"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
صرعة جديدة تجتاح الدول التي تعيش بعيدا من الحروب والأزمات الاقتصادية وموجات الفقر، تظهر حجم التناقضات في عالم يعيش الثراء الفاحش في مقابل الجوع الذي يتهدد عشرات الملايين من البشر، وثمة مفارقات غريبة تستدعي منا وقفة تأمل، خصوصا إذا علمنا أن دولا بأكملها تواجه مشكلة انعدام الرعاية الصحية، فيما ثمة دول ينصب اهتمام مواطنيها على توفير "فندق" لكلب أو أي حيوان أليف آخر، مع انتشار المستشفيات المتخصصة بمعالجة الحيوانات من الامراض بما فيها الامراض النفسية، ومن بينها الكبت الجنسي والشعور بالوحدة!
إن رعاية الحيوانات الأليفة التي قام الانسان بتدجينها على مر العصور، أمر ضروري، ولا يمكن ترك هذه الحيوانات فريسة الاهمال، لكن المبالغة في الاعتناء بها وصولا إلى توريثها مبالغ خيالية من المال تبدو بعيدة من أي منطق، ولا يجوز في المقابل أن نغالي في معاملتها وتدليلها دون أن نعمل بحد أدنى في سبيل رفد أطفال العالم ولا سيما في القارة السمراء بلقاحات تجنبهم الموت المبكر من أمراض خطيرة غير قابلة للعلاج.
كما لا يجوز أيضا تعنيف الحيوانات، لان ثمة خيطاً رفيعا يحدد المعنى الحقيقي لانسانيتنا، لكن شرط ألا يتقدم هذا الامر على أولوية أن نقضي على الجوع والتصدي لمظاهر الفقر وتوزيع الثروات بعدالة على سكان الكوكب.
نعرف مسبقا أن صرختنا لا يمكن أن تلقى تجاوبا في عالم منجذب إلى معادلاته الشوهاء والصارخة، وأن هذه الصرخة لن تتخطى صدى اللحظة، لان الدول مشغولة بسياسات السيطرة والنفوذ وتأجيج الصراعات من بوابة مصالحها، لكن أن نطلق صرخة أفضل من أن يجللنا الصمت ونعتاد على مشاهدة صور أطفال يتضورون جوعا ولا يحظون حتى بإمكانية الحلم.
بئس عالم لا نملك فيه أحيانا حق الصراخ في وجه الظلم، خصوصا إذا علمنا أن كلفة "تسريحة" هر يمكن أن توفر الغذاء والدواء لعشرات الاطفال وتمنع عنهم المرض والموت، وأن إقامة كلب في "فندق" مع الـ "سونا" والـ "جاكوزي" وجلسات التدليك يمكن أن تكون بكلفة القضاء على مرض شلل الأطفال في قرية افريقية نائية!