أين أصبح مشروع ترشيد استهلاك الطاقة الوطني بعد 9 سنوات على تأسيسه؟

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Thursday, April 21, 2011

ولد مشروع ترشيد استهلاك الطاقة في نيسان العام 2002 كثمرة تعاون وتمويل مشتركين من مرفق البيئة العالمي ووزارة الطاقة والمياه، ترجم باتفاقية وقعت بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة الطاقة والمياه ومجلس الإنماء والاعمار. وهدف المشروع الى الحد من انبعاث الغازات الدفيئة والملوثة، وضمن المشاريع المتعلقة بقضية تغير المناخ. كان عمر المشروع المفترض 5 سنوات وما زال يمدد حتى اليوم ضمن آلية أقل ما يقال فيها إنها غامضة بعكس وضوح الأهداف التي تحدثت عنها اتفاقية المشروع وتعهد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتحقيقها بمساعدة الوزارة، تلك الأهداف التي تصب ضمن المصلحة العامة.
اعتبر هذا المشروع «وطنيا»، شارك في تمويله الشعب اللبناني ولكل مواطن حق المساءلة أملا بتصويب الأمور وإصلاحها. مول المشروع مرفق البيئة العالمي بمبلغ 3,400,000 دولار اميركي ووزارة الطاقة والمياه بقيمة 1,000,000 دولار، على ان يديره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتنفذه وزارة الطاقة والمياه. وقد اعتبرت وزارة الطاقة والمياه، مؤسسة كهرباء لبنان، مستهلكي الطاقة في مجالات الصناعة، التجارة والسكن، الشعب اللبناني عامةً... كجهات مستفيدة من المشروع. فما كانت أهداف هذا المشروع وماذا تحقق منها؟

الأهداف

ان مرفق البيئة العالمي يساهم في تمويل مشاريع تهدف الى تخفيف انبعاث الغازات الدفيئة وخاصة ثاني أوكسيد الكربون للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والذي يتسبب في ارتفاع حرارة الأرض وتغيير المناخ وما ينتج من ذلك من مشاكل على المستوى العالمي. وحسب النتائج المتوخاة من هذا المشروع سيبلغ الانخفاض السنوي حوالى 1% من كمية ثاني أوكسيد الكربون الاجمالية، وذلك بعد الأخذ بالاعتبار الزيادة السنوية. وهذا يعني ان التخفيف المنشود يبلغ حوالى 600 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً خلال فترة مقدرة بـ20 سنة مقدرة حسب ما تذكره الاتفاقية.
هذا الهدف الأولي والأساسي يلاقي المصلحة الوطنية في خفض الاستهلاك والسيطرة على الطلب الطاقي، فترشيد الطاقة يعني اولا تحسين استعمال الطاقة وإيجاد مصادر بديلة وبالتحديد الطاقات المتجددة. كما يعني ثانياً: التأثير الايجابي على البيئة كتحسين الوضع الصحي وتخفيف الفاتورة الصحية وتشجيع السياحة. كما يعني ثالثا: خلق عجلة اقتصادية في مجال الطاقة تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي العام من خلال إيجاد الآليات اللازمة والكفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة.

خطة العمل

كانت خطة عمل المشروع تتلخص من خلال تنفيذ النقاط التالية وضمن ثابتة التنمية المستدامة:

1 - تأمين المعطيات المتعلقة باستهلاك الطاقة: قاعدة معلومات، مؤشرات، نشرات دورية.
2 - تفعيل ترشيد استهلاك الطاقة في قطاع الصناعة.
3 - تفعيل ترشيد استهلاك الطاقة الطاقة في قطاعي الأبنية السكنية وغير السكنية.
4 - تحسين الوضع المؤسساتي والقانوني لترشيد استهلاك الطاقة.
5 - إنشاء مركز حفظ الطاقة بقسميه العام والخاص.
6 - تفعيل وسائل التوعية والتدريب.
مواكبة للعمل الجدي المفترض استنادا إلى الاتفاقية وخطة العمل، تألفت «اللجنة الوطنية للمشروع»، أعضاؤها هم المعنيون الأساسيون بشوؤن الطاقة على المستوى الوطني، دورها الأساسي هو مواكبة المشروع. فهي تراقب وتعطي رأيها وملاحظاتها على كل خطوة وتجتمع دوريا لهذه الغاية هي تشكل الضمانة لحسن سير العمل نظرا للخبرة والمواقع التي يتمتع بها أعضاؤها. والهدف بالطبع ضمان المصلحة العامة. ولكن يبدو أن هذه اللجنة ألغيت من قاموس المشروع!
يمكن الجزم اليوم، وبعد مرور 9 سنوات، بأن واحدا من الأهداف المذكورة لم يتحقق فعليا. وإذا سألت المعنيين بالأمر فيعزون ذلك لأسباب عدة، كالوضع العام المتشنج وغير الطبيعي والتجاذبات السياسية... الخ. علما بأن الأموال تصرف بشكل غير طبيعي والعقود والدراسات تنفذ من غير رقيب فعلي... ولم يبق من أصل الاتفاقية الموقعة بين مختلف الفرقاء شيء يذكر!

أين قاعدة المعلومات؟

كان من المفترض بعد مضي 5 سنوات أن تحقق أهداف المشروع والتي هي بالمناسبة أهداف متواضعة نفذت في كثير من الدول هذه الأهداف تشكل المدخل والأرضية الصالحة لإنشاء «المركز اللبناني لحفظ الطاقة»، الذي كان عليه أن يساهم في خفض الاستهلاك والسيطرة على الطلب وأن ينعكس ذلك إيجابا على وضع التغذية الكهربائية. فهل لاحظ أحد ذلك منذ العام 2002 حتى الآن؟
العكس تماما هو الذي حدث. فإن معدل الزيادة السنوية في الطلب على الكهرباء يتجاوز الخمسة بالمئة والتي كان من المفترض حسب الاتفاقية أن يستوعبها مشروع الترشيد ليصل الرقم إلى ناقص واحد! أي أن يقلص الطلب. وهذا واضح في الرقم المتعلق بالتخفيف من الانبعاثات ومذكور في الملف وعرض في أكثر من مناسبة. فتأثير المشروع على الحد حتى من زيادة الطلب هو غير موجود.
هل أصبح لدى الوزارة قاعدة معلومات دقيقة وعلمية عن مؤشرات ومعطيات الطاقة تساهم في رسم الخطط وإيجاد الحلول؟
من المهام الأساسية المطلوبة من المشروع هو تنظيم أرقام الطاقة بعد تحديدها وإيجاد الآليات اللازمة لتقويمها وتصنيفها تبعا لأنواع وأنماط الاستهلاك ومن ثم وضع مجموعة من المؤشرات التي تسهم في قياس مدى تأثير كل نشاط يقوم به المشروع في مجال الترشيد. ولكن كل هذه الآليات والمعطيات لم تنجز ولا يجري الحديث عنها بالأصل!

هل بنيت القدرات في الجامعات والمعاهد والمراكز والمؤسسات وحتى في الوزارة أو شركة الكهرباء... وحتى ضمن إطار المشروع الضيق؟
يتحدث المشروع عن أهمية رفع المستوى العلمي والتقني في مجالات حفظ الطاقة وهي متنوعة متشعبة تبدأ بالإنارة في المنازل وتنتهي في مشاريع التحسين على مستوى المصانع والمؤسسات الكبرى، ولكن المشروع أهمل كليا هذا الموضوع المهم ولم يبن أي قدرات تذكر ولا أثر لأي إنجاز من هذا النوع حتى على مستوى الدائرة الأضيق أي المشروع نفسه.
هل فعل المشروع على المستوى الوطني تبني الأجهزة الموفرة للطاقة عبر الآليات المذكورة في مستند المشروع؟ كلا. فالاتفاقية تتحدث عن تفعيل حقيقي لسوق الأجهزة الموفرة للطاقة في المنزل كما في المصنع أو المؤسسة التجارية مهما كان نوع نشاطها. هل سمع أحد عن برنامج عملي وآلية تنفيذ واحدة لتبني البرادات أو المكيفات الموفرة للطاقة أم أنهم سيشترون لكل منزل وكما فعلوا بموضوع الإنارة جهازا موفرا للطاقة لكل وجهة استهلاك؟ أين الخطط المستدامة في مجال الترشيد؟ الخطط المستدامة هي مجموعة الأهداف التي وضعها المشروع والتي ذكرنا عينة منها في بداية الحديث والتي من المفترض أن تحقق ضمن خطط وآليات واضحة وأن تفعل سوق أجهزة الترشيد وأدواته المتنوعة فيصبح قطاعا اقتصاديا حيويا يتمتع بالاستمرارية بعد مدة المشروع.

القروض وتوزيع المصابيح

ان قروض الطاقة المصرفية التي أقرت ليست إنجازا. انه من السهولة بمكان أن تقترض لأي مشروع شرط أن نقدم الضمانات الكافية حسب تقدير المصرف والذي لا يتردد في طلب الغالي والنفيس لكي يضمن العملية ماليا. فالعبرة إذاً ليست هنا.
كان على المشروع تفعيل دور «شركات الخدمات الطاقية». إنها الجهة الوحيدة التي كان من المفترض أن يتوجه إليها صاحب أي مؤسسة عنده مشروع لخفض استهلاك الطاقة وهي التي تأخذ على عاتقها دراسة المشروع وهي التي تؤمن التمويل للمشروع والضمانات اللازمة للممول وتسترجع الكلفة فقط من خلال الوفر المالي الناتج من توفير الطاقة. فلا تحمل المؤسسة أية أعباء ولا تعرضها لجشع وتسلط الجهة الممولة.
أما مشروع توزيع المصابيح الموفرة في عملية عشوائية بعيدة كل البعد عن الأهداف المعلنة وعن الواقع على الأرض فهو يفتقر للمهنية ووضوح الرؤية ولا يصب إطلاقا في أهداف المشروع.
وكذلك الامر بالنسبة الى توزيع السخانات الشمسية بالقرعة والتي لن يجد من حالفه الحظ وفي معظم الحالات وسيلة لاستعمالها. فنحن نذكر بأن معظم سكان لبنان يعيشون في شقق ولا يملكون بالتالي سطحا مشمسا! والسخان الشمسي بحاجة للشمس لكي يعمل وأنه لا يمكن تركيبه داخل الشقة! لذلك يمكن اعتبار ان هذا الإجراء لا يساعد أبدا في تبني الطاقة الشمسية ولا يمكن أن يشكل جزءا من خطة جدية ومستدامة لتفعيل الطاقة الشمسية في بلاد الشمس.

تحويل المشروع الى جمعية!

آخر المآثر التي أبهرت الخبراء والمعنيين بمجالات الطاقة هو تحويل المشروع إلى جمعية (بيان علم وخبر رقم 172 بتأسيس جمعية باسم «المركز اللبناني لحفظ الطاقة» ومركزها بيروت (وزارة الطاقة) الجريدة الرسمية العدد 6 تاريخ 3/2/2011 ص 714) ؟!
فبعد كل هذا الدعم الدولي والوطني وبعد كل الأموال التي صرفت وبعد مضي عقد من الزمن، لم يجد المشروع مكانا له إلا مع الجمعيات ليحاول منافستها وقطع وسائل إمداداتها المتواضعة بمباركة رسمية! نعم إنها الجمعية المدللة التي تقطن في القصر الوزاري لوزارة الطاقة والمياه!
ان اتخاذ جمعية مبنى وزارة الطاقة والمياه مقرا لها يعتبر سابقة، لأن الجمعيات والأندية المماثلة يفترض أن تكون هيئة أهلية وليست هيئة رسمية! واللافت أيضا أن من الأعضاء المؤسسين للمركز ـ الجمعية الدكتور مراد فيكتور يونس الذي كان وزير الطاقة والمياه جبران باسيل قد عينه مستشارا له!
لذلك وجه العديد من خبراء الطاقة دعوة الى وزير الطاقة والمياه والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وممثل مجلس الإنماء والإعمار المعنيين مباشرة بمشروع ترشيد استهلاك الطاقة وكذلك اللجنة الوطنية للمشروع التي همشت كليا من قبل المسؤولين ... لإجراء تدقيق شامل لكل أعمال المشروع ومطابقتها مع المهام المطلوبة منه للنظر الى ما آلت اليه الأمور والمضي في عملية مساءلة ومحاسبة جديتين وذلك لوضع حد للممارسات التي أثرت سلبا على الطاقة ووضعها في لبنان.

عدنان جوني - جريدة "السفير" اللبنانية

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن