"غدي نيوز" - متابعات -
في كل مكان يقل الماء الصالح للشرب أو الري، وبدلا من استهلاك مياه الأنهار والبحيرات، هناك إمكانية أخرى تتمثل في استخدام مياه الصرف الصحي بطريقة فاعلة وملائمة للبيئة، قلما يتم استخدامها.
وكما هو معلوم، فالماء له محدوديته، وهو يمثل موردا يزداد التنافس عليه، فكثير من البلدان في العالم تعاني من نقص في المياه، حتى في أوروبا. فحوالي ثلث الأراضي ونحو 11 المئة من الأوروبيين يعانون من نقص في المياه.
وسيزيد تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة من حدة المشكلة في السنوات المقبلة، كما يتنبأ علماء في مجال تغير المناخ. وعليه فإن الخبراء يبحثون في كل مكان عن حل لمشكلة شح المياه، وأحد تلك الحلول يلقى اهتماما متزايدا: إنها مياه الصرف الصحي.
فوائد واضحة
ويقول ستيفن أيزنبرغ، أستاذ الكيمياء والبيئة في "جامعة بروكسل": "ليس هناك شك في أن إمكانية إعادة استخدام المياه كبيرة. ولا نعرف بعد الحجم الحقيقي لهذا المورد".
والفكرة بسيطة، ففي العادة يتم معالجة مياه الصرف الصحي وتنقيتها لسكبها مجددا في أنهار وبحيرات. وفي عملية إعادة استخدام مياه الصرف الصحي يخضع الماء الملوث للتنظيف بحيث يمكن استخدامه مجددا. وهذا يحصل في العديد من البلدان مثل الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا. فحوالي ثلث كمية مياه الصرف الصحي تُستخدم في ري المزروعات، وهناك 20 بالمئة من تلك الكمية تُستخدم في ري المساحات الخضراء مثل العشب وملاعب الغولف.
وإلى حد الآن لا يتم معالجة إلا كمية قليلة من مياه الصرف الصحي التي يمكن إعادة استخدامها. ففي 2011 تم في جميع أنحاء العالم إعادة استخدام نحو 7 كلم مكعب من مياه الصرف الصحي. وهذا يشكل فقط نحو 0.6 بالمئة من كمية المياه المستخدمة عالميا.
وهذه طاقة هائلة تبقى من دون استغلال، لأن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي لها فوائد واضحة: "استخدام فعال لمياه الصرف الصحي ينقص من استغلال كمية المياه الجوفية التي تُستخدم في الزراعة. كما أن الأنهار تتعرض لتلوث أقل، في حال عدم تسرب مياه الصرف الصحي مجددا إليها"، كما يقول أيزنبرغ. " إنها فائدة بالنسبة إلى كمية الماء، وكذلك لجودة الماء".
مؤشر ضيق المياه
وحتى رئيس مجلس المياه العالمي بنديتو براغا يرى "في إعادة معالجة واستخدام مياه الصرف الصحي عملية مهمة في تجاوز شحة المياه"، وهو يفكر خطوة إلى الأمام، ويشير إلى دولة ناميبيا، حيث يتم استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة كمياه للشرب.
وهذا لن يلقى القبول في كل مكان حتى في أوروبا، حيث توجد تحفظات حول جودة مياه الصرف الصحي المعالجة.
"تقنية تحويل مياه الصرف الصحي إلى ماء للشرب موجودة. لكن ليس هناك مساندة لذلك. وليس معروفا ما إذا كانت تلك المساندة ستحصل في المستقبل"، يقول الأستاذ أيزنبرغ.
بيد أن الوضع مختلف في الزراعة. ففي المناطق التي تعاني من نقص في المياه يمكن لمياه الصرف الصحي أن تتحول إلى بديل حقيقي.
هذا الأمر يطاول أيضا دولا في أوروبا، ليس فقط في الجنوب. فبلجيكا تعكس مثالا لبلد في وسط أوروبا في مؤشر ضيق المياه.
كما أن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي مكلفة، لأن محطات التصفية يجب أن تكون حديثة وفعالة. ولا يمكن لأي بلد أن يتحمل التكلفة، وتخضع مياه الصرف الصحي مبدئيا للمعالجة في ثلاث خطوات. فبعد الخطوة الثالثة والمعالجة يصبح الماء نقيا من المواد المغذية الإضافية التي قد تؤثر على مسار مياه الأنهار.
ومن أجل إعادة استخدام مياه الصرف الصحي يجب تنظيفها بشكل أكبر. ففي نحو 40 في المائة من محطات التصفية في أوروبا يتم تنظيف مياه الصرف الصحي في الخطوات الثلاث التي من شأنها تجهيز الماء بصفة نقية تجعله قابلا لسقي المساحات الخضراء.
تبذير هائل
وقد اكتسبت بالفعل معالجة مياه الصرف الصحي منذ صدور مشروع وثيقة من المفوضية الأوروبية في عام 2012 أولوية داخل الاتحاد الأوروبي.
ومنذ تلك اللحظة استثمرت بنجاح الكثير من الدول الأوروبية في البنية التحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي، ففي اليونان خضعت في عام 2005 كمية 10 بالمئة من مياه الصرف الصحي للمعالجة، وفي عام 2015 وصلت هذه النسبة إلى 89 بالمئة. وغالبية البلدان الأوروبية التي تعاني من شح في المياه اعترفت بأن مياه الصرف الصحي مورد ذو قيمة. مالطا مثلا تستخدم نحو 90 في المائة من مياه الصرف الصحي مجددا.
والمشكلة هي عدم وجود مقاييس موحدة، فهناك دول أوروبية تعيد استخدام المياه، وذلك طبقا لمقاييس حددتها لنفسها. ولهذا السبب تم بلورة مبادرة حول مقاييس جودة أولية مرتبطة بمياه الصرف الصحي. والمقترحات غير ملزمة.
وحقيقة أن يتم الاعتراف في الوعي العام بمياه الصرف الصحي كمورد هو في حد ذاته نجاح. فعلى مستوى العالم تصل كمية 80 المئة من مياه الصرف الصحي دون معالجة مرضية إلى المحيط البيئي. وهذا تبذير هائل لا يمكن للبلدان المعنية بتحول المناخ وشح المياه أن تسمح بحصوله لوقت طويل، وفقا لـ DW الألمانية.