"غدي نيوز"
حذف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بند "تغير المناخ" من سلسلة من التحديات والتهديدات العالمية التي تواجه الأمن القومي في ورقة استراتيجية الأمن الأميركي national security strategy والتي صدرت يوم الاثنين 18 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، بالمقابل شدد ترامب على ضرورة استعادة أميركا قدرتها التنافسية اقتصاديا في العالم.
ويمثل هذا الموقف، وكما كان متوقعا، تغييرا حادا عن إدارة الأمن القومي في أيام الرئيس السابق أوباما، والذي جعل تغير المناخ واحدا من الأخطار الرئيسية التي تواجه الأمة، وجعل بناء توافق دولي في الآراء بشأن احتواء الاحترار العالمي أولوية للأمن القومي.
ترامب: مواجهات عسكرية واقتصادية وسياسية
وقال ترامب، في كلمة ألقاها يوم الاثنين، إن "الاستراتيجية الجديدة تتضمن الاعتراف، وسواء طاب لنا ذلك أم لا، بأننا دخلنا عصرا جديدا من النتافس، ونعترف بأن العالم بأكمله يشهد الآن مواجهات عسكرية واقتصادية وسياسية، حيث نواجه الأنظمة المارقة التي تهدد الولايات المتحدة وحلفائنا، ونواجه أيضا الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية العابرة للحدود وغيرها من الأطراف التي تنشر العنف والشر حول العالم".
وأعلن ترامب أن استراتجيته تحتوي على خطوات من شأنها التصدي للأنواع الجديدة من التهديدات، ومن بينها الهجمات الإلكترونية والكهرومغناطيسية، مشيرا إلى أن الخطة تعترف بأن الفضاء الخارجي "مجال للمنافسة"، كما وتدعو الاستراتيجية الجديدة إلى التحديث الكامل للقوات المسلحة الأميركية.
وأكد ترامب في كلمته على أن الولايات المتحدة مصممة على فرض السلام "عن طريق القوة" وتعزيز نفوذها والمبادئ الديموقراطية.
أوباما: المناخ أولوية
من جهة ثانية، أشار الرئيس أوباما، مرارا إلى الاحتباس الحراري العالمي وتغير المناخ باعتباره واحدا من التهديدات الأكثر خطورة التي تلوح في الأفق التي تواجه البلاد، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، اجتمع 50 من قادة العالم في بروكسل لحضور قمة تغير المناخ، ولم يكن ترامب من بينهم ولم يدع إلى الحدث ولكن اسمه كان متداول في النقاشات، ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قراره بعدم المشاركة في الاتفاقية بانه " سيء للغاية ".
وتحدث الرئيس السابق باراك أوباما يوم الجمعة في شيكاغو في قمة منفصلة، مشيرا إلى أنه جعل المناخ أولوية خلال رئاسته، وكان 2015 أحر الأعوام التي سُجلت، أما عام 2016 فقد أصبح اكثر حرارة من السابق، وأضاف " أن المناخ يتغير أسرع من جهودنا لمعالجة ذلك الاحتباس، ولهذا السبب جعلت تغير المناخ أولوية بينما كنت رئيسا"، وكان موقف ترامب لمكافحة تغير المناخ موضوعاً مشتركاً طوال حملته الانتخابية، لكن موقفه المشكوك فيه بشأن هذه القضية يسبق حياته السياسية بكثير، ففي إحدى التغريدات الشهيرة له عام 2012 سخر فيها على نطاق واسع، وقال إن الاحتباس الحراري العالمي هو خدعة "للصينيين"، وفي حزيران (يونيو) الماضي قدم وعوداً بإزالة الولايات المتحدة من اتفاق باريس، وهو اتفاق مشترك وقعته كل دولة في العالم الآن بعيداً عن أميركا، ويرجع سبب ابتعاد ترامب عن ذلك الاتفاق إلى أن الاتفاق لم يكن كافيا للولايات المتحدة، وقد أعرب عن رغبته في إعادة التفاوض و إعادة الدخول تحت شروط أكثر إرضاء عندما أعلن القرار .
وأكّد ترامب أنّه "بصفتي رئيساً لا يمكن أن أضع أي اعتبار آخر قبل المواطنين الأميركيين، اتفاق باريس بشأن المناخ هو ببساطة آخر مثال على دخول واشنطن في اتفاق يضر الولايات المتحدة بالمنفعة الحصرية لدول أخرى، مما يترك العمال الأميركيين - الذين أحبهم - ودافعي الضرائب لاستيعاب التكلفة من حيث الوظائف المفقودة، الأجور، المصانع المغلقة، وتقلص الإنتاج الاقتصادي بشكل كبير"، وكان أكبر ما يثير قلقه هو فقدان الوظائف التي قد تفرضها قيود على الطاقة وقال "إن الامتثال لشروط اتفاق باريس والقيود المفروضة على الطاقة الشاقة التي وضعتها على الولايات المتحدة، يمكن أن يكلف أميركا ما يصل إلى 2.7 مليون فقدت لفرص العمل بحلول عام 2025، و ذلك وفقاً لشركاء البحوث الاقتصادية الوطنية، وهذا يشمل عدد أقل بـ 440,000 من وظائف المصانع ونحن لا نحتاج ذلك حقيقة، بما في ذلك الوظائف الخاصة بصناعة السيارات، وهلاك للصناعات الأميركية الحيوية التي يعتمد عليها عدد لا يحصى من المجتمعات المحلية".
