"غدي نيوز" - سوزان أبو سعيد ضو
من يعذب حيوانا أليفا لا يتواني عن الإتيان بأي عمل قبيح، انطلاقا من أن ثمة حرمة لمخلوقات الله، وهل ننسى أن ثمة قديسين وأولياء محضوا هذه الكائنات الحب، لا بل بينهم من راعى حرمة الكائنات البرية، وما نشهده في لبنان من تعديات تمثل بعض انهيار القيم والمناقب، ولم يكن من قبيل الصدفة أن يوقع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قانون حماية الحيوانات والرفق بها، والذي شكل خطوة مهمة بدأت تؤتي نتائج إيجابية، وإن كان المطلوب التشدد أكثر في المراقبة والملاحقة.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإطلال على المتابعات والجهود المبذولة من قبل ناشطين في مجال الرفق بالحيوان، وهم يتسلحون بالمثابرة والإصرار على تطبيق القانون، وأتت ثمار هذه الجهود، والمستمرة على مدى سنوات مبادرة رائدة من بلدية الدكوانة ورئيسها المحامي أنطوان شختورة، وتمكنت من تكريس حل رحيم وعادل لهذه الحيوانات وسكان المنطقة على حد سواء.
نحفاوي
وفي التفاصيل، وإثر اتصال من مواطنة من منطقة الدكوانة براديو "صوت لبنان" وبالتحديد ببرنامج "وصل صوتك" الذي تقدمه الإعلامية سيدة عرب، تشتكي من وضع الحيوانات الشاردة في بلدة الدكوانة القريبة من البيوت، وضرورة التخلص منها وبأي طريقة، بادرت الناشطة في مجال الرفق بالحيوان، من مجموعة "ناشطون لرعاية الحيوان في لبنان"Animals Welfare Activists (AWA Lebanon) غنى نحفاوي للرد، خصوصا وأن هذا لسان حال الكثيرين، وأدى هذا الأمر في أوقات سابقة إلى ارتكاب جرائم بحق هذه الحيوانات الضعيفة التي وجدت دون ذنب لها في الشوارع، كما أن بعضها يقضي دهسا على الطرقات، وتُعذب وتعاني الأمرين لإيجاد قوتها ومأوى لها ولصغارها، كما وتطلق عليها النيران، عدا عن الأمراض التي تصيبها، على الرغم من أن قانون الرفق بالحيوان الذي وقعه فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وتحديدا البند 12 منه يقضي بضرورة معالجة البلديات لهذه الحالات، وبصورة رحيمة، إلا أن التعديات مستمرة، مع العلم أن هذه الحيوانات تؤدي دورا هاما في حماية مناطقها من الحيوانات الدخيلة سواء برية أو من مناطق أخرى، وتمنع اعتداءها على المدنيين.
وأوضحت نحفاوي لمقدمة البرنامج عرب، ما تعانيه هذه الحيوانات، وما يقوم به الناشطون من جهود لحمايتها والمحافظة عليها، والعناية بها، على الرغم أن هذه المهمة وفقا للقانون هي من مهام البلديات والوزارات المسؤولة، وأبدت استعداد الناشطين من المجموعة للتعاون مع البلدية والناشطين على الأرض، ومنهم الناشطة منى لحود التي تتابع هذه المجموعات في الدكوانة منذ سنوات، وتعتني بها، وتقدم لها الطعام والمياه، وتبادر إلى علاجها وإعطائها اللقاحات وتعقيم بعض منها لمنع تكاثرها، فضلا عن عرضها للتبني لأشخاص مهتمين، لإنقاذها من الشوارع.
وتم التواصل مع رئيس بلدية الدكوانة المحامي أنطوان شختورة الذي تجاوب سريعا، وتواصل عبر البرنامج مع الناشطين، وتم الاجتماع بين أعضاء من البلدية برئاسة شختورة مع ممثل وزارة الزراعة الدكتور محمد سكرية، ونحفاوي والناشطة لحود، والناشطين روجيه سعد، غسان بلطه جي، سيدة نوار وغيرهم، فضلا عن الدكتورة في مجال الطب البيطري رين نصرالله، وتم وضع خطة شاملة لحماية هذه الحيوانات، واستجابة لمطالب الأهالي، بهدف الحد من أعدادها بطريقة رحيمة، تراعى فيها القوانين، وأن تكون هذه التجربة بداية لتجارب ومبادرات على مساحة الوطن.
سكرية: دور الوزارة رقابي
بداية تواصلنا مع الدكتور محمد سكرية المنتدب من وزارة الزراعة - مديرية الثروة الحيوانية وقال لـ "غدي نيوز": "تواصل معنا رئيس بلدية الدكوانة المحامي أنطوان شختورة بهدف إيجاد حل متكامل وشامل لمسألة الحيوانات الشاردة، وهنا نشيد بهذه المبادرة الرائدة والخطوة الجريئة التي أتخذها، ومتابعته الحثيثة، وكان هناك اجتماعا مع أعضاء من البلدية، الدكتورة رين نصر الله، وأعضاء من مجموعة AWA، ناشطين على الأرض منهم منى لحود، وتم وضع استراتيجية متكاملة، بهدف حماية الحيوان والإنسان في آن واحد".
وعن دور الوزارة في هذه المبادرة قال سكرية: "دورنا رقابي، توجيهي وإرشادي، وتقديم المساعدات العينية حال وجودها، وساهمنا في بعض هذه التقدمات في العديد من المناطق، وفي هذه المبادرة، قدمنا بعض اللقاحات والأدوية للحشرات"، أما بالنسبة لميزانية هذه المبادرة فأشار سكرية أن هناك العديد من المساهمين من شركات، وأفراد بالإضافة إلى البلدية، وأنها وفقا لعدد الحيوانات التي سيتم الإمساك بها، بهدف تقديم العلاجات واللقاحات، بالإضافة إلى تعقيمها، ووضع "رقاقة ذكية" micro chip للتعريف عنها، وأطواق وغيرها.
لحود: حلم تحقق
أما الناشطة منى لحود فأثنت على تجاوب شختورة، ومبادرته بوضع خطة متكاملة بالتعاون مع وزارة الزراعة بهدف إنجاحها وقالت لـ "غدي نيوز": "بدأت قصتي مع إنقاذ الحيوانات الشاردة في العام 1997، عندما قامت إحدى البلديات بإطلاق النار على كلبي الخاص، لظنهم أنه شارد، وحاولت منع الجاني من إطلاق النار، ولكنه أصابه بذراعه اليسرى التي اضطرينا لبترها فيما بعد، وشكلت هذه الحادثة نقطة تحول في حياتي".
وتابعت لحود: "وبعد انتقالنا إلى الدكوانة، تابعت ما كنت أقوم به، من إطعام للحيوانات الشاردة وعلاجها وما أستطيع القيام به، وبمساعدة من العديد من الناشطين، ولكن ما حصل خلال الأيام الأخيرة هو حلم حياتي ومنذ 22 سنة، خصوصا وأنني أصبحت مؤخرا عضوة على مستوى العالم في جمعية حقوق الحيوان، وهو أن اتخذ المجلس البلدي قرارا بتعقيم الحيوانات الشاردة وتلقيحها وإعطائها علاجات للحشرات والطفيليات، ثم إعادتها إلى الشوارع، لأنه ليس هناك مكان آخر لاستيعابها جميعا".
وأشارت لحود إلى أنها "منذ سنتين، وأثناء التمشي مع كلبي، كانت الكلاب الشاردة في المنطقة تهاجمنا، فبدأت بإطعامها، والإهتمام بها، واتفقت مع البلدية أن أستمر بهذا حتى تألفني هذه الحيوانات، لكي نخفف من شراستها، ثم نتابع بإجراءات أخرى، وهو ما حصل مؤخرا، فقد تمكنا من القبض عليها دون أن تهرب منا، لاستكمال خطة متكاملة في هذا المجال، وابتدأنا حاليا بالكلاب، وفي المرحلة الثانية سنحاول تعقيم القطط أيضا".
وقالت لحود: "هذه المبادرة دليل رقي وحضارة، وأتمنى أن نشهد مثلها في كافة المناطق، فليس ذنب هذه الحيوانات أنها وجدت في الشارع، خصوصا أولئك الذين يتخلصون منها في الشوارع، فاقتناء الحيوان مسؤولية على الشخص أن يتحملها، وهذا ما ساهم بزيادة أعدادها، وأدعو البلديات لوضع خطط مماثلة وإنشاء مجموعات تتواصل بصورة فعالة، كما أعمل بالتوازي على مشروع آخر بالتعاون مع أشخاص لتأمين الطعام والمياه بصورة مستمرة لهذه الحيوانات، بدلا من قيامي بإطعامها مرة واحدة فقط، فضلا عن العمل على التوعية للرفق بهذه الحيوانات خصوصا لدى طلاب المدارس، وسنقوم بالتعاون مع البلدية بوضع مناشير للمواطنين لتوضيح ما قامت به البلدية والناشطين في هذا المجال وعدم التعرض للحيوانات".
نصر الله: الحل الوحيد!
من جهتها، قالت الدكتورة رين نصرالله لـ "غدي نيوز": "أتابع مع فريقي الخاص والناشطين، بالمرحلة الأولى من هذا المشروع، أي مجموعة من ثلاثين كلبا، كما أننا في المستقبل سنقوم بهذا الأمر مع القطط، وقد تآلفت هذه الكلاب مع الناشطين بعد قيامهم بإطعامها، ونقوم بالإمساك بها ووضعها في أقفاص ونقوم بعدها بمعاينتها وعلاجها ونقوم بعملية التعقيم، ثم نعطيها اللقاحات لوقايتها من الأمراض ودواء للحشرات، والرقاقة الذكية (ميكروشيب) لتمييزها عبر جهاز Micro Chip Reader عن التي لم يتم تعقيمها، ثم تعاد إلى حيث وجدناها ليأمن السكان أن تعيش بينها".
وأشارت نصر الله إلى أن "هذا القانون العالمي للتعامل مع الكلاب الشاردة أي TNR، وهو اختصار لـ Trap، Neuter، Release أو الإمساك بها، تعقيمها، وإطلاق سراحها، ولا تستطيع الجمعيات أو الناشطين القيام بهذا بدون مساعدة من البلديات".
وأكدت نصر الله أن "هذه العملية لا تشمل الكلاب المرضع أو الحوامل، وننتظرهن حتى يلدن، أو يكملن إرضاع الصغار، ونقوم بعملية التعقيم، كما ننتظر الصغار حتى يصلوا لمرحلة البلوغ، المشروع مهم ويحتاج للوقت، ولكن البداية كانت جيدة للغاية، وعلى البلديات القيام بمبادرات مماثلة، فلا يوجد حل آخر، وبهذا تصبح هذه الكلاب بصحة جيدة، وآمنة لوجودها بين البشر، كما نحد من تكاثرها، وعملية قتل هذه الحيوانات، أو إطلاقها في مكان آخر يؤدي لاستبدالها بكلاب أخرى، قد تكون مصابة بأمراض أو عدوانية، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة، إلا أننا بهذا نحمي البيئة والكلاب الموجودة فيها والمواطنين أيضا".
وأثنت نصر الله على مبادرة رئيس البلدية ومتابعته الحثيثة، واستعدادها لمساعدة البلديات المختلفة وبأسعار مخفضة بهدف إيجاد حل رحيم ومستدام.
وتعذر الإتصال برئيس البلدية المحامي أنطوان شختورة، لكن علمت مصادرنا أن هذه المبادرة قد رصدت لها ميزانية قدرت بحوالي سبعة آلاف دولار.