بحث

الأكثر قراءةً

اخر الاخبار

العيناتي يدعي على شركتي ترابة

"خطر وبائي".. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود

حملة توعية لجمعية غدي للتعريف عن الملوثات العضوية الثابتة وأخطارها

دراسة تكشف أصول "القهوة الصباحية".. كم عمرها؟

الصحة العالمية تتخوف من تفشي إنفلونزا الطيور بين البشر.. "أخطر من كوفيد 19"

غاز شرق المتوسط..كسلاح سياسي أميركي

Ghadi news

Sunday, January 16, 2022

غاز شرق المتوسط..كسلاح سياسي أميركي

"غدي نيوز"


-" ياسر هلال "


إعلان أميركا المفاجئ عن قرار سحب دعمها لمشروع خط أنابيب "إيست ميد" لنقل الغاز القبرصي والإسرائيلي إلى أوروبا عبر اليونان، أشبه "بهزة أرضية خفيفة" مركزها أثينا. وسيكون لها ارتدادات مباشرة وواضحة على مستقبل صناعة الغاز في منطقة شرق المتوسط، وارتدادات غير مباشرة وملتبسة على الجغرافيا السياسية في المنطقة، تتمثل باعتبار القرار "دفعة على الحساب" لإرضاء تركيا بانتظار "الهزة الكبرى" الناجمة عن الاتفاق النووي مع إيران ودفع "بقية الحساب" بنشوء تحالف يضم تركيا ومصر ودول الخليج بالتفاهم مع إسرائيل وبرعاية أميركية، يتولى استكمال تحقيق ما عجزت عن تحقيقه مفاوضات فيينا بالنسبة للنفوذ الإيراني، وليكون غاز المتوسط، لجهة إنجاز ترسيم الحدود البحرية وإيجاد حلول لمعضلة تصديره، جزءاً من التسوية الكبرى.
في الجغرافيا السياسية
مع الحرص على عدم تحميل القرار الأميركي أكثر مما يحتمل، يمكن تسجيل بعض الدلالات المؤكدة وهي:
أولا: في الشكل، فقد تم سحب الدعم الأميركي للمشروع، عبر بيان غير رسمي لوزارة الخارجية Non paper، أرسل إلى اليونان وإسرائيل وقبرص، وتولت السفارة الأميركية في أثينا شرحه والتعليق عليه. وذلك ليس ل"حفظ خط الرجعة" واحتمال العودة إلى دعم المشروع، كما روجت بعض المصادر اليونانية، بل لأن دعم أميركا للمشروع اقتصر على تصريحات صحافية، ولم يتم أصلاً بموجب رسالة أو وثيقة رسمية، وبالتالي لا يتم التراجع عنه بوثيقة او رسالة رسمية وفقاً للأعراف الدبلوماسية.
ثانياً: ذكر بيان السفارة، وبما لا يدع مجالاُ للتأويل، أن "مشروع (إيست ميد) بات مصدراً رئيسياً للتوتر وزعزعة استقرار المنطقة من خلال وضع تركيا والدول المجاورة في مواجهة مباشرة". وبهذا المعنى فإن قرار وقف الدعم، يشكل انتصاراً سياسياً كبيراً لتركيا يعادل هزيمتها عند توقيع اتفاقية إنشاء الخط في العام 2020، واستبعادها من المشاركة فيه. وجاء ذلك في سياق استبعادها من كافة مبادرات التعاون الإقليمي في مجال الغاز وفي مقدمتها منتدى غاز شرق المتوسط الذي انضمت إليه أميركا وفرنسا ودولة الإمارات بصفة مراقب. وقد واجهت تركيا مشروع خط الأنابيب ومحاولات استبعادها، بتصعيد شامل وإيصال الأمور حتى حافة الانفجار. فاعتمدت سياسة "الحفارات بحماية البوارج"، لتنفيذ برنامج مكثف للاستكشاف والتنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة تبعاً للتصور التركي، والتي تتضمن "بلوكات" قبرصية تبعاً للتصور القبرصي للترسيم. ومنعت البحرية التركية الشركات النفطية من التنقيب في هذه "البلوكات". واستكملت التصعيد بتوقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة الليبية لترسيم الحدود البحرية بين الدولتينن ما جعل المياه التركية ممراُ إلزاميا لأي خط أنابيب إلى أوروبا. يضاف إلى ذلك الاندفاع لفرض وجودها في الملفات الإقليمية الساخنة من سوريا إلى ليبيا مرورا بإقليم نغورنو كارباخ بين أذربيجان وأرمينيا. والأهم تعزيز علاقاتها مع روسيا، ما شكل قلقاً كبيراً لأميركا وتهديداً جدياً لعناصر قوتها في المنطقة.
أما حرص أميركا على التأكيد في رسالتها ال"non-paper" أن موقفها "لم يكن لأسباب جيوسياسية أو نتيجة لضغط من تركيا"... فهو يناقض الوقائع وبيان سفارتها... و"كاد المريب أن يقول خذوني".
