يلي، حوارٌ دافىء أضاء خلاله الفنان دليقان على أهم مراحل حياته الفنية والشخصية، حيث التقاه "غدي نيوز" في منزله ومحترفه الفني في مدينة عاليه، وكان هذا الحوار:

"غدي نيوز": لفنّ الرسم مدارس عديدة، وقد شهد مراحل عدة متطورة، وكل فنان يجب أن يمر بالكلاسيكية، وينتقل إلي الإنطباعية أو التجريدية أو التعبيرية، وأن يخوض أكثر من تجربة في هذا المجال، لماذا اخترتَ الرسم الكلاسيكي الواقعي دون سواه؟

سليمان دليقان: المدرسة الكلاسيكية تعتبر الأساس المتين لبدايات هذا الفن العريق، حيثُ تعتمد على الرسم الدقيق للأشكال، وتتميز بأبعاد جميلة من الألوان والخطوط، ومنها انطلقت المدارس الأخرى. تأثّرتُ بالمدرسة الكلاسيكية ، وبعُمداء فن الرسم الكلاسيكي، ليوناردو دافينشي، مايكل أنجلو ورافائيل، واخترت الرسم الزيتي على القماش، وكانت الواقعية هي أساسُ لوحاتي، والروح التي جسّدتها في جميع تلك اللوحات. وقد اخترت الكلاسيكية، لأنني أعشقُ أن أنقل الواقع كما أراه، وأكره تشويه الأشكال التي أنعم الّله علينا بها، لهذا اعتبرني بعض الخبراء الفنيين فنان كلاسيكي يتميز بدقة التفاصيل والشفافية. ومع هذا فأنا أحترم جميع المدارس الفنية الأخرى، ولا أفكر بالخروج عن نطاق الكلاسيكية .

"غدي نيوز": إذا كان من المفترض أن تجسّد الكلاسيكية ، المثال الأعلى للجمال والفن، فمن أين تستوحي مواضيع لوحاتك؟ ومتى تعيش بالحالة الإبداعية؟

سليمان دليقان: بدأتُ مسيرتي الفنية في طفولة مبكرة، وكانت الطبيعة هي الحافز الأول لبدء هوايتي، فقد أدهشني جمالها ورحتُ أرسمها بكل ما فيها من جماليات وراحة للعين والنفس. أحب كل ما هو جميل، من طبيعة، من بيئة، أو إنسان، وأحياناً أقوم بتصوير منظرٍ ما يلفتني، فأرسمه وأضيف إليه من إحساسي، وهذا دعاني إلى أن أطلق عنوان "إنّ العالم آية فنية رائعة الجمال"، على معرضي في قصر الأونيسكو. أحب أن أرسم كل يوم، وكل ساعة، إنّما بحالة نفسية مريحة، لا أستطيع أن أعطي وأنا في حالة نفسية سيئة، وعندما أجلس أمام إحدى لوحاتي، أنسى نفسي، أغوص في تفاصيل اللوحة إلى الأعماق وخاصة حين أرسم منظراً طبيعياً، أشعر بروحي تهيم داخل اللوحة، أسمع زقزقة العصافير، خرير المياه وأشمّ رائحة الزهور، تستهلك اللوحة مني ساعات طوال، لا أشعر معها بمرور الوقت. بل أكون في حالة رضى وسلام وصفاء.

"غدي نيوز": يبدو تأثّرك بالطبيعة واضحاً من خلال لوحاتك، فهل كان لنشأتك في مدينتك عاليه دور في مسيرتك كفنان؟ أو هل أدّى شخصٌ ما ذلك الدور المهم؟

سليمان دليقان: كان بالتأكيد للطبيعة دور كبير في تنمية موهبتي وبلورة أحاسيسي، إنما كانت والدتي هي  المشجع الأول منذ حداثتي، وبعد زواجي أصبحت زوجتي حنان الداعم والسند والملهمة الأولى ورفيقة مشوار فني وحياتي، وكذلك إبني ماهر الذي يبدي رأيه في جميع رسوماتي، وهو أيضاً يمتلك موهبة فنية. وأذكر أنني  في المرحلة الدراسية  كنتُ أرسم أساتذتي ومعلماتي على اللوح أما في المرحلة الثانوية فصرت أرسم صوراً من الدروس. وكانت تترك على اللوح لعدة أيام، حيثُ يقوم الأساتذة بشرح الدروس من خلالها. من هنا زاد حبي لهذا الفن، وبدأت برسم عدة لوحات إلى أن قدمت هذه اللوحات في أول معرض في فندق عاليه الكبير "الجبيلي" في عاليه، حيث عرضتُ ست  لوحات، فوجئتُ ببيعها كلها، وهذا أيضاً زاد في  تصميمي على المتابعة.

"غدي نيوز": كنتَ في دولة الكويت، وأمضيت وقتاً طويلاً تعدّى الثلاثين عاماً، ماذا عن تلك الفترة؟

سليمان دليقان: في أواخر ١٩٧٩، أتتني فرصة للسفر إلى الكويت، وعملت هناك في مجال الإعلانات ثم عملت graphic designer، ثمArt director ، ثمCreative art director، وإلى جانب عملي طبعاً لمْ أهمل موهبتي، بل كنت أمضي معظم وقتي برسم لوحاتي في المنزل، ومن ثمّ شاركت بعدة معارض هناك .

