"غدي نيوز"
*المهندسة رفاه رومية
يعتبر التلوث من أكبر المشاكل التي تواجه كوكب الأرض في القرن الواحد والعشرين وقد باتت آثاره واضحة بشكل كبير من خلال التدهور المناخي الحاصل، ويعد الإنسان المسبب الرئيسي له، كيف لا؟ وقد عمد إلى استنزاف الموارد الطبيعية بطريقة جائرة، ودون أن يراعي القدرة البيولوجية للنظام البيئي على تعويض هذا الاستهلاك المتزايد لإمكانياته في التجدد المتناسب مع التطور الصناعي والتكنولوجي الذي يشهده العالم منذ بداية الثورة الصناعية، والذي يحتاج إلى آلاف، لا بل ملايين الأطنان من مصادر الوقود الأحفوري لتغطية الطلب المتزايد على الطاقة ويعتبر المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد في أي بلد في العالم.
يعد غاز ثاني أوكسيد الكربون CO2 من أكثر الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وكما هو معلوم، فإن ازدياد نسبة غازات الدفيئة عن الحد المعين المسموح به قد أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وكان لهذا الارتفاع آثار سلبية كبيرة على المناخ والبيئة، فما نراه من تقلبات مناخية من أعاصير وموجات جفاف أو ارتفاع في منسوب مياه البحار وذوبان الثلوج، أو حتى الخطر الذي يهدد العديد من الأصناف الحيوانية والنباتية بالانقراض، ما هو إلا نتيجة ممارساتنا الخاطئة بحق الطبيعة والنظام البيئي الآيل إلى التراجع المستمر، إلا إذا ما استدركنا وأعلنا حالة التأهب لمواجهة هذه الآثار البيئية المدمرة لنا وللأجيال المستقبلية القادمة.
إن نسبة الانبعاثات الكربونية لعام 2017 ارتفعت حوالي 2 بالمئة بعدما كانت في السنوات الثلاثة الماضية قد شهدت ثباتا ملحوظا، حسب وكالة الطاقة الدولية IEA، وقد بلغت حوالي 32 غيغاطن بالرغم من التزايد المستمر بالإنبعاثات منذ حوالي ثلاثين سنة مضت، وتعد الصين من أكثر الدول المسببة للانبعاث الكربوني بنسبة تصل إلى 30 بالمئة، تليها الولايات المتحدة الأميركية بحدود 15 بالمئة، فكما هو معروف يعتبر الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وهذا التطور السريع لا بد أن يرافقه استهلاك كبير للطاقة، وبالتالي أطنان هائلة من غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث في الجو، لكن مع ذلك عمدت الصين في السنوات القليلة الماضية إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الجدية للحفاظ على بيئتها، والحد من هذا التلوث الهائل الذي تسببه، وهو بمثابة ضريبة تقدمها الصناعي والتكنولوجي.
لو ألقينا نظرة على مصادر هذا الانبعاث الكربوني لوجدنا أن كل ما نقوم به يساهم في هذا التلوث، ليس فقط على القطاعات الإنتاجية الضخمة من معامل ومصانع فحسب، بل وعلى مستوى المؤسسات الحكومية من شركات ومدارس وجامعات ودوائر رسمية، بالإضافة إلى الأفراد العاديين في أعمالهم وممارساتهم اليومية، وهذا ما يمكن تسميته بالبصمة الكربونية، والذي يعتبر مؤشرا على كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من احتراق مصادر الوقود بأشكاله المختلفة، والضروري للقيام بكافة النشاطات على المستوى الشخصي أو مستوى المؤسسات أو حتى الدول، فهي لا تقتصر فقط على الأعمال التي تحتاج لطاقة بصورة مباشرة، بل تشمل جميع خطوات الإنتاج من مرحلة تأمين المواد الأولية والتصنيع، وصولا إلى مرحلة الاستهلاك، فكل مرحلة يرافقها بالتأكيد عملية انبعاث كربوني والتي نطمح نحو تقليلها لنساهم في تطبيق مفهومة الاستدامة البيئية سعيا للحفاظ على كوكبنا الأرض.
إن مشكلة التدهور المناخي هي مشكلة عالمية ومسؤولية الجميع، وإن لم تتضافر الجهود الدولية لحلها سيزداد الوضع سوءا مع الوقت، فالتخفيف من البصمة الكربونية يعتبر من الإجراءات المهمة للحد من الانبعاث الكربوني، والذي يشمل كما أسلفنا كافة القطاعات، فكيف يمكنك من موقعك كفرد في هذا المجتمع أن تسعى لتقليل بصمتك الكربونية؟
ثمة نقاط عدة يمكنك إتباعها سواء في منزلك أو في الشارع أو حتى في المتجر يمكن أن تساهم في أثر مهم لجهة خفض نسبة الكربون في الجو.
