نعيش هذه الأيام مشكلات متشابهة في الجوهر، الا ان الحلول المطروحة لحلها، تفاقمها بدل ان تحلها. فمشكلة التعامل مع العاملات الأجنبيات في لبنان، هي نفسها بالجوهر كمشكلة زيادة الطلب على الطاقة وحاجتنا الى مصادر إضافية.
نتحدث عن أزمة معاملة العمال الأجانب. نتحدث عن حقوق الإنسان العامل وكيفية مكافحة سؤ المعاملة. نتحدث عن العنصرية عن حب السلطان والتسلط وإصدار الأوامر والاستعباد... ولا حاجة الى الكتابة بالمزيد. ولكن لماذا تزايدت الحاجة الى العاملات في المنازل؟ او لماذا لم يعد أهل البيت قادرين على القيام بما يلزم؟ هو السؤال الذي يفترض ان ننطلق منه.
هل بسبب "تطور" المجتمع اللبناني ودخول المرأة في سوق العمل؟ ام لأسباب تتعلق "بشوفة الحال"، في معظم الحالات؟ أم هناك أسباب تتعلق بتطور وتعقيد البناء وفرشه ومساحته. لما نحن بحاجة الى كل هذه النظافة؟ وما حاجتنا الى البيوت الكبيرة؟
نتحدث عن زيادة استهلاك الطاقة في العالم والحاجة الى المزيد من المصادر، وقد باتت الخيارات الجديدة، أكثر خطورة من الخيارات القديمة، ولا سيما زيادة المفاعلات النووية او البدء بالتنقيب عن النفط والغاز على أعماق بعيدة في البحار، او عن النفط او الغاز الصخري الصعب الاستخراج الذي يمكن ان يتسبب بمشاكل كارثية كثيرة على المستوى البيئي، بالإضافة الى المشاكل الناجمة عن زيادة استهلاك الوقود الاحفوري والمتسببة بتغير المناخ العالمي.
ولكن السؤال الذي يفترض ان يطرح في مثل هذه الحال المأزومة: لماذا زيادة الطلب على الطاقة وليس عن مصادر الطاقة؟
ولعل الجواب على سؤال لماذا زيادة الطلب على عاملات المنازل، قد يفيد هو نفسه للإجابة على سؤال لماذا زيادة الطلب على الطاقة؟
إن زيادة الطلب في كلتا الحالتين ناجمة عن زيادة العمل. فالعمل كثيرا خارج المنزل تزيد من الحاجة الى من يساعدنا في المنزل. وقد أدخلتنا الحياة العصرية ومتطلباتها بسوق عمل مضن ومستنزف لحد لم نعد نسأل عن الأسباب. بالإضافة الى قلة العمل التي تؤمن المزيد من الوقت لأفراد العائلة للاهتمام قليلا بحاجات المنزل، قد تفيد أيضا قلة مساحة المسكن وقلة فرشه في تخفيف الحاجة والوقت والجهد لنظافته... الا اذا كانت الحاجة للمزيد من النظافة ولوجود عاملة منزل "شوفة حال" التي باتت هي العنوان الأبرز لمجتمعنا الفارغ. وهذا مرض اجتماعي يحتاج الى مقاربة مختلفة وعلاج مختلف.
فتخفيف ساعات العمل لا يزيد من إمكانيات التواجد في المنزل أكثر، بل يقلل أيضا من استهلاك الطاقة، ولا سيما الطاقة المستهلكة في التنقل والانتقال (المقدرة بثلث مجمل استهلاك الطاقة) وتلك المستهلكة في أماكن العمل. فزيادة ايام العطل، ولا سيما ايام البرد الشديد والحر الشديد، تعني زيادة في امكانيات البقاء في المنزل، وتخفيف استهلاك الطاقة والبنية التحتية... الخ كما ان تخفيض ساعات العمل وأيام الأعطال يؤمن فرص عمل جديدة لكثيرين تطبيقا لشعار "ان نعمل اقل، يعني ان نعمل جميعا".
هذه العملية ايضا تتطلب الاعتماد اقل على التكنولوجيا، وليس كما بات شائعا، في المراهنة دائما على المزيد من التكنولوجيا لحل المزيد من المشاكل.
فالتكنولوجيا، وان كانت "خضراء"، لن تؤمن فرص عمل جديدة، كما يدعي بعض التجار الجدد، بل قلة العمل والاقتصاد في الاستهلاك والتنقل، هو الذي يخلق المزيد من فرص العمل.
كما ان العمل لم يعد وسيلة للتحرر، بقدر ما اصبح نوعا جديدا من العبودية، بعد ان تحولت السلع (لا سيما الجديدة والمتجددة دائما) الى معبودات يجب العمل لاقتنائها فورا... مما يجعل الحاجة ملحّة لتغيير مفهوم العمل واعادة تقسيمه، ان لناحية ان يعمل كل انسان بعمله فقط، وباقل فترة ممكنة، او لناحية جعله أداة تحرر وتحقيق للذات. وللحديث صلة.
*رئيس جزب البيئة اللبناني