"غدي نيوز"
انشغلت مراكز الدفاع المدني في المناطق، كما مراكز الجيش اللبناني وطوافاته والمتطوعون والجمعيات البيئية في إهماد أكثر من 120 حريقاً في الأحراج، في مؤشر لمخاطر محدقة بـ"لبنان الأخضر" في موسم الحرائق الذي غطى أمس لبنان من شماله الى جنوبه ملتهماً الصنوبر والسنديان والأشجار الحرجية ولم يوفر الزيتون والأشجار المثمرة في ظل "ضعف" إمكانيات المواجهة و"قوة" مفتعلي الحرائق الذين تبحث عنهم التحقيقات.
ولم ينته مسلسل الحرائق في محافظة عكار فصولاً، حيث التهمت النيران مساحات واسعة من الأشجار الحرجية والمثمرة، في مختلف القرى والبلدات العكارية وخلّفت أضراراً عدة في ممتلكات المواطنين، وتحديداً في أشجار الزيتون واللوز والعنب التي احترقت بعد ملامسة النيران للمنازل السكنية.
إلا أن الخسارة الموجعة هذا العام أتت جراء احتراق ما يزيد على 2500 متر مربع، أي نحو الألف شجرة من أشجار الشوح والأرز واللزاب المعمرة، في غابة القلة الواقعة على الحدود الفاصلة بين عكار والضنية والهرمل، والتي تتميّز باحتوائها على نوع "اللزاب برو" النادر جداً في لبنان وغير موجود في الشمال سوى في غابة القلة وغابات الضنية.
وما يزيد الأمور سوءاً هو غياب الأجهزة المعنية والوزارات، إذ يتم وضع اليد على مشاع الغابات وتجليلها واستصلاحها وزرعها من أقدام الجبل بجانب الأنهر، وتحويلها إلى بساتين من قبل مواطنين معروفين، في حين أن الرقابة معدومة ومقتصرة على قيام الدولة بتلف الحشيشة بشكل رمزي في حقل الخربة الواقع في غابة القلة.
ويمكن القول إن مسلسل الحرائق المتنقلة يتمدد بشكل أفقي ليشمل مختلف القرى والبلدات العكارية، حيث يسجل حريق بمعدل كل يومين في غابات عكار وأحراجها فيحول البساتين الخضراء الى جرداء قاحلة، ويطيح بالأشجار الحرجية والمعمرة.
ودفعت بلدات عكار العتيقة، جديدة القيطع، عيون الغزلان، عين الذهب، مشحا، التليل، شربيلا، بينو، القبