"غدي نيوز"
يبحث يوهان غيورغ غولدماير في المركز العالمي لرصد الحرائق عن استراتيجيات مكافحة حرائق الغابات. وكما يتضح من خلال حوار أجراه معه موقع DW، فالنار ليست دائما مدمرة وضارة، إذ هناك أيضا بعض النظم الإيكولوجية التي تحتاج للحرائق المنتظمة.
تحترق الغابات في جميع أنحاء العالم، وبشكل عام فإن النار تلحق ضررا كبيرا للغاية بالبيئة، فنتيجة للحرائق، تتصاعد كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.
أما من يقف وراء الكثير من هذه الحرائق فهم البشر، الذين يتسببون في إشعالها من خلال الإهمال أو عبر استخدامهم النار بشكل متعمد أيضا بهدف إزالة الغابات، وأقل من خمسة في المئة فقط من الحرائق يرجع إلى أسباب طبيعية. لكن إندلاع النار هو أيضا جزء مهم من الطبيعة - فالعديد من النظم الإيكولوجية كالسافانا على سبيل المثال، لم تكن لتستمر في الوجود إلا عبر تعرضها للحرق بانتظام، ومن خلال النار، يفسح المجال أمام نمو أشجار ونبتات جديدة.
في المركز العالمي لرصد الحرائق في فرايبورغ، يتم جمع البيانات حول حرائق الغابات في جميع أنحاء العالم. وبتكليف من الأمم المتحدة، يعمل الباحث البارز يوهان غيورغغولدماير على تطوير استراتيجيات لمكافحة حرائق الغابات، وكما يوضح فإن عمله لا يقتصر بمكافحة اندلاع النيران فحسب، فالباحث الشهير يرى أن النار يجب أن تحتل مكانتها الصحيحة في العالم، حتى في عصر التغير المناخي.
وفي ما يلي ينقل "غدي نيوز" حوارا أجري معه في منطقة سيرادو الواقعة في السافانا البرازيلية، وهذه المنطقة مهددة عبر عمليات الحرق المتعمدة للغابات، بهدف توسيع رقعة الأراضي الزراعية. ومع ذلك، فإن غولدماير يعتبر سيرادو موطن النار.
هل تعتبرون النار العدو اللدود لصحة المناخ؟
إن حرائق الغطاء النباتي في سيرادو لا تشكل في الواقع ضررا على صحة البيئة. ما يمثل في الأساس خطرا داهما على صحة البيئة هي المواقع التي يحرق فيها الوقود الأحفوري. فاستخدام النفط وكذلك الغاز للتدفئة وكوقود للسيارات وفي قطاع الصناعة، يضعنا أمام المشكلة، فالنيران تشتعل على سطح الأرض منذ ملايين السنين، وأقدم دليل على ذلك يرجع إلى أكثر من 400 مليون عاما. وهذه هي حرائق الغابات التي يمكننا التعرف عليها حتى يومنا هذا في طبقات الفحم القديمة، حيث تشكل الفحم من هذه الغابات المندثرة. وحتى وقتنا المعاصر يمكننا أن نجد أخشابا متفحمة، وكما هو الحال هنا في البرازيل، فهناك مناطق تأثرت بالنار.
هل ساهم اندلاع الحرائق في تحفيز التنوع البيولوجي؟
عندما ننظر إلى النار والغطاء النباتي وإلى الطبيعية من وجهة نظر العالم أو الباحث المتخصص، وليس من وجهة نظر رجل الإطفاء، فسنميز أنواعا مختلفة من النظم الإيكولوجية. وهناك نظم إيكولوجية حساسة حيال الحرائق كالغابات الاستوائية المطيرة على سبيل المثال، والنار تلحق بسهولة ضررا كبيرا بكل أنواع الحيوانات والنباتات الموجودة في الغابات الاستوائية المطيرة. لكن هناك نظما إيكولوجية تتحمل النار. ثم هناك الشكل الأكثر تطرفا، أي النظم الإيكولوجية التي تعتمد على النار ولا يمكن أن يكون لها وجود بدون النار. تدخل الإنسان على مدى مئات أو آلاف السنين، وأحدث تغييرات على شكل الأراضي من خلال الزراعة والرعي وأيضا عبر استخدام النار. والمعروف أن النار تفتح الغابات المتشابكة أو تبقيها مفتوحة، إلا أننا نجد أنواع الحيوانات والنباتات التي تعيش في الغابة المغلقة تختلف تماما عن تلك التي تعيش في غيرها. والمثير للاهتمام أن مثل هذه النظم البيئية لا توجد في البرازيل فحسب، وإنما أيضا في أميركا الشمالية أو أوروبا الوسطى.
كيف تقيم إدارة الحرائق في البلاد التي وصلت درجة عالية من التطور؟
علينا أن نحاول جهدنا لإيجاد توازن بين ما تقتضيه كل حالة من الحالات المختلفة في البيئة الطبيعية. النار كانت دائما هناك، وكانت موجودة بأبعاد مختلفة في فترات مختلفة من تاريخ الأرض. واليوم يؤدي استغلال الإنسان للأرض إلى نشوب الصراعات. لذا علينا أن نجد التوازن الصحيح بين صحة البيئة والطبيعة من جانب وحاجة الأنسان من جانب آخر. وفي إطار ما يعرف بـ "إدارة الحرائق"، يتم البحث عن حلول وسط، ونحن جميعا نواجه نفس المشاكل والصراعات، سواء في أميركا الشمالية أو البرازيل أو أوروبا.
ما هي هذه الصراعات؟
سنجد أنفسنا أمام مشاكل لا حصر لها إذا أقدم الإنسان على سبيل المثال على التدخل في النظام الطبيعي وتغييره بهدف توفير مساحات إضافية من الأراضي لاستخدامها كمراع أو مزارع. وهذه هي أولى المجالات التي تحدث فيها النزاعات.
هل سنرى في المستقبل وسيلة أفضل للتعامل مع الحرائق؟
النقاش في الوقت الراهن حول المفاضلة بين النار التي تشتعل بشكل طبيعي أو تلك التي تشعل بشكل متعمد تحت الرقابة المتخصصة، يتأثر إلى حد كبير بقضية المناخ. إن اشتعال النار ينجم عنه تصاعد انبعاثات غازات دفيئة، لكننا لم نتوقف يوما عن ذلك. وإذا صح التعبير، فإن للإنسان الحق في ذلك، وأعني أن لديه حق راسخ لإنتاج هذه الانبعاثات. والآن عندما نقوم بحرق الوقود الأحفوري فنحن نتسبب في تصاعد الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، ولكننا نلاحظ الانتقادات التي توجه بشكل أشد إلى حرائق الغطاء النباتي. نحن أمام مهمة عظيمة تتمثل في إعطاء معنى للحرائق في سيرادو في البرازيل، وحرائق الغابات في سيبيريا وأميركا الشمالية، والحرائق المنظمة التي تستعل تحت الرقابة في أوروبا الوسطى وعلينا عدم إطفائها مجددا ببساطة. الخوف من النار قبل خمسين عاما تحول اليوم إلى خوف من التغير المناخي.