استراتيجية الأمن القومي
وتسعى اتفاقية باريس للمناخ إلى منع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين مثل ما قبل الثورة الصناعية، وكانت الولايات المتحدة وسوريا ونيكاراغوا هي الدول الثلاث الوحيدة في العالم التي لم تنضم إليها بحلول تشرين الثاني (نوفمبر)، إلا أن نيكاراغوا وسورية وقعت الإتفاق لاحقا، لتبقى الولايات المتحدة الأميركية الوحيدة التي لم توقع على هذا الإتفاق.
وفي نص الاستراتيجية الذي نشرها البيت الأبيض على موقعه الإلكتروني، الاثنين، حددت إدارة ترامب 3 تهديدات رئيسة على أمن البلد، وهي "طموحات روسيا والصين، والدولتان المارقتان إيران وكوريا الشمالية، والجماعات الإرهابية الدولية الهادفة إلى العمل النشط ضد الولايات المتحدة"، ويعتبر إدراج الرئاسة الأميركية لهذه البنود في الاستراتيجية بالنسبة لترامب وفريقه أمرا متوقعا، لكن من اللافت أن الولايات المتحدة وصفت هذه المرة روسيا والصين بـ"المنافسين الرئيسيين" لها على الساحة الدولية بسبب تنامي تأثيرهما الجيوستراتيجي، بالإضافة إلى ذلك إدرجت الوثيقة أربعة ملفات رئيسية هي: حماية الأراضي الأميركية، وزيادة القوة التجارية الأميركية، وضمان السلام من خلال القوة، إضافة إلى توسيع النفوذ الأميركي في العالم.
وزعمت واشنطن أن روسيا والصين "تتحدان قوة ونفوذ ومصالح الولايات المتحدة"، واتهمت إياهما بمحاولة "الاضرار بأمن أمريكا ورخائها " وتغيير الوضع القائم.
وبحسب رأي مؤلفي الاستراتيجية، فإن روسيا تطبق "وسائل تخريبية" من أجل إضعاف مصداقية الولايات المتحدة تجاه أوروبا، وتقويض الوحدة عبر الأطلسي وإضعاف الحكومات والمؤسسات الأوروبية".
واتهمت الولايات المتحدة روسيا بـ"التدخل في جورجيا وأوكرانيا" باعتبار أن روسيا تظهر بذلك "استعدادها إلى خرق سيادة دول المنطقة" وتحاول "ترعيب دول الجوار بتصرفاتها المهددة، بما فيها استعراض قدراتها النووية والانتشار الأمامي للقوات".
واعتبرت أن "استثمار روسيا في تطوير القدرات العسكرية الجديدة" كان ولا يزال يشكل أحد أخطر التهديدات" على الأمن القومي الأميركي.
كما أكدت هذه الاستراتيجية أن "الولايات المتحدة وأوروبا ستعملان سويا لمواجهة نشاط روسيا التخريبي وعدوانيتها، وكذلك التهديدات من قبل كوريا الشمالية وإيران"، كما قالت واشنطن إن روسيا تعمل على "زعزعة استقرار الفضاء الرقمي".
وفيما يخص موضوع إيران، وصفت الاستراتيجية السلطات الإيرانية بـ"النظام الدكتاتوري الذي يزعزع استقرار المنطقة ويدعو علنا إلى تدمير الولايات المتحدة، ويدعم جماعات إرهابية ويمول الإرهاب في أنحاء العالم، فضلا عن أنه يتعامل بالقسوة والعنف مع شعبه".
وأشار واضعو الاستراتيجية الجديدة إلى أن واشنطن "تقوم بنشر المنظومة المضادة للصواريخ المتعددة المستويات" بغية الدفاع ضد الهجمات الصاروخية المحتملة التي مصدرها إيران وكوريا الشمالية.
وفي شأن متصل، أكدت الوثيقة أن واشنطن تتعاون مع حلفائها وشركائها بهدف ردع ومنع نشاط "الجماعات الإرهابية الإيرانية"، مثل "حزب الله".
ومن أجل الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي والتحكم بعملية التسلح، أعربت الولايات المتحدة عن استعدادها لدراسة إمكانية إبرام اتفاقات جديدة مع الدول الأخرى، مما سيسهم في تفادي وقوع أخطاء قد تنجم عن سوء التقدير، واستعدادها لإقامة العلاقات القابلة للتنبؤ، وتقليص مخاطر استخدام السلاح النووي، وفق الوثيقة.
رد صيني
وفي رد لها قالت الصين على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشونينغ في مؤتمر صحفي: "إن أي دولة أو أي تقرير يشوه الحقائق لن يحقق نتيجة"، وأضافت: "نحث الولايات المتحدة على وقف التشويه المتعمد للنوايا الاستراتيجية للصين والتخلي عن المفاهيم العتيقة مثل عقلية الحرب الباردة، لأنها بذلك تضر سوى نفسها أو الآخرين".
وتابعت: "الصين لن تسعى أبدا إلى تطوير نفسها على حساب مصالح الدول الأخرى"، وأضافت "في الوقت نفسه لن نتخلى عن حقوقنا ومصالحنا المشروعة".
المصادر: الغارديان، سبوتنك، روسيا اليوم، غدي نيوز ووكالات.