"غدي نيوز" - أنور عقل ضو -
عندما تغيب الخطط والبرامج ويبقى الارتجال سبيلا وحيدا لمعالجة تلوث الأنهر في لبنان، لا يجد وزير البيئة طارق الخطيب إلا التصويب على النزوح السوري، وكأن مشكلة التلوث استجدت منذ خمس أو ست سنوات مع بداية توافد النازحين إلى لبنان، وكأن الأنهر اللبنانية كافة كانت بعيدة من أسباب التلوث قبل هذه الفترة، وكأن لبنان أيضا استكمل إنجاز البنى التحتية من شبكات صرف صحي ومعامل معالجة حديثة ومتطورة.
لقد تحول النزوح السوري شماعة يُعلق عليها المسؤولون إخفاقاتهم وعجزهم تهربا من مسؤولية، فأزمة المياه على سبيل المثال "سببها" النازحون، علما أنه إذا أردنا تقديم مقاربة علمية حول نسبة استهلاك المياه من غير اللبنانيين، نجد أن استهلاك السائح العربي قبل الحرب السورية، ويوم وصل عدد السياح إلى أكثر من مليون ومئتي ألف سائح، فاق وتجاوز بكثير ما يستهلكه النازحون السوريون.
مشكلة النفايات "سببها" السوريون، تردي نوعية الهواء "سببها" النازحون، تحول الليطاني وبحيرة القرعون بؤرة خطيرة تُلوث وتعدم الحياة على مجرى النهر مرده إلى النازحين، وكذلك تلوث الشاطىء وحرق النفايات وانتشار المكبات العشوائية.
دائما نملك الجرأة لتسليط الضوء على الحلقة الأضعف، أما عندما يقدم سائح عربي على بناء عدد من الفيلات في المتن الأعلى قبل نحو ثماني سنوات، ويحول مجرى الصرف الصحي إلى "نهر أبو لبن" بين الشبانية وحمانا، فلا أحد يتحرك أو يحرك ساكنا، ولم يمتلك أحد الجرأة لإلزام أصحاب التجمعات السكنية الضخمة ببناء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي.
بين السائح والنازح، يختلف التعاطي الرسمي والأهلي، فالأول نبيح له تخطي القوانين بحجة تفعيل دورة الاقتصاد، وحفر آبار ارتوازية غير مستوفية شروط الأثر البيئي، والتعدي على الأملاك العامة، وعدم استيفاء شروط المخططات التوجيهية، أما الثاني فنصوره "عدوا" يعتدي على بيئة لبنان، علما أن ما تسبب به النازحون يكاد لا يذكر بالمقارنة مع التلوث الذي تتسبب به الكسارات والمقالع والمرامل ومصانع الاسمنت في شهر واحد.
لا نقلل من حجم الوجود السوري ونتائجه على بيئة لبنان، لكن أن نحصر مشكلاتنا القائمة بالنازحين السوريين فحسب، فهذا هروب إلى الأمام، ولا ننسى أنه خلال الحرب الأهلية كان اللبنانيون نازحين في سوريا! وما قاله وزير البيئة طارق الخطيب اليوم خلال تفقده مجرى نهر الجوز في بيت شلالا وبساتين العصي وكفرحلدا في منطقة البترون، يجانب الحقيقة، فالنازحون فاقموا الأزمة ولكنهم ليسوا من تسبب بها.
لقد فضح النزوح السوري عجز الدولة، وتخلف الحكومات المتعاقبة عن بناء شبكات الصرف الصحي، ومعالجة النفايات وفق معايير بيئية وصحية، فضلا عن ما لا حصر له من ممارسات عطلت التنمية وعممت الفساد.