"غدي نيوز"
يسود انطباع لدى اللبنانيين بشكل عام وهواة البحر بشكل خاص ان لا وجود للدلافين في لبنان، ويعزو الباحثون والخبراء سبب ذلك الى عدم توفر اي معلومات حول هذا الموضوع. ولكن بين وقت وآخر، بين سنة وأخرى، تضج الدنيا عندما يقع دلفين في شباك صياد، وتبدأ التفسيرات والتحليلات لمعرفة من اين جاء هذا المسكين، على اعتبار ان لا دلافين على الشاطئ اللبناني. الا ان الابحاث أظهرت عكس ذلك.
وقّع لبنان اتفاقية في العام 2004 للحفاظ على الثدييات البحرية. تنص هذه الاتفاقية على الحفاظ على الثدييات في البحر الاسود والبحر الابيض المتوسط والملاحق المحيطة بالبحر المتوسط والتابعة لاسبانيا وفرنسا بالاضافة الى المحيط الاطلسي.
وبموجب اتفاقية التفاهم بين الـaccobams والمجلس الوطني للبحوث العلمية وبعد وصول الباخرة العلمية "قانا" انطلقت رحلة البحث عن الدلافين وتحديد مواقع وجودها والموائل المحتملة لوجودها.
يقول الباحث في المركز الوطني لعلوم البحار الدكتور ميلاد فخري: "مع وصول الباخرة العلمية (قانا)، باشرنا كمركز علوم البحار بتنظيم 9 طلعات بحرية انطلقت في ايلول (سبتمبر) 2009 واستمرت حتى آب (اغسطس) 2012 وانجزنا مهمات البحث الموثقة علميا. وخلال طلعاتنا البحرية قمنا بتغطية الساحل اللبناني والمياه اللبنانية من الناقورة حتى العبدة، وتبين لنا ان الدلافين موجودة في المنطقة الساحلية الوسطية على امتداد 120 كلم من شمال صيدا حتى جنوب منطقة الميناء في طرابلس من اصل 220 كلم. وفي 9 طلعات بحرية شاهدنا الدلافين 32 مرة. اما مجموع ما شاهدناه هو كناية عن 91 حيوانا، وفي كل مشاهدة كان يظهر لنا بين الدلفين الواحد والسبعة دلافين، ثلثهم من الدلافين الحديثي العمر والثلثين من البالغين. يتراوح طولهم بين المتر ونصف المتر والثلاثة امتار ونصف المتر، وكل الدلافين التي شاهدناها هي من نوع الـBottlenose dolphins واسمهاTursiops truncatus.
فماذا في بحرنا من دلافين وكيف تعيش وما الذي يهددها وما هي مميزات هذا الكائن الذكي والوديع؟
يشير الدكتور فخري الى انه "منذ 2002 حتى اليوم رصدنا 12 حالة جنوح في قطعان الدلافين، تسعة منهم من الـTursiops truncatus، هذا النوع الموجود في كل المحيط الاطلسي والبحر الاسود وعلى كل الشواطئ المتصلة بشاطئ البحر المتوسط شرقا وغربا. وهذا النوع غير مهدد بالانقراض بل هو معرض للخطر الذي يهدد البيئة واعداده تراجعت".
لماذا انخفضت الأعداد؟
برأي فخري "منذ 60 سنة كان عدد الدلافين من هذا النوع حوالي الـ10 آلاف حيوان، كما تفيد الدراسات، وهذا العدد انخفض بنسبة 30 بالمئة حتى يومنا هذا". ويردّ اسباب هذا الانخفاض الى العوامل التالية:
-القتل المتعمد.
-الإفراط في صيد الأسماك.
-تدهور الموائل بسبب التمدد العمراني وردم البحار على الشواطئ.
-والعامل الأساسي هو الشباك المستعملة في الصيد البحري وعمليات الجرف حيث يعلق الدلفين في الشباك ويختنق ويموت".
يؤكد فخري ان العلاقة بين الصياد والدلافين ليست سليمة، والصياد لا يحب الدلافين لأنها تهجم على الشباك لأكل السمك وتمزق الشباك، ما خلق نوعا من العداوة بين الصياد والدلافين. ثم يستدرك "ولكن الصياد اللبناني لا يمكن ان يقتل حيوانا واحدا من فصيلة الدلافين رغم العلاقة السيئة بينهما، والدلفين هو صديق الاطفال وهو من اهم وسائل التسلية والسياحة في الدول الاوروبية لأنه حيوان ودود، يرتفع فوق المياه ليتنفس ويلعب ويأكل. وفي النهاية الدلفين ليس حيوانا اليفا".
نصف الدلافين في بيروت!
من خلال الابحاث والدراسات تبين "ان نسبة الدلافين في المياه اللبنانية مرتفعة خصوصا في منطقة بيروت حيث تسجل نسبة عالية من التكاثر. وتؤكد الدراسات ان نصف الدلافين في لبنان موجود في منطقة بيروت بمعدل 0.11 فردا في الكلم الواحد و0.06 فرد في المناطق الاخرى. وتعتبر بيروت منطقة غنية بالدلافين وذلك يعود للجرف القاري حيث يضيق العرض ويبلغ 3 كلم في منطقة بيروت، ولان في هذه المنطقة وديان ومناطق صخرية تسمح بتكاثر الدلافين وتشكل موئلا مهما للعيش والتكاثر ووجود الغذاء اللازم. فالدلفين يعيش في مناطق فيها تضاريس عميقة، وهذا النوع من المناطق البحرية يناسب حياة الدلفين بعكس المناطق الرملية التي لا تناسبه ابدا.
ويوضح الدكتور فخري أن "الدلفين يتواجد في مناطق تتراوح بين 100 و600 متر عمقا، ونحن خلال طلعاتنا شاهدناه على عمق تراوح بين 35 و1300 متر وأكثر من 50 بالمئة منها وجدناه على عمق تراوح بين 300 و600 متر عمقا".
هواية السير وراء البواخر
لماذا لم يتم اكتشاف وجود الدلافين في اقصى الجنوب والشمال؟ "هذا يعود الى طبيعة قعر البحر والجرف القاري، اي ان المنطقة من صفر الى 200 متر عمقا مسطحة وعريضة في الشمال والجنوب وطبيعتها رملية ولا تشكل موائل للدلافين التي تحتاج لمناطق عميقة وصخرية. فطبيعة قعر البحر اللبناني غير مناسبة للدلافين بسبب قلة الموارد الغذائية وقلة الاسماك، اما العامل الايجابي لجذب الدلافين فهو حركة مرور البواخر في بيروت وهذا يجذب الدلافين التي تهوى السير وراء البواخر"، كما يقول فخري.
خطة للحماية
كما اظهرت الدراسات التي أجراها المركز الوطني لعلوم البحار "ان هناك عددا كبيرا من الدلافين التي تلعب دورا كبيرا في التوازن البيئي ووجودها مؤشر ايجابي لنظافة مياه البحر اللبناني، بالاضافة الى استخدامها سياحيا، ففي اوروبا يتم تنظيم طلعات بحرية لمشاهدة الحيتان والدلافين. وحاليا المركز بصدد انشاء شبكة على طول الشاطئ اللبناني لاحصاء اعداد الدلافين والوفيات منها واسباب حصولها من مواجهات مع الصيادين وحالات ارتطام على الشاطئ للتوصل الى دراسة لمراقبة تواجد الدلافين ووضع خطة لحمايتها بالتنسيق مع هيئات عالمية من خلال حملات توعية على مستوى الصيادين وهواة البحر للحد من التصادم مع الدلافين".
تلك الكائنات الذكية
اكتشف باحثون أميركيون ان الدلافين هم أكثر ذكاء من القردة، مشددين على عدم أخلاقية قتلها أو احتجازها.
وقال الباحثون في جامعة "لويولا ماريماونت" في مدينة لوس أنجلس الأميركية إن الدلافين أثبتت انها شديدة الذكاء، ولذا من المعيب أخلاقياً قتلها أو احتجازها في الأحواض المائية.
وقال توماس وايت الذي يدرس المثل الأخلاقية في الجامعة ان الدلافين هي "أشخاص غير بشرية تصنف من المنظور الأخلاقي على انها أفراد".
وأشار وايت وزملاؤه الناشطون في مجال الدفاع عن الدلافين، ومن بينهم العالم الحيواني لوري مارينو من جامعة إيموري في أطلنطا، إلى ان البحث أظهر ان الدلفين أكثر ذكاء من القرد وهو يحل ثانياً بعد الإنسان من ناحية الذكاء.
يمكن ان تقوم الدلافين بكثير من المواقف الطريفة وهي تتمتع بحس جماعي. فعندما تجد نفسها مثلاً في خطر يصدر صوتاً يشبه الصفير يجذب رفاقها فيأتون لنجدتها، وعندما يمر الدلافين أمام قطيع من السمك يقوم الدلافين بمحاصرة هذا القطيع من كل الجهات ثم الانقضاض عليه.
وقد اكتشفت الدراسات الحديثة أن للدلافين لغة خاصة بها، تتكون من 32 صوتاً مختلفاً تستعملها. وتستخدم الدلافين صوتها لكي تحدد الاتجاهات، فهي تطلق أصواتها مرتفعة ثم تستقبل صداها لتحديد اتجاه وبُعد الأشياء من حولها، و تستخدم ذلك من أجل البحث عن الطعام والسباحة في البحر دون الاصطدام بالعوائق.
تعدد الأزواج
لا تشكل الدلافين زوجاً ثابتاً، فهي تختار شريكا مختلفًا كل مرة تتكاثر فيها، وترتبط مدة الحمل بحسب الأصناف ولكن مدة حمل الدلفين الكبير تستغرق حوالي 12 شهرا، والدلفين الجديد الذي وُلد ذيله أولا يجب أن يُصطحب الى السطح لأجل التنفس. وكثيرا ما تقوم عرابة الدلفين الصغير التي تساعد أمه على الولادة بتطبيق هذه المهمة، ويظهر هذا التضامن بين الدلافين الأنثوية على العديد من الأشكال، وهو يعكس طبيعة النظام الاجتماعي عند الدلافين.
يرضع الدلفين الصغير حوالي سنة ونصف الى أن يتعلم شيئًا فشيئاً الصيد وتأمين غذائه بنفسه، ومن جهة أخرى، يبقى على تواصل مع أمه لسنوات كثيرة قبل اكتساب استقلاله التام والتكاثر بدوره.
بتصرف عن جريدة "السفير" اللبنانية - لميا شديد