"غدي نيوز" – أنور عقل ضو -
كتاب جديد يرصد ذكاء الطيور، في ما وثق من معلومات، بعضها يميط اللثام عن تفاصيل نتعرف إليها للمرة الأولى، خصوصا وأن ثمة 10.400 نوعا من الطيور، أي ما يزيد عن ضعف عدد أنواع الثدييات، ويقدر العلماء عدد الطيور البرية بين 200 إلى 400 بليون، وبعض أنواعها تتسم بذكاء شديد، كونها قادرة على حل ألغاز معقدة.
مؤلفة الكتاب جنيفر أكرمان Jennifer Ackerman عنونته بـ "عبقرية الطيور"، وسردت في دراسة نشرتها "الدايلي ميل" البريطانية، بعض ما تناولته على متن كتابها، واشارت بدايةً، إلى أنه "في العام 1921 شكا بائع الحليب في بلدة سوايثلنغ Swaythling بالقرب من ساوثامبتون من فتح زجاجات الحليب التي يتركها أمام أعتاب المنازل كل صباح، وأوضح للزبائن أنه شاهد طيورا زرقاء تنخر بمنقارها على زجاجات الحليب، ومن المؤكد أن الطيور كانت ترتشف الجزء العلوي الكريمي من الزجاجات، وكان ذلك تصرفا ذكيا من الطيور"، وأضافت أن "الأمر المدهش بدأ مع انتشار هذه الخدعة خارج البلدة، وبالتدريج انتشرت هذه الخدعة في بريطانيا ووقعت أول حادثة لها في 1921، وبحلول عام 1949 بدا أن الطيور الزرقاء في كل مكان تعرف كيفية الحصول على أغطية الزجاجات، وعندما تم استبدال رقائق الألمنيوم بالورق المقوى استطاعت الطيور اختراقه أيضا".
وهذا واحد من أمثلة لا حصر لها، يصفها العلماء بـ "ذكاء الطيور"، إلَّا أن هذا المصطلح، بحسب أكرمان "لا يعد منصفا بالنسبة للفكر التعقيدي البارع للأنواع في جميع أنحاء العالم، وأن الوصف الأفضل هو عبقرية الطيور".
الغربان أكثر الطيور ذكاء
هناك اعتقاد بأن أدمغة الطيور صغيرة، وبالتالي فهي قادرة فقط على القيام بسلوكيات غريبة، إلا أن أدمغة الطيور تختلف من حيث الحجم، فهناك الطائر الطنان الكوبي الذي يقل حجم دماغه عن خُمس الأوقية، أما "بطريق الامبراطور" فيصل حجم دماغه إلى 1.6 أوقية، ولا يزال ذلك ضئيلا مقارنة بحجم دماغ الإنسان، ولكن القدرات العقلية لا ترتبط بحجم الدماغ.
وقالت أكرمان في هذا المجال أن "ما يهم أكثر هو الخلايا العصبية وكيفية اتصالها ببعضها، حيث أن أدمغة الطيور منظمة بشكل مختلف عن أدمغتنا البشرية، حيث تضم العديد من الخلايا العصبية في مناطق رئيسية ما يجعلها أكثر تعقيدا مقارنة بالشمبانزي وإنسان الغاب، إلا أنه ليست كل الطيور ذكية بطبيعة الحال"، وأضافت "نميل إلى الاعتقاد بأن النعام أكثر الطيور غباء لأنه يدفن رأسه في الرمال حتى لا تراه الحيوانات المفترسة إلا أن ذلك أمرا أسطوريا وغير حقيقي، مع العلم بأن النعام الأسترالي بالفعل من الطيور الغبية، حيث يستلقي الصيادون في راحة ممسكين بقدم واحدة في الهواء، وهو ما يخدع النعام ويجعله يعتقد أن البشر هم طيور أخرى، وبالتالي تذهب النعامة لتحري قدم الشخص المستلقي ويتم الإمساك بها".
ورأت أنه "على النقيض من النعام، تعتبر الغربان من أكثر الطيور ذكاء، فهي تستطيع توظيف كافة الموارد من حولها، وفي أكيتا مدينة اليابانية تستغل الغربان ساعة الذروة المرورية للحصول على الجوز، وعندما تكون الأضواء حمراء تضع الجوز على الطريق وتنتظر حتى يتحول الضوء إلى الأخضر فتسير السيارات وتسحق العجلات الجوز"؟
الطائر 007!
يمكن للطيور حل المشاكل الجديدة وابتكار حلول جديدة للمشاكل القديمة، ويمكنها أيضا العد واستخدام الأدوات، ولدى الطيور ذاكرة ربما تفوق ذاكرة بعض البشر الذين يعانون عدم القدرة على تذكر المكان الذي تركوا فيه مفاتيح سيارتهم، وكان استخدام الأدوات يعد من صفات البشر، إلا أنه تم توثيق 1 بالمئة من الحيوانات التي يمكنها فعل ذلك، ومن المعروف أن الشمبانزي يستخدم العصى لصيد الحشرات لأكلها، ويستخدم أوراق الشجر والأطباق والكؤوس، كما أن إنسان الغاب يصنع المسواك من الأغصان والقبعات من أوراق الشجر ليحتمي من الشمس.
وتناولت أكرمان "براعة غراب كاليدونيا الجديدة، حيث درس الباحثون في جامعة أوكلاند في نيوزلندا أحد هذه الطيور، وعندما أعطى العلماء الطائر أنبوب بلاستيك، وفي نهايته قطعة من اللحم كان لديه حل، وعندما كان منقاره لا يمكنه الحصول على قطعة اللحم في نهاية الأنبوب، استخدم أحد الأغصان وغرسها في قطعة اللحمة ونجح في الحصول عليها"
وتابعت أكرمان "أطلق على أحد الطيور 007 (تيمنا بشخصية جيمس بوند السينمائية)، لأنه لم يكن هناك مشكلة تهزمه حيث استطاع حل 8 ألغاز معقدة تتطلب منه سحب السلاسل، وإمالة الأراجيح، ونقل العناصر باستخدام عصا لفتح الغرفة للحصول على قطعة من اللحم، ووضع أستاذ علوم الحياة البرية جون مارزلوف اختبارا مختلف في جامعة واشنطن في سياتل، حيث سار فريق من الطلاب خلال الحرم الجامعي مرتدين أقنعة رجال كهوف وأمسكوا بعدد من الغربان، وبعد 9 سنوات ارتدي الباحثون نفس الأقنعة وساروا مرة أخرى خلال الحرم الجامعي، والتفت حولهم الغربان لمهاجمتهم ما يعني أن هذه الطيور لا زالت تتذكر أن الأشخاص المقنعين خطرين، وحاول أحد الباحثين ارتدا شعرا مستعارا ونظارة شمسية إلا أن الغربان استطاعت التعرف عليه".
عصافير نيوزلندا أكثر ذكاء
استطاعت عصافير الدوري في محطة الحافلات في نيوزلندا معرفة كيفية فتح الأبواب المنزلقة من الكافيتريا للتسلل وسرقة بعض الفتات، واستغرق الأمر من الطيور بضعة أسابيع لتعلم ذلك، ويقول الموظفون أن الطيور تفعل ذلك حوالي 20 مرة في الساعة، ونجح عصفور يدعى "نايغل" في متحف الفن في نيوزلندا في استغلال اثنين من أجهزة الاستشعار في فتح مجموعة مزدوجة من الأبواب، وعندما أكل الطائر فتح الأبواب ليخرج مرة أخرى، ولم يتم الإبلاغ عن هذا السلوك في أي مكان آخر في العالم، ما يدل على أن العصافير في نيوزلندا أكثر ذكاء من أبناء عمومتها في الخارج.
وفي سياق متصل، اكتشفت عالمة الأحياء في جامعة فيينا الدكتورة أليس أورسبرغ أن ببغاوات غوفين يمكنها مقاومة الإغراء، وهي صفة يتقاسمها الببغاء مع الأطفال، فعندما تم اختبار بعض الأطفال وطلب منهم الجلوس في غرفة وعلى الطاولة قطعة واحدة من الـ "مارشميللو"، وطلب منهم إما أن يأكلوها مباشرة أو ينتظروا 5 دقائق ويحصلوا على قطعة أخرى، وأوضح الباحثون أن الأطفال الذين انتظروا للحصول على قطعة "مارشميللو" أخرى يميلون إلى أن يكونوا ناجحين أكاديميا، إلا أن الطيور تفوقت على الأطفال في ذلك، حيث استطاعت إبقاء الجوز العادي المعروف في مناقيرها لمدة دقيقة أو أكثر، دون ابتلاعها، عندما اعتقدت أنها ستحصل على جوز الكاجو بدلا منها.
وفي جعبة أكرمان الكثير من الأمثلة، وهي بعض ما تناولته في كتابها.