"غدي نيوز": لكن جميع لوحاتك سُرقت أثناء الإجتياح العراقي على الكويت كما عرفت؟

سليمان دليقان: نعم سُرقت جميع اللوحات في تلك الفترة، ما عدا لوحة واحدة تُجسّد السيد المسيح، وهذه اللوحة كانت ترافقني في جميع معارضي، ولم أكن أعرضها للبيع أبداً، بل كنت أستشفّ منها البركة والخير.

"غدي نيوز": وقد أصبحتْ معلقة على أحد جدران الصرح البطريركي في بكركي؟

صحيح، فأثناء معرضي في قصر الأونيسكو في بيروت منذ نحو عامين، شاهدها رئيس اللجنة الثقافية في بسكنتا فرنسوا حبيقة، فسألني عنها، وقلت أنني أتمنى أن توضع في كنيسة أو صرح ديني ضخم، فعرض علي أن أقدمها هدية للصرح البطريركي في بكركي، فقلت أن هذا شرفاً كبيراً لي. ويسعدني جداً أن يكون مكانها هناك، وهذا ما حصل، وقد تمّت زيارة غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير وقدمت له اللوحة، وهكذا كان لها  النصيب أن تحتل أحد جدران كنيسة بكركي. وأنا الآن أحضّر لرسم لوحة جديدة تمثلُ السيدة العذراء، سأقدمها لسيادة البطريرك مار بشارة الراعي.

"غدي نيوز": كانت عودتك إلى لبنان عام ٢٠١٠، وتلازمت مع معرضك  في قصر الأونيسكو في بيروت، كيف كانت ردود فعل الجمهور اللبناني؟

سليمان دليقان: لم تنقطع علاقاتي أبداً مع أهلي وأصدقائي ومعارفي طيلة تواجدي في الكويت، وفي الفترة التي كنت أنوي العودة خلالها، كنت أحضر لمعرض أنطلق منه من ألمانيا، ولكن زوجتي أصرّت أن تكون الإنطلاقة من الوطن لبنان، وهكذا كان، إذ شاركت بمعرض كبير في قصر الأونيسكو، وكان للوحاتي جناح مخصص، بينما عرض أربعون فنانا فرنسيا وعالميا لوحاتهم في صالات مختلفة. وكان الخبير الفرنسي الفني جان بول بارنييه قد دُعي إلى هذا المعرض ليقوم بتكريم عشر فنانين فرنسيين في المعرض، وصادف أن مرّ بالصالة التي تضم لوحاتي ، فدهش بالأعمال الكلاسيكية، وعاد إلى الصالة الكبرى وطلب من جميع الفنانين المتواجدين أن يشاهدوا لوحاتي، وقال لي بالحرف الواحدBehind every painting I can see Henry Russo after 150 years (وراء كل لوحة أستطيع أن أرى هنري روسو بعد150  سنة)، وقد لاقى المعرض نجاحاً كبيرا وقد حضره لفيف كبير من الشخصيات الفنية والسياسية وحشد من المجتمع اللبناني. بالطبع لمست شوق  الناس  وتعطّشهم  للفن، فاللبناني مفطور على حب الفن ويقدر الجمال.

"غدي نيوز": كانت لك إبداعات وتصاميم أيضاً في دولة الكويت؟

سليمان دليقان: لقد قمت بتصميم نحو خمسة عشر طابعاً بريدياً لدولة الكويت، بالإضافة إلى تصميم عدد من القطع النقدية لسموّ الأمير، يقدمها كهدايا تذكارية لضيوفه، وكتكريم للشخصيات الهامة في المناسبات.

"غدي نيوز": لقد انتسبت إلى نقابة الفنانين المحترفين، فكيف تجد وضع الفنان في لبنان؟

سليمان دليقان: هناك تجاوب من النقابة، وهي كإدارة وأعضاء تحاول الدعم الدائم، لكن الدولة غائبة، وليس هناك أدنى تجاوب أو إهتمام منها بالأمور الثقافية والفنية، ورأيي أن حق الفنان مهدور في لبنان، وحضور الناس أيضاً خجول، ربما بسبب الأوضاع المعيشية والمعاناة الإقتصادية اليومية التي تلهي الناس عن المواضيع الأخرى. يجب أن تعمل الدولة على تسهيل إقامة المعارض لفنانيها داخل لبنان وخارجه، وألا تحوّر الأمور باتجاه السياسة، فرسالة الفنان ودينه وسياسته هي فنه... وفنّه فقط.

"غدي نيوز": نبع الفن والموهبة لا ينضب، وكما نرى إنك في صدد رسم إحدى لوحاتك، والتي تمثل القرية اللبنانية القديمة، فماذا عن مشاريعك المستقبلية؟

سليمان دليقان: ينصبّ معظم إهتمامي حالياً على رسم لوحات عدة. وأيضاً أحضّر لعدة معارض في لبنان، ربما في قصر الأونيسكو أو في قصر بيت الدين، وربما بمدينة عاليه. ومن ثمّ في بعض البلدان الأوروبية التي ما تزال قيد الدرس، وأفكر أيضاً باستحداث محترف خاص بي .

 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن