"غدي نيوز"
تٌعتبر شجرة الصنوبر اللبناني Pinus Pinea، من أبرز الرموز الطبيعية والجمالية، التي تميز البيئة اللبنانية، فهي جزء لا يتجزأ من تراث لبنان الطبيعي والثقافي. يزيّن هذا الشجر الباسق التلال والجبال، ويشكّل مصدرًا اقتصاديًا مهمًا، بفضل ما ينتجه المزارعون منه من صنوبر بلدي فاخر، والذي يُعدّ من أجود أنواع الصنوبر في العالم. ومع ذلك، تواجه هذه الأشجار تهديدات عديدة، بفعل عوامل بيئية وبشرية، مما يضع هذا المورد الثمين في دائرة الخطر.
فالصنوبر في لبنان يمتد تاريخه إلى آلاف السنين، حيث اعتمد عليه السكان المحليون كمصدر أساسي للأخشاب والغذاء. كما أنّه لعب دورًا في تعزيز التنوع البيئي، حيث يوفر ملجأً للعديد من الكائنات الحية ويُسهم في توازن النظام البيئي، وهو يُعدُّ ركيزة اقتصادية للكثير من العائلات اللبنانية، حيث تُستخدم ثمار الصنوبر في إنتاج المأكولات والحلويات. كما يُصدَّر إلى الأسواق العالمية، مما يشكّل مصدر دخلٍ مهمٍ للبلاد.
وللإضاءة على هذا الموضوع التقت "غدي نيوز" السيد عصام سليم، وجرى معه الحديث التالي:
س: متى يبدأ موسم قطاف الصنوبر وكيف يتم؟
يبدأ موسم قطاف الصنوبر من شهر تشرين الثاني ويمتد حتى شهر آذار. يعتمد العامل في عملية القطاف على عصا طويلة مصنوع من خشب الدردر أو الألمنيوم، يتم تجهيزها عند برأس معكوف لتسهيل عملية فصل الأكواز عن الأغصان.
س: ما هي أهمية تشحيل (تقليم) أشجار الصنوبر وكيف يُنفذ؟
يتم تشحيل (تقليم) أشجار الصنوبر كل ثلاث أو أربع سنوات، مع ضرورة أن يتم ذلك خلال الفترة الممتدة من شهر تشرين الثاني وحتى نهاية أربعينية الشتاء. يُشترط تنظيف الأرض تحت الأشجار بعد التقليم لتجنب نشوب الحرائق، ويتم استخدام الحطب الناتج للتدفئة في الشتاء، وحتى أوراق الصنوبر الرفيعة تُستخدم في مواقد الخبز.
كما يحسن التقليم جودة أكواز الصنوبر كما يقلل من أخطار تكسير الأغصان بفعل ثقل الثلوج.
س: ما هي الوظائف المرتبطة بقطاع الصنوبر اللبناني؟
يعيش عدد كبير من سكان جبل لبنان وجزين من العمل في هذا المجال، سواء بجمع الأكواز وبيعها خضراء، أو استخراج الحبوب وفرطها وبيعها، إما حصًا غير مكسور أو مكسرًا جاهزًا للأكل. كما ظهرت تجارة الصنوبر على نطاق واسع للتصدير، مما أسهم في تحسين الأسعار.
س: كم تبلغ أجرة العاملين في قطاع الصنوبر؟
تتراوح أجرة العامل الذي يتسلق الأشجار لجمع الأكواز بين 30 و50 دولارًا أميركيًا يوميًا، في حين يحصل العامل الذي يجمع المحصول من الأرض على حوالي 20 دولارًا.
س: ما هي أبرز التحديات التي يواجهها الصنوبر اللبناني في السنوات الأخيرة؟
يعاني الصنوبر منذ حوالي عشر سنوات من انتشار حشرة تهاجم الأكواز الخضراء وتمتص عصارتها باستخدام منقارها، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج. ففي الماضي، كان قنطار الأكواز ينتج حوالي 50 كيلو من الصنوبر غير المكسور، أما الآن فلا يتعدى الإنتاج 20 كيلو، ما أثر سلبًا على مصدر رزق العديد من العاملين في هذا المجال.
س: كيف يمكن مكافحة هذه الحشرة؟
مكافحة الحشرة تتطلب رش المبيدات بواسطة طائرات مسيرة، وهي عملية مكلفة تفوق إمكانيات المزارعين والمستثمرين. لذلك، من الضروري تضافر الجهود بين وزارة الزراعة، البلديات، واتحادات البلديات لتوفير الدعم اللازم لحماية هذه الثروة.
س: كيف يتأقلم الصنوبر اللبناني مع التغير المناخي؟
الصنوبر يتأقلم مع التغير المناخي من خلال طبيعة نموه البطيء وقدرته على تحمل الجفاف النسبي. ومع ذلك، فإن هذه القدرة محدودة وتحتاج إلى تدخل بشري لتقليل الضغوط البيئية. تشجيع زراعة الصنوبر في المناطق المناسبة وتنفيذ برامج التشجير المستدامة يمكن أن يساعد في تعزيز صمود هذه الأشجار أمام التغيرات المناخية.
هذا ويشكّل الصنوبر اللبناني رمزًا طبيعيًا وثقافيًا لا يقدّر بثمن، لكنه اليوم يواجه تحديات خطيرة تهدد استمراريته. الحرائق المتكررة، والقطع الجائر، وانتشار الآفات الزراعية، إضافة إلى تأثيرات التغير المناخي، تضع هذا المورد الطبيعي تحت خطر الزوال.
ومع ذلك، هناك جهود تُبذل لحمايته، بدءًا من تنظيم حملات التشجير لتعويض الخسائر، إلى اعتماد قوانين صارمة للحد من التعديات، مرورًا باستخدام التكنولوجيا لمكافحة الآفات، وانتهاءً بتعزيز الوعي البيئي وتشجيع السياحة المستدامة.
إن الحفاظ على الصنوبر اللبناني يتطلب تضافرًا حقيقيًا للجهود بين الأفراد، المؤسسات، والجهات المعنية. فهو ليس مجرد شجرة تنمو في أحضان الطبيعة، بل هو جزء من التراث اللبناني الذي يحمل في جذوره قوة الحياة والأمل ومصدر رزق للكثيرين. دعونا نجعل من حماية هذا الإرث مسؤولية جماعية لضمان استمراره للأجيال القادمة.