منذ عامين دشنت منظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (فاو) عريضة لمكافحة الجوع تحت شعار "مليار شخص يعيشون في جوع مزمن وأنا غاضب بشدة"، حسب تقرير لوكالة "رويترز" الاميركية.
منذ ذلك الحين ضم اكثر من 3.4 مليون شخص بينهم ممثلون ونجوم لموسيقى البوب ولاعبو كرة قدم أصواتهم الى حملة على الانترنت تدعو الحكومات الى أن يكون القضاء على
الجوع على رأس أولوياتهم. لكن الغضب بشأن هذا الرقم المرعب وهو مليار جائع على مستوى العالم على حد وصف الرئيس السابق لمنظمة (فاو) جاك ضيوف، تحول الى احراج في بعض الدوائر في ضوء الشكوك المتزايدة بشأن دقة العدد. ويقول الكثير من المحللين ان التقدير مرتفع جدا.
وقال ريتشارد كينج خبير سياسات الغذاء في منظمة اوكسفام "مسألة أن هناك مليار حكاية افضل كثيرا ولهذا تعلق في أذهان الناس".
ودفع الجدل لجنة الامن الغذائي العالمي، وهي هيئة رفيعة المستوى تابعة للامم المتحدة الى أن تحث منظمة (فاو) على تعديل حساباتها باستخدام بيانات ومنهجية افضل وتدعو الى
مجموعة من مؤشرات الامن الغذائي المتفق عليها دوليا.
ومن المنتظر ظهور اول ثمار هذا الجهد في تشرين الاول (اكتوبر) المقبل، حين سينشر تقدير جديد لعدد من يعانون سوء التغذية فضلا عن مراجعات للسنوات السابقة ضمن التقرير السنوي لمنظمة (فاو) عن انعدام الامن الغذائي.
وقال كارلو كافيرو اختصاصي الاحصاءات بمنظمة (فاو) ان الارقام ستدمج بيانات جديدة عن امدادات الغذاء العالمية اضافة الى دراسات مسحية اشمل عن استهلاك الاسر من الدول المختلفة.
وسيشمل التقرير ايضا مؤشرات اضافية عن الجوع مثل الحصص التي تنفق من ميزانيات الاسر على الغذاء.
وقال كافيرو "اذا قدمت رقما واحدا، فانه يكون هناك ميل الى المبالغة في تفسيره والتعامل معه وكأنه يعبر عن كل شيء، لكننا نريد أن نحاول أن ندرك الابعاد المختلفة لانعدام الامن الغذائي بوضوح اكبر".
واشتكى اخصائيو تغذية يعملون بالمجال الميداني لفترة طويلة، من أن تقديرات منظمة (فاو) عن الجوع تركز على ما يتم تناوله من سعرات حرارية متجاهلة الصورة الاكبر وهي نقص البروتينات والفيتامينات والمعادن في الوجبات، والمشاكل الصحية الخطيرة التي تنجم عن هذا، واحصاء عدد الجوعى حول العالم في اي وقت من الاوقات، ناهيك عن التكهن باحتمالات أن يتغير هذا الرقم في المستقبل ليس بالمهمة السهلة.
ونماذج التعرف على عدد من لا يحصلون على ما يكفي من الطعام لتناوله ليس بدرجة الدقة او استشراف المستقبل التي يرجوها الخبراء، وذلك بسبب تأخر اصدار الاحصائيات على
مستوى الدول. علاوة على هذا فان تغير الظروف الاقتصادية يؤثر على القدرة الشرائية للفقراء يوما بعد يوم، كما أن المحاصيل الغذائية والتي تتأثر بالطقس على نحو متزايد تتغير مما يؤدي الى تذبذب الاسعار.
وحين وقعت منظمة (فاو) تحت ضغط لتحدد مقدار زيادة الجوع نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء والازمة المالية العالمية لعام 2008 قررت أن تجمع توقعات وزارة الزراعة الاميركية عن مدى الضرر الذي سيلحقه الاضطراب الاقتصادي بانتاج الغذاء واستهلاكه وتجارته، وتقديراتها عن الجوع في الاعوام السابقة والاستنتاج من هذا المنطلق.
وقدرت عددا قياسيا بلغ 1.2 مليار شخص يعانون سوء التغذية او نحو سدس البشرية عام 2009 .
لكن المشاكل ظهرت مع الافتراضات وراء الرقم. واتضح أن الظروف الاقتصادية لم تكن بالسوء المتوقع وصمد انتاج واستهلاك الغذاء على نحو افضل من المتوقع.
علاوة على هذا لم ترتفع الاسعار الى المستوى الذي كان يخشى في بعض الدول النامية مثل الهند والصين، لانها استعانت بحظر التصدير والدعم للحفاظ عليها منخفضة.
وتشير دراسات مسحية الى أنه في النهاية استطاع الكثير من الناس الحفاظ على كم السعرات الحرارية التي يتناولونها، من خلال استخدام اطعمة ارخص وخفض الانفاق على الاحتياجات الاساسية الاخرى مثل التعليم والصحة.
وقال كافيرو من منظمة (فاو) "كل الادلة الان تشير الى أن الوضع ليس بهذا القدر من السوء في ما يتعلق بكم السعرات الحرارية التي يتناولها الناس، مثلما اعتقد الجميع في ذلك الحين".
وفي عام 2010 توقعت منظمة (فاو) انخفاض عدد من يعانون سوء التغذية الى 925 مليون شخص، وفي عام 2011 لم تصدر رقما على الاطلاق نظرا للخلاف حول أساليبها.
وليس السؤال عما اذا كانت القياسات ضرورية، وانما يدور حول كيفية جمع وترجمة وتبادل البيانات لتقديم صورة واقعية ودقيقة عن وضع الامن الغذائي.
ويقول خبراء ان من الممكن أن يكون لتحسين الطريقة التي يتم بها احصاء من يعانون الجوع اثار بعيدة المدى على الطريقة التي تتعامل بها الحكومات ووكالات الاغاثة بفعالية اكبر
مع أزمات الجوع.
وتقول وكالات اغاثة ان المعلومات المتوفرة من خلال عملها مع المجتمعات المحلية، يمكن أن تسهم في رسم صورة أشمل للجوع على المستوى الوطني والاقليمي والعالمي على سبيل المثال.
وقالت البرتا جويرا وهي مسؤولة عن السياسات الغذائية في منظمة "أكشن ايد" ومقرها روما "علينا مسؤولية نقل الصورة من الميدان... لنضمن أنه ليس مجرد تدريب فني، وانما يعبر
عن الواقع على الارض".