"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
تمثل الأسماك والأنواع البحرية الغازية تهديدا لسائر النظم البيئية في محيطات وبحار العالم، لا بل تستهدف النظم البيئية كافة، نباتا وحيوانات وكائنات مختلفة، وباتت قضية الأنواع الغازية والمجتاحة مصدر قلق عالمي، وسط مخاوف من انقراض أنواع على حساب أنواع أخرى مقيمة ومستوطنة.
ويبدو أن هذه المشكلة آخذة بالتفاقم، خصوصا وأن أحد أبرز أسبابها هو تغير المناخ، وارتفاع درجات الحرارة ما أربك النظم الإيكولوجية، وأثر على مسار هجرة الطيور، وموائل الكائنات وهجرة بعضها إلى غير مواطنها الأكثر دفئا أو الأشد برودة، فضلا عن أسباب ناجمة عن تدخل الإنسان (مثال قناة السويس)، بمعنى أن ما نشهد في هذا المجال ليس ثمة ما يشي بأننا قادرون على مواجهته، حتى العلماء في مجال التنوع البيولوجي تؤرقهم هذه الظاهرة مع ما يترتب عليها من نتائج خطيرة مستقبلا.
البحر المتوسط
وما يهمنا في هذا السياق ما نشره مؤخرا موقع The Scientist العلمي، حول ما تسببت به الأنواع الغازية من "فوضى كبيرة في البحر الأبيض المتوسط".
وقد بدأت بعض الأنواع تهدد الثروة السمكية بصورة متزايدة، مع تكاثرها على حساب الأنواع المستوطنة في هذه المنطقة، ويصل معظمها إلى المتوسط عبر قناة السويس من المحيط الهندي والبحر الأحمر، وفي هذا المجال، سلط الموقع الضوء على ما تتسبب به سمكة "المنفخ" وتعرف أيضا باسم "النفيخة" pufferfish من خسائر كبيرة في شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وخصوصا الأوروبية منها، وتعرف هذه السمكة أيضا بسمكة البالون كونها تنتفخ عند شعورها بالخطر، و"البوشكارة" في المغرب العربي.
قناة السويس
وذكر المقال، أن خطورة هذه السمكة تتمثل في السموم التي تحملها، والتي بدأت تظهر أيضا في بعض القشريات الموجودة في البحر الأبيض المتوسط، وتسمى هذه السمكة بـ "السمكة الضفدع ذات الخد الفضي" The silver-cheeked toadfish، وتستوطن المحيطين الهادئ والهندي، وقد ازدهرت أعدادها بعد وصولها للبحر المتوسط عبر قناة السويس، وهناك نوع منها يؤكل في اليابان كطعام مترف وأطايب، ولكن يتم تحضيره بطريقة لإزالة سمومه القاتلة المعروفة باسم tetrodotoxin، ويتابع المقال أن سمومها ليست السبب في أثرها على الثروة السمكية، ولكن لأنها تقضم شباك الصيادين للوصول إلى الأسماك داخلها.
ووفقا للباحث فاهديت أونال Vahdet Ünal من جامعة "إيجه" Ege University في تركيا: "لقد عرضنا صورا لهذه الأسماك على الصيادين، ثم سألنا إن شاهدوها من قبل، وعن مدى الضرر الذي يتسبب به هذا النوع لمعدات الصيد الخاصة بهم".
باريش: لا أعداء طبيعيين لها
وقال الباحث في مجال العلوم البحرية والأستاذ في كلية العلوم في الجامعة الأميركية في بيروت البروفسور ميشال باريش لـ ghadinews.net: "بدأ ظهور هذا النوع من الأسماك في العام 2003 في منطقة Gökova Bay في تركيا، واسم سمكة النفيخة العلمي Lagocephalus sceleratus، وهناك أبحاث تجرى حول هذه السمكة في بلدان عدة في البحر الأبيض المتوسط، ومنها هذا البحث الجديد في قبرص".
وأضاف: "تحتوي هذه السمكة سما مميتا اسمه tetrodotoxin، ومصدر هذا السم غير معروف والأرجح أن يكون نتيجة وجود نوع من البكتيريا التي تفرزه ويتغلغل في جسم السمكة، وهناك حوالي 7 أنواع من هذه السمكة في البحر الأبيض المتوسط، ومن بينها لبنان، وهناك أحد الأنواع يأكلها الصيادون، ولكن لا أحبذ هذا الأمر، كون هذا السم متواجد في عائلة هذه الأسماك، وهناك نوع منها يؤكل في اليابان ويحضر كطبق اسمه Fugu، يقوم طهاة مختصون بتحضيره، وقد أدى تناوله إلى وفاة عدد من الأشخاص، وحاولوا في اليابان إكثارها لتخفيف السموم ولكنهم وفقا لآخر معلومات لدي، لم ينجحوا بذلك".
وأكد باريش أن "لا مضاد لهذا السم، وقد يكون أحد أنواع هذه الأسماك غير سام والآخر سام، وقد سجلت حالة تسمم في لبنان في العام 2005 ولم تكن هذه السمكة معروفة تماما، وبقي المريض حوالي شهر في غيبوبة، وسجلت حالات وفاة في مصر".
ونصح باريش بعدم تناول هذه السمكة، وأضاف: "يؤثر هذا السم على الجهاز العصبي Neurotoxin، ويؤدي إلى توقف الجهاز التنفسي والموت"، وقال أن "طول سمكة النفيخة يصل إلى حوالي 110 سنتمترا، ووزنها إلى سبعة كيلوغرامات، ومعظمها في بحرنا لا تتجاوز 40 سنتمترا، للأسف فلا يوجد أعداء طبيعيين لها، لذا تكاثرت بهذه الأعداد الكبيرة، وليس ثمة دراسات شاملة على تأثيرها الإقتصادي بشكل عام"، وختم باريش: "أعود للتأكيد بعدم المغامرة بتناول هذه السمكة".
مشروع بلوبريدج
وقام أونال باستطلاع آراء مئات من الصيادين الاتراك في الفترة بين عام 2011 إلى عام 2013، وقد تضاعفت الخسائر التي أبلغ عنها في مصايد الأسماك الصغيرة الحجم من نحو 2 مليون يورو إلى 5 ملايين يورو في السنة، وتبين أحدث بياناته غير المنشورة أن "المشكلة تتزايد"، كما يقول.
ويتابع مشروع بلوبريدج BlueBRIDGE التابع للاتحاد الأوروبي تحقيقا في مدى انتشار هذه الأسماك، وتشير النتائج غير المنشورة إلى أن أعدادها سترتفع حتى تصل إلى حد معين، ولكن على الرغم من ذلك فمن الممكن أن تصل إلى غرب البحر الأسود، وهي منطقة صيد رئيسية تعاني من ارتفاع نسب التلوث.
وفي هذا المجال، قال عضو الفريق البحثي جيانباولو كورو Gianpaolo Coro من "معهد أليساندرو فيدو لعلوم وتكنولوجيا المعلومات" the Alessandro Faedo Institute of Information Science and Technology في إيطاليا: "لن يتوسع انتشار هذا النوع في البحر الأسود لأنه يبدو أنه يفضل المياه الساخنة للغاية".
وقال الباحث كريس إليوت Chris Elliott من "جامعة كوينز" Queen’s University في بلفاست، المملكة المتحدة: "يمكن أن تصبح سمية هذا النوع مشكلة"، وأضاف: "إن التترودوتوكسين يصل ألى الأنواع في البحر الأبيض المتوسط مثل المحار، وكذلك البكتيريا التي يعتقد أن هذه الأسماك تنقلها"، وأشار إلى أن "نحن على يقين من أن سمكة النفيخة هي الناقلة لهذا النوع من البكتيريا السامة، ولكن لم نتمكن من إثبات هذا الأمر بشكل قاطع".
تأثيرها على الثروة السمكية
إلا أن السم ينتشر، وفي مسح في العام 2015 للمياه في المملكة المتحدة سجل وجوده في الرخويات، وفي متابعة نشرت في العام 2017 أكدت انتشار هذا النوع من السموم على نطاق واسع في المياه في المملكة المتحدة، بما في ذلك الأنواع الصالحة للأكل مثل بلح البحر mussels.
وقال إليوت: "التيترودوتوكسين موجود إنما بكميات قليلة، فهو لن يؤدي إلى مرض الناس"، وأضاف: "لكننا نعتقد أنه في حوالي سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات، فإن هذا الأمر سيكون خطيرا جدا ويمكن أن يكون هناك وفيات".
وقال ديميتريس كليتو Demetris Kletou في "مختبر أبحاث البحار والبيئة" Marine and Environment Research Lab في قبرص: "إذا وجدت طريقة لاستخراج السم، فمن شأن ذلك أن يخلق سوقا لهذه الأسماك، ومن الممكن أن تسهل عملية تقليل أعدادها".
وفي الدراسة المنشورة في موقع BlueBRIDGE، أن هذه الأسماك قوية وتقضم بأسنانها الشباك، وقد وصلت نسبة هذه الأسماك من أوزان الأسماك المصطادة في شرق المتوسط 4 بالمئة، لذا فإنها تشكل خطرا على هذه الثروة، ويدرس مشروع H2020 BlueBRIDGE project مدى انتشار هذه الأسماك في المتوسط وتأثيرها على الثروة السمكية، فضلا عن محاكاة لتقديرات هذا الإنتشار خلال 26 سنة.