"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
يعتبر قطاع زراعة الورود والأزهار الأكثر تأثراً بما آلت إليه الاوضاع السياسية والأمنية منذ الصيف الماضي، كونه على ارتباط وثيق بالمناسبات والاحتفالات، فضلا عن أنه اقترن بازدهار السياحة، ولعل لهذا السبب تكبد العاملون في هذا القطاع في عاليه والمتن الأعلى خسائر ناجمة عن تراجع الأسعار من جهة واضطرار المزارع إلى تلف كميات من الانتاج من جهة ثانية، من هنا، يبقى مصير زراعة الازهار معلقا في انتظار موسم صيف يعوض بعض الخسائر كي لا تكون خيارات المزارعين متجهة نحو الهروب من هذا القطاع الذي شهد في مراحل سابقة كوارث اجتماعية واقتصادية، لا سيما عندما اضطر أصحاب الخيم البلاستيكية إلى تركها والبحث عن بدائل أخرى لتأمين لقمة العيش.
وتبقى هذه المشكلة ماثلة بقوة المناطق الجبلية، إذ يشير الرئيس السابق لـ "نقابة مزارعي الأزهار والشتول في لبنان" أكرم جابر إلى أن "زراعة الأزهار منتشرة في المناطق اللبنانية كافة، ولكن 40 بالمئة منها موجودة في منطقة جبل لبنان لملاءمة المناخ الذي يساعد على إنتاج أفضل الأنواع"، ولفت إلى هناك "آلاف العائلات التي تستفيد من هذا القطاع كمورد رزق من عمال وفنيين وتجار وأصحاب محال".
الشبانية وحمانا
ويتخوف المزارع طوني مونس من "كارثة على غرار ما شهدناه مع بداية الحرب الاهلية 1975"، لافتا إلى أن "بلدتي الشبانية وحمانا في المتن الأعلى كانتا من أولى البلدات في لبنان التي ساهمت في تعيميم هذه الزراعة وكانت مقتصرة على القرنفل". وقال: "في الستينيات من القرن الماضي انتشرت البيوت اللاستيكية وكانت هياكلها تصنع من الخشب وكانت شبه بدائية إلى ان بلغت أوج تطورها مطلع السبعينيات، لكن بسبب الحرب والتهجير القسري اندثرت هذه الزراعة وعادت لتتطور في أواخر الثمانينيات".
واشار مونس إلى ان "تردي الاوضاع الأمنية في الآونة الاخيرة أعاد إلى الذاكرة سنوات الحرب"، وأكد أنه "إذا استمر الحال على ما هو عليه فسنكون أمام كارثة جديدة خصوصا وان قطاع الازهار تطور لجهة زراعة أنواع كثيرة من الازهار تبعا لحاجة السوق ومنها الأبصال من أصناف ليليوم، اورينتال آسياتيك، لونغ فلور، وغلوريوزا التي أحضرنا أبصالها من نيوزيلندا وغيرها بالاضافة الى التوليب والفريزيا (شم النسيم) وأنواع أخرى تؤمن مردوداً مقبولاً تبعاً للاسواق والظروف".
قطاع الازهار مرتبط بالسياحة
ورأى المزارع سامي المشطوب، أن "مشكلتنا هي جزء من مشكلة القطاع الاقتصادي العام ولا سيما هذه السنة لجهة تراجع قطاع السياحة، لان هذا القطاع يتطلب الاستقرار وهو جزء أساس من الحركة السياحية، وتاليا من المناسبات التي تشمل ليس فقط الاعراس وانما المؤتمرات والسياحة وحركة الفنادق، فضلا عن ان الازمة حالت دون مجيء المغتربين لاقامة حفلات الاعراس والمناسبات، فالازهار هي منتج مرتبط بالسياحة بنسبة كبيرة".