ثالثاً: قد يكون للقرار تداعيات على العلاقات السياسية والتحالفات في المنطقة، لعل أبرزها تراجع أهمية "تحالفات الغاز السياسية" والتي تضم اليونان، مصر، إسرائيل وقبرص، إضافة إلى فرنسا ودولة الإمارات الخ.. لصالح تحالفات سياسية ونفطية جدية. وذلك ما عبرت عنه بدقة مجلة "ميليتير" العسكرية اليونانية التي كانت أول من كشف عن القرار الأميركي بقولها ان "خطة الحكومة لتعزيز النفوذ الجيوسياسي لليونان ولتصبح مركزاً للطاقة بالتحالف التاريخي مع إسرائيل ومصر، على حساب تركيا، قد انهارت تماماً، فالسياسة التركية انتصرت ولننتظر عواقب ذلك". وذهبت صحف المعارضة بعيداً، لتعتبر صحيفة "أفجي" مثلاً ؛ "ان الولايات المتحدة استخدمت اليونان كورقة للمساومة مع تركيا". ومن التطورات المنتظرة ذات الدلالات السياسية الكبيرة في هذا المجال، تحريك ملف ترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا وفقاً للمنظور التركي والذي يعيد لمصر مساحة تقدر بحوالي 15 كلم2، والتي لا تزال موضع "تفاوض" مع اليونان بموجب الترسيم الذي تم توقيعه معها.
رابعاً: يمكن القول و"بدون تحميل القرار أكثر مما يحتمل"، انه أقرب إلى "خطب ود" مجاني لتركيا أو "دفعة في حسابها" ولكن من "حساب اليونان". فأميركا أوقفت دعماً غير موجود أصلاً لمشروع أنابيب "إيست ميد"، لأن هذا الدعم لم يتجاوز كلام وتصريحات لبعض المسؤولين. خاصة وأن المشروع يتناقض أساساً مع السياسة الأميركية المتعلقة بوقف دعم مشاريع الوقود الأحفوري خارج أميركا. وقرار وقف الدعم جاء بعد فشل حملة ضخمة قادتها شركة "إكسون موبيل" للحصول على موافقة استثنائية من الكونغرس للمشاركة في المشروع تمويلاً وتنفيذاً.
مستقبل غاز شرق المتوسط
الحقيقة ان مشروع أنابيب "إيست ميد" كان موضع شكوك منذ طرحه، خاصة على صعيد جدواه الاقتصادية. فهو يعتبر أطول خط أنابيب بحري في العالم، ومن أكثرها صعوبة في التنفيذ لأنه يمر في مناطق شديدة العمق. أما تكاليفه التي لم تحدد بشكل دقيق، فتتراوح حسب تقديرات مختلفة بين 7 و10 مليارات دولار. وهذه الكلفة بافتراض توافر التمويل، تجعل سعر الغاز المصدر من خلاله مرتفعاً جداً ولا يمكنه المنافسة مع الغاز الروسي ولا حتى مع الغاز المسال المستورد.
ومع شطب مشروع "إيست ميد"، يعاد طرح السؤال-المعضلة، وهو كيف سيتم تصدير غاز شرق المتوسط؟ علماً ان التصدير هو العامل الحاسم في قرار الشركات النفطية مواصلة تنفيذ المشاريع القائمة أو اتخاذ قرار الاستثمار في مشاريع جديدة. إذ لا يوجد حالياً سوى وسيلة واحدة للتصدير، هي محطتي تسييل الغاز في مصر. وطاقة المحطتين بالكاد تكفي الإنتاج الحالي المخصص للتصدير في مصر وإسرائيل بدون احتساب الكميات التي ستتدفق مع اكتمال خطوط نقل الغاز من الحقول القبرصية ومن حقول الشمال الإسرائيلية خاصة لفياتان وكاريش.
لننتظر "ارتدادات الهزة" أو الأصح لننتظر "الهزات الفعلية" في الجغرافية السياسية للمنطقة من الاتفاق النووي وما قد يليه كتحالف تركي-مصري-خليجي-إسرائيلي، ليحل محل "تحالفات الغاز السياسية" الحالية. ففي تلك الحالة تظهر خيارات تصدير متنوعة وتشمل على سبيل المثال:
- زيادة الطاقة الانتاجية لمحطات التسييل المصرية، بدل المشاريع الوهمية أو السياسية لإنشاء محطات جديدة في قبرص أو إسرائيل.
- إحياء مشروع خط الأنابيب الذي يربط الحقول الإسرائيلية والقبرصية وربما اللبنانية ـ بعد عمر طويل ـ بميناء شيحان في تركيا، حيث يوجد بنية تحتية متكاملة في منطقة الميناء تتضمن مرافق تسييل، ووصلات ربط مع الشبكة التركية والأوروبية.
- تطوير خط الغاز العربي بإضافة وصلة بين سوريا وتركيا، ليشكل بديلاً ولو مؤقتاً عن الخط البحري إلى ميناء شيحان.
- وليبقى الحل الأميركي "سيد" الحلول، والذي ذكره بيان السفارة الأميركية في أثينا في معرض طرح البدائل عن خط "إيست ميد"، وجاء فيه: "تركز أميركا حاليا على الربط الكهربائي بين دول شرق المتوسط وأوروبا بحيث يتم توليد الكهرباء في الدول التي تمتلك الغاز ونقلها إلى الدول الأوروبية، وبذلك يتم دعم مصادر الغاز والطاقة المتجددة في الوقت نفسه".
ولتبقى "هزة أثينا الخفيفة" مجرد نموذج لسلسلة "الهزات الكبيرة" التي ستعيد ترتيب التحالفات والجغرافية السياسية في المنطقة، وتفتح بالتالي باب استغلال وتصدير الغاز.


المصدر: المدن https://bit.ly/3FzOwLw

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن