"غدي نيوز"–أنور عقل ضو
مخيفة هي المشاهد في حي السلم وصادمة من فقر ومن إهمال، وكأن الناس البسطاء محكومون بالموت وهم أحياء، رجال يرفعون ركاما أغدقه نهر الغدير، عندما ثار لـ "صالح" الناس كي يفضح ويذكِّرَ بأن ثمة مئات الآلاف يعيشون في علب من الاسمنت تسمى بيوتا، ونساء "يشطفن" المياه الموحلة وأطفالا وجدوا فسحة للهو وإن بين أكوام القمامة، يبتكرون لعبهم مما جرفه السيل ليصوبوا على تناقضات صارخة، تفضع عري المسؤولين حين يوظفون الوجع في بازار المواقف السياسية وحقل المزايدات وبيادر الخيبة.
عشرات الناشطين البئيين اجتمعوا على مواكبة هموم ناسهم بعيدا من جغرافيا الوطن المشلع بين قبائل وعصبيات، في جولة نظمتها "جمعية طبيعية بلا حدود"، وكانت سانحة للوقوف عن كثب على حجم المعاناة، ولم يتوانَ رجل في العقد الخامس من العمر وهو على شرفة منزله من أن يصرخ فينا "نعيش في منطقة شعبية مكتظة بالسكان، والأحوال البيئية والصحية صعبة"، ويضيف "نحن بحاجة إلى إجراءات سريعة ليس من بلدية الشويفات التي عملت ضمن امكانياتها، وإنما من وزارات الصحة والبيئة والاشغال لوضع حد للكارثة فالحشرات تتكاثر وتنقل الأمراض،ولاإمكانية لدينا لمواجهة مشاكل النفايات ومياه الصرف الصحي في النهر (الغدير)، حاولنا التحرك ولكنهم في كل مرة يبررون تقاعسهم لا اكثر".
وطالب آخر من الدولة "النظر إلى هذه المنطقة"، وأشار إلى انتشار"مرض يصيب العيون ولم تتحرك أي جهة حتى الآن، فقد تعرضت أنا وزوجتي وابنتي لهذا المرض".
أما الأولاد دون السابعة فيتحلقون حولنا ويخبروننا بأنهم يقطعون الجسر عشرات المرات في اليوم ويلعبون بالقرب من النهر ولا يفكرون للحظة بخطر قد يداهمهم، فيما تقف إحد المواطنات مع طفلها محبطة لا يسعها قول الكثير سوى "لا يمكننا أن نختصر ما نعيشه بكلمات".
الجولة الميدانية شملت المناطق المحيطة بنهر الغدير وشارك فيها إلى أعضاء الجمعية ناشطون بيئيون من مناطق عدة.
أما رئيس الجمعية المهندس محمود الاحمدية فلفت إلى انها "مفارقة غريبة أن بلداً يعتمد على السياحةوينتظر وعودا بقدوم ملايين السياح كل عام، يواجه بؤر التلوث المنتشرة في بعض مناطقه، فأنهاره كما بحره تحوّلت إلى مكبات للنفايات وقنوات لتصريف المياه الآسنهلا سيما في هذه المنطقة الشعبية التي تعاني إهمال المسؤولون الذين يحيلون هذا التقصير إلى آخرين متذرعين بعدم اختصاصهم بهذه المشكلة أو تلك".
وقال: "بعد موجة الأمراض التي ضربت أكثر من منطقة، قمنا كجمعيةباستطلاع أحوال بعض سكان هذه المناطق عن كثب بدءاً بأكثر الأنهر تلوثاً، ألا وهو نهر الغدير الذي يمر بين عدة مناطق جبلية وصولاً إلى منطقة تشكل جزءاً من مدينة الشويفات وهي العمروسية بعد حي السلّم،ويمكننا وصف النهر ببؤرة تلوث عائمة موبوءة بالجراثيم التي تبثُّ سمومها على امتداد التجمعات السكنية المحيطة به، فالوصول إلى هناك لم يكن بالأمر السهل لأنك ترصد الروائح الكريهة عن مسافات بعيدة من مكان النهر المقصود، وهي تنبئ بالكارثة في منطقة تكتظ بالسكانوحيث لا يمكن احتمال هذا الوضع لساعات قليلة فكيف يتمكن السكان هنا من العيش بجوار النهر؟".
وأشار إلى أن "المشهد بات مألوفا للمواطنين فلم ينتفضوا لتغيير هذا الواقع، لا أحد يريد الاعتراف بالمسؤولية والكل يرميها على غيره". وقال: "ننوه بما أنجزته بلدية الشويفات ضمن إمكاناتها المتاحة، فيما (سوكلين) الملزمه بقطاع النفايات يبدو أنها غير معنية بالمشكلة في هذه المنطقة رغم أنها تقتطع المليارات من صناديق البلديات، ومنذ تسلمها جمع النفايات وكنس الشوارع لم تلحظ أمور نظافة، إلا لبعض المناطق التي يقصدها السائحون، نضيف إلى ذلك وزارات غائبة لا تلقي بالا لما يعيشه هؤلاء، فوزارة الأشغال لم تفعل شيئا منذ زمن بحسب الأهالي ووزارة البيئة نائمة، وكذلك وزارة الصحة لم تتخذ أية إجراءات طارئة حفاظا على صحة المواطن".
وأردف: "هذا النهر وتبعا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، هو من أهم مصادر تلوث البحر بسبب وجود مستويات عاليه جدا من المعادن الثقيلة والمركبات السامه فيه، بما في ذلك الديوكسينات والنيترات ونسبة باكتيريا عاليه جدا".
وأكد أحد مواطنينأن "التلوث كبير وأكثر الأمراض مصدرها النهر، فنحن متروكون لمصيرنا دون أن يلتفت الينا أحد، ونسأل نوابنا أين هم اليوم، يتهافتون علينا خلال الاستحقاق الانتخابي فهل هم يمثلوننا فعلا وينظرون بمشاكلنا ؟".
أحد الصيادلة اشار الى انه "بالنسبة لمرض العيون وهو عبارة عن نوع من الحساسية، يمكننا إحصاء أكثر من ألف حالة يوميا، وليس هناك بيت إلاّ وفيه مصاب واحد بالحد الأدنى لكننا أمّنّا الأدوية اللازمة، وللمعالجة نقدم الأدوية المضادة للالتهابات والمعقمات المختلفة. مرت أسابيع ونحن نعاني من نقص حاد في مواد المطهرات والمعقمات المختلفة".
أما الاحمدية، فدعا إلى "خطة طوارىء لانقاذ هذه المنطقة المنكوبة بالفقر والاهمال والمرض وبنهر بدلا من أن يكون مصدر خير وجمال فاذا عنوانا للتلوث مع ما ينجم عنه من مشكلات بيئية وصحية".