وأكد "اننا لم نحقق ارباحا توازي الكلفة والتعب وترافق ذلك مع التضخم لجهة ارتفاع الاسعار المرتبطة بهذا القطاع، فالاسمدة ارتفعت 15 بالمئة والادوية ارتفعت باكثر من 20 بالمئة، وكانت في السوق بدائل من أدوية صينية رخيصة أصبحت مفقودة بقرار من وزير الزراعة الذي فرض مواصفات معينة على الادوية الزراعية، انما البديل كان بعتماد اصناف من الادوية اسعارها تفوق 4 او 5 اضعاف اسعار الادوية الصينية".
ونوه المشطوب "بقرار الوزير لجهة اعتماد المواصفات العالمية في هذا المجال، لأن الادوية الصينية كانت تستخدم ايضا في الزراعات الغذائية"، ورأى أنه "بالنسبة لقطاع الازهار لا تشكل هذه الادوية خطرا أو ضررا لكن وجودها في السوق لا يمكن ضبطه نتيجة الفوضى، ولذلك رحبنا بهذا القرار بالرغم من أن فرض علينا تبعات مالية".
وأضاف: "واجهنا هذا العام ولا سيما منذ الصيف الماضي وامتدادا الى هذه الفترة مشكلات كثيرة، وتراوحت نسبة تلف الازهار نتيجة الكساد بين 30 و 40 بالمئة، بالاضافة الى تدني الاسعار بشكل كبير في مقارنة مع السنوات الماضية نتيجة الاوضاع السياسية والامنية".
تسويق الانتاج مطلب قديم
ورأى المشطوب وهو أحد مؤسسي "نقابة مزارعي الازهار والشتول" أن "مطلبنا الاساس هو السعي مع وزارة الزراعي لايجاد مكان عبارة عن سوق مركزي للازهار والشتول في بيروت يكون بمستوى لائق لهذا القطاع، لانه يساعدنا في تسويق الانتاج وهذا مطلب قديم نسعى الى تحقيقه مع المراجع المعنية".
وإذ رأى أن "التصدير إلى الدول العربية يعتبر الحل الامثل لمواجهة الكساد"، أكد أن "التصدير الى الخارج يتطلب تشكيل جمعية متخصصة في هذا المجال، لان المزارع بمفرده لا يمكن ان يؤمن طلبيات مستدامة، كما أنه لا يمكن أن نضمن نوعية انتاج غيرنا، لان هناك مواصفات معينة وكنقابة نسعى الى تأمين السوق المركزي للازهار والشتول ليكون مركزا رئيسيا لتوحيد المواصفات وتأمين فرص التصدير الى الخارج فضلا عن حاجتنا الى السوق للتسويق محليا ايضا".
ورأى المزارع سامر ملاعب أن "مشكلاتنا كثيرة ونحن نواجه ظروفا صعبة من أجل تأمين ديمومة الانتاج دون أي مردود يذكر للحفاظ على الشتول الموجودة، إضافة إلى زرع شتول جديدة أملا بمواسم واعدة"، وأشار إلى أن "كلفة الزراعة المحمية ازدادت مع ارتفاع اجور العمال بنسبة 20 بالمئة، فضلا عن الحاجة إلى عمال من ذوي الاختصاص والخبرة لان هذه الزراعة تتطلب وجود يد عاملة ماهرة وخبيرة".
حماية الانتاج من المضاربة الخارجية
وطالب ملاعب "بجماية الانتاج المحلي من المضاربة الخارجية واعتماد روزنامة تحدد فترات السماح بالاستيراد بما لا يؤثر على انتاجنا"، ورأى ملاعب أن "مخاوفنا كثيرة في ظل الواقع القائم لان زراعة الازهار مرتبطة بالذوق فعلى سبيل المثال تراجعت زراعة القرنفل 90 بالمئة لان الذوق اللبناني توجه نحو الورد"، لافتا إلى أن "مصيرنا بات مرتبطا بالظروف السياسية والامنية واذا لم نشهد حركة سياحية ناشطة سنكون أمام كارثة لان معظمنا لا يمكن أن يتحمل خسائر لسنتين متتاليتين".