"غدي نيوز"– أنور عقل ضو
غالبا ما يجاهر نحالو المتن الأعلى بجودة إنتاجهم من العسل، نظرا لوفرة المراعي وتنوع الغطاء النباتي من أعالي جبل الكنيسة نزولا إلى وادي لامرتين، وهم يمثلون واحدا من أهم القطاعات الانتاجية في هذه المنطقة، إذ يتعدى إنتاج قفرانهم في المواسم المؤاتية مناخاً ووفرة غذاء في المراعي الـ 80 طنا في السنة، حسب آخر إحصائية لـ "الجمعية التعاونية لمربي النحل في المتن الاعلى"، وهذا يؤكد أهمية هذا القطاع كونه يمثل موردَ رزقٍ أساسياً لعدد كبير من المواطنين، فضلاً عن أنه يعتبر رافدا اقتصاديا مهما لمواطنين يعتمدون تربية النحل لزيادة مداخيلهم، في مواجهة الضائقة الاقتصادية.
إلا أن قطاع تربية النحل غالباً ما يتعرض لنكسات وكوارث من أمراض وعدم القدرة على تصريف الانتاج، يضاف إليها الحرائق التي تأتي على المراعي وتحرم النحل من الغذاء، فضلا عن التوسع العمراني وتراجع المساحات الخضراء، لكن الموسم الماضي جاء ماحلا ليس بسبب هذه المشكلات فحسب، وإنما بسبب التغير المناخي الذي أفضى إلى طقس متطرف لجهة انحباس المطر منذ بداية الربيع، ما أدى إلى جفاف ويباس الازهار ما حرم النحل مصادر غذائه، ولذلك تراجع الانتاج من ثمانين طنا إلى ما بين 3 و 4 أطنان.
ربما لم تواجه النحالين مشكلات كبيرة لجهة تصريف الانتاج، إلا لعدد قليل منهم، ولكن ندرة العسل تسببت بمشكلات اقتصادية واجتماعية يعيش النحالون تبعاتها وهم بالكاد يؤمنون موجبات تربية النحل من قفران وأدوية وشمع وغيرها من مستلزمات لا بد من توفيرها لتأمين انتاجية مقبولة، ويقول سمير مرداس أن "الانتاج كان معدوما،فمن نحو 200 كلغ معدل انتاج سنوي (قطفت) أقل من 30 كلغ وهذا حال جميع النحالين".
وإذ أشار إلى أن سعر "كيلو العسل البلدي يتراوح بين 20 و25 دولارا"، لفت مرداس إلى أن "خسارة موسم تترتب عليه مشكلات نعجز عن مواجهتها دون حضور الدولة المفترض أن تكون حاضنة للقطاع الزراعي".
رئيس "الجمعية التعاونية لمربي النحل في المتن الاعلى"الباحث في مجال النباتات والازهار الرحيقية عبدالناصر المصري، أشار إلى أن "عدد النحالين المنتسبين الى الجمعية هو 250 نحالا يتوزعون بين محترف ومبتدئ، وبين من يعتمدون تربية النحل كهواية او لتأمين مردود مادي إضافي من موظفين وغيرهم"، وقال: "نسبة غير المنتسبين ليست قليلة فهي بحدود 30 بالمئة لان هؤلاءلديهم اعدادا قليلة من القفران وجلهم من الهواة،والنسبة الاكبر منتسبون الى الجمعية"، ولفت المصري إلى أن "إنتاج العسل يبقى مرتبطا بعامل الخبرة لجهة نقل القفران حسب المناطق التي يتوافر فيها الزهر، فضلا عن أمور تقنية منها تأصيل الملكات وتجديدها كل سنة أو سنتين ومعالجة الامراض ومكافحتها".
وأضاف المصري: "كان الموسم ضعيفا العام الماضي لأسباب مناخية بسبب انحباس الامطار منذ اواخر آذار 2012، ما أدى الى فقدان الغذاء الرئيسي والكافي للنحل بحيث ضمرت الازهار وتعرضت للجفاف ومن ثم لليباس، وانعكس ذلك علينا موسما ضعيفا، فضلا عن ضعف في خلايا النحل ولا سيما عند النحالين المبتدئين ممن ليس لديهم خبرة واسعة في هذا المجال، في ما يتعلق بنقل القفران والتدخل عبر التغذية في الوقت المناسب بعد قطاف الكمية المتوفرة من العسل، ورصد المراعي وهذا يتطلب الخبرة في معرفة انواع وأوقات تفتح الازهار".
وأشار إلى أن "مشكلة ضعف الخلية تكون ناجمة عن انخفاض اعداد العاملات وهذا بالتالي سببه عدم توفر المصدر الغذائي ما يساهم في تراجع اعداد العاملات التي هي اساس القفير"، وقال: "في جولة احصائية نظمتها الجمعيةوشملت 40 نحالا كعينة عشوائية تبين لنا ان 60 بالمئة من النحالين تناقصت عدد قفرانهمفي مقارنة مع العام 2011 بسبب المناخ والطقس".
وعزا سبب تراجع الانتاج وأعداد القفران إلى "عامل المناخ بالدرجة الاولى، تضاف إليه مجموعة من العوامل، منها آفة (الفاروا)، واسخدام المزارعين للمبيدات الحشرية ولمبيدات الاعشاب التي تقضي على النحل وتؤثر على الغطاء النباتي"، لافتاً إلى أن "نسبة كبيرة من النحالين غير محترفين ولا تتوفر لديهم الخبرة في الاعتناء بالقفران ومواجهة التبدلات المناخية من خلال نقل القفران بحثا عن المراعي حسب الارتفاعات من الساحل الى الجبل، وهناك امور تقنية اهمها تغيير الملكات كل سنة او سنتين".
وعرض المصري لأمراض تصيب النحل من بينها "مرض التعفن الاميركي"، لافتا إلى أنه "من الامراض الخطيرة ويمكن أن يبقى تحت السيطرة تبعا لمستوى معرفة النحال به لجهة تشخيص المرض واتخاذ بعض الاجراءات الوقائية لحصره". وقال: "كجمعية اعددنا دراسة تؤكد أنه لا تتجاوز الخسائر الناجمة عن مرض التعفن الـ 2 او 3 بالمئة اذا احسن النحال التعاطي مع هذا المرض بالاستناد إلى دراسة ميدانية وعلمية قمت بها على مدى 14 سنة".
وإذ أشار إلى أن "الانتاج كان متراجعا كثيرا"، لفت المصري إلى أن "تراجع سوق العسل بسبب عدم وجود الخليجيين، بحيث تراجع التسويق بنسبة 75 بالمئة ما بين 2010 و 2012 بسبب تراجع الانتاج من جهة وعدم وجود الخليجيين الذين يساهمون خلال تواجدهم صيفا في تصريف كميات كبيرة من العسل".
وإذ عرض لتحسن "أداء وزارعة الزراعة مع وجود الوزير الحالي الذي كسر الروتين المعروف وظل على تماس مباشر مع المزارعين"، نوه الى ان "الوزير حسن الحاج حسن رصد لجمعيتنا 10 ملايين ليرة من الوزارة لمشروع تقدمنا به وهو عبارة عن مصنع للشمع للجمعية في "مركز المتن الريفي الحرجي" في قرنايل وهو عائد لجمعيتنا وجمعية A.F.D.C البيئية".
وأشار إلى أن "ابرز مطالبنا تتمثل في إقرار خطة حقيقية وجدية تلحظ كافة مراحل الانتاج في عملية تنموية في مجال تربية النحل من الانتاج الى التسويق"، لافتا إلى أن أنه"لا يمكننا مواجهة شركات الترويج والدعاية للعسل الاجنبي وعدم امكانية مراقبة نوعية العسل الموجودة في السوق ما يتيح دخول انواع رديئة وبأسعار مضاربة".
ومن جهته، طالب سامي أبو سعيد "الدولة أن تساعدنا لانشاء شركة تسويق وطنية ضمن مواصفات عالمية"، لافتاً إلى أن "العسل اللبناني من اجود العسل نتيجة التنوع الكبير في الازهار ومصادر الرحيق".
وقال أبو سعيد: "صحيح خسرنا موسما وتكبدنا خسائر لكن لا يمكن إلا أن نعامل القفران ونؤصل الملكات استعدادا لموسم نتمنى ان يكون وفيرا يساعدنا على تجاوز خسائر العام الماضي"، وطالب "بضرورة تخصيص صندوق لدعم النحالين في مواسم ماحلة"، مستغربا "عدم اهتمام الدولة ولا سيما الهيئة العليا للاغاثة التي لم تطرق بابنا للوقوف على معاناتنا"، وتمنى أن "توفد وزارة الزراعة وفدا فنيا لمعاينة الواقع على الارض، وتوفير سبل دعم هذا القطاع لما يمثل من أهمية كرافد مهم للاقتصاد الوطني".
1987 الجمعية التعاونية لمربي النحل في المتن الاعلى