ويمكن أن نلقي الضوء على الجزء الأكبر منها وتلخيصها في النقاط التالية:
-تطبيق مبدأ ترشيد استهلاك الطاقة وتحسين كفاءتها: فكما نعلم فإن استهلاك الطاقة يرافقه المزيد من انطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون، فلو عملنا على تغيير بعض من عاداتنا في استخدام الطاقة، لساهمنا في الحفاظ على بيئتنا واقتصادنا في دفع الفواتير، فمثلا لو استخدمنا المصابيح الموفرة للطاقة في الإنارة أو حتى مصابيح الـ LED فمن الممكن أن نقلل من 90 بالمئة من كلفة الطاقة المصروفة، كما أنه يجب الانتباه إلى عدم ترك أجهزة الإنارة مضاءة في حال الخروج من الغرف لأنه يعتبر بمثابة هدر في الاستهلاك، بالإضافة إلى ذلك لا بد عند شراء الأجهزة الكهربائية الجديدة الانتباه إلى اللصاقة الطاقية الخاصة بها التي تعطينا مؤشرا جيدا لمدى كفاءة هذا الجهاز، وقدرته على إعطاء العمل المطلوب لكن بأقل استهلاك ممكن، فمثلا استخدام براد بمواصفة A+ لمدة 24 ساعة سيعمل على إطلاق 116 كيلوغراما من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنويا، بينما استخدام براد بمواصفة A++ لمدة 24 ساعة سينتج عنه 89 كيلوغراما من ثاني أوكسيد الكربون سنويا، كما يجب ألا ننسى أن تشغيل الأجهزة المستهلكة للطاقة فقط عند الضرورة سيساعد في تقليل البصمة الكربونية، وهناك أيضا موضوع العزل الحراري الجيد لخزان المياه الساخنة الذي يرفع من كفاءته، وبالتالي يقلل من الطاقة المصروفة على التسخين.
-التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة: إن الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة يعتبر من أهم الخطوات لتقليل الانبعاثات الكربونية، وهذا ما انتهجته العديد من الدول للتخفيف من التلوث، ومن أبرزها الصين التي ارتفع فيها الطلب على الكهرباء من هذه المصادر في العام الماضي بمقدار 5.4 بالمئة والتي كان أغلبها من الطاقة المائية والرياح بالإضافة للطاقة النووية، ولا يمكن أن ننكر أهمية اعتمادها على الغاز الطبيعي بدلا من الفحم، ومدى تأثير ذلك على انخفاض الكربون المنبعث، ويعتبر إتباع الخطوات المناسبة لانتشار تقنيات الطاقة الخضراء وجعلها في متناول الجميع من تقديم التسهيلات في الاستثمار والقروض، سيساهم في خفض الاستهلاك في كافة القطاعات الحكومية، فمثلا استخدام السخانات الشمسية في المنازل، وتركيب الألواح الكهروضوئية على الأسطح، سيكون له الأثر المهم في تخفيض البصمة الكربونية.
-التشجيع على النقل الأخضر: لقد كانت نسبة استهلاك الطاقة في قطاع النقل لعام 2013 حوالي 28 بالمئة وهذه نسبة لا يستهان بها، وتدل على حجم الانبعاثات الكربونية من وسائل النقل، التي تعمل معظمها على مصادر الطاقة التقليدية من بنزين ومازوت (ديزل)، لكن عند الاستعاضة عنها بالوقود الأخضر، سيخفض ذلك من حجم الانبعاثات الكربونية إلى حوالي النصف أو أكثر أحيانا، فالسيارات الكهربائية التي يعاد شحنها من مصادر تعتمد على الطاقة النظيفة أو على الوقود الهيدروجيني قد لاقت رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة، حيث كان عدد السيارات في عام 2015 حوالي 1.25 مليون سيارة مع توقعات بزيادة هذا العدد في السنوات القليلة المقبلة.
-إعطاء أهمية لإعادة التدوير والاستعمال: يسهم تدوير المواد بأنماطها المختلفة بشكل فعال في تقليل الطاقة المصروفة على تصنيع المواد الجديدة، وخصوصا إذا تمت العملية محليا، سواء في المنزل أو في نفس المدينة أو البلد، فمثلا يمكن الاستفادة من فضلات المطبخ من قشور الفواكه والخضراوات وتحويلها إلى سماد عضوي للنباتات المزروعة في حديقة المنزل، ويمكن أيضا تطبيق نفس الأسلوب، لكن بطريقة أوسع من خلال الاستفادة من فضلات عدة منازل ومزارع للحيوانات في نفس البلدة أو القرية للحصول على الغاز الحيوي، والسماد من خلال المخمرات المحلية، وبذلك نوفر من استهلاك الطاقة المصروفة لنقل الفضلات لمنطقة أخرى، كما أن إعادة تدوير مخلفات البناء يساهم في التقليل من مشكلة التلوث والاستفادة من الركام للحصول على المواد الأساسية بعد معالجتها، وهذا يقلل من حجم الاستيراد وتصنيع مواد جديدة، وبالتالي يقلل من كمية الطاقة المستهلكة، وكل هذه الأساليب سوف تساهم بشكل كبير في تخفيض الانبعاثات الكربونية.
نحن نطمح لأخذ هذه الاعتبارات من كل مواطن او مستثمر أو حتى جهة حكومية عند القيام بأي عمل أو مشروع جديد، لأن في ذلك مبادرة مهمة نحو تطبيق الاستدامة البيئية لنا وللأجيال القادمة، واعتماد آلية عمل ناجعة لمحاربة التلوث البيئي الناجم عن الكربون، والذي يسبب الأذى ليس فقط للطبيعة، بل أيضا تعداها لصحة الإنسان مسببا العديد من حالات الوفاة سنويا.
*ماجستير أنظمة قدرة كهربائية في جامعتي "تشرين (سوريا)