"غدي نيوز" -*فادي غانم -
إذا ما نظرنا إلى واقعنا البيئي في لبنان، نتأكد أننا مقبلون على كوارث أكبر بكثير من تلك القائمة، فالكسارات تجتث أشجارا وتقضم جبالا، والمرامل تنهش الأحراج، أما التلوث فإلى ازدياد، والاعتداءات على المعالم الطبيعية مستمرة ومتواصلة، فيما الدولة عاجزة عن تطبيق القانون، ولجم اندفاعة أعداء البيئة وهم يمعنون تخريبا وتدميرا وتلويثا، ولا من يردعهم أو يسطر بحقهم محضر ضبط واحد، على الأقل من باب رفع العتب!
حيال كل ذلك، لم يبقَ لدينا سوى المحميات لنحافظ على التنوع الحيوي، ونحفظ إرثنا الطبيعي ومعالم الجمال على سفوحنا والروابي وفوق ذُرى الجبال، وإن كنا نعلم أن هذه المحميات ليست في منأى عن أطماع كثيرين ممن يريدون تضييق فسحة الجمال لصالح التدمير الممنهج لأي بقعة خضراء... وعذراء.
ليس ثمة حل لمشكلاتنا البيئية، من وجهة نظرنا، سوى إعلان لبنان بسائر مناطقه محمية طبيعية، ولأن ثمة استحالة لتحقيق هذا الهدف، فلا بد من توفير الدعم للمحميات القائمة، وتاليا تفعيل نشاطها في سياق تطوير "السياحة البيئية" Eco-tourism، وتبني الاستدامة خيارا وحيدا لحماية ما تبقى من معالمنا وما تحفل به من نظم إيكولوجية نادرة، خصوصا وأن لبنان بصغر مساحته يتفوق على دول كبرى في تنوعه البيولوجي، ولا بد أيضا من زيادة أعداد المحميات لتكون ثمة مناطق جديدة يصعب تشويهها وتدميرها.
إن ثمة جهودا كبيرة يبذلها القيمون على المحميات الطبيعية من إهدن إلى صور وجبيل وسائر الأقضية اللبنانية، رغم قلة الموارد وغياب الدعم والتمويل لتحقيق الأهداف التي من أجلها أعلنت محميات.
وما يهمنا في هذا السياق التنويه بما حققته محمية أرز الشوف – المدى الحيوي من إنجازات تؤكد أننا قادرون على حماية التنوع وتحقيق الاستدامة، فهذه المحمية، فضلا عن تنوعها البيولوجي الغني جدا والذي يتطوّر بشكل لافت للانتباه، مع عودة اللبونات المتوسطة الحجم وأهمها الذئاب والوشق وأخيرا الوعول، تتميز بارتباطها بالمجتمع المحلي الذي يشارك في إدارتها بإشراف وزارة البيئة.
وفي متابعتنا لأنشطة المحمية، لجهة صون الطبيعة والمحافظة على الكائنات الحية، ودعم السكّان المحليين عن طريق التنمية المستدامة، ووضع المحمية على خارطة المحميات العالمية وبناء قدرات فريق العمل وتعزيزها، يتأكد لنا أن محمية أرز الشوف باتت تمثل نموذجا رائعا وتجربة رائدة توائم بين العلم والاستدامة.
إن الإنجازات الكبيرة التي حققتها المحمية هي نتاج إرادة وتصميم، ورؤية واضحة وثاقبة، وتخطيط واع، وكل ذلك يفضي إلى أن القيمين على هذه البقعة الأجمل من لبنان هم رسل البيئة الحقيقيون... وأياديهم "خضراء" كما أرزها العتيق.
*رئيس "جمعية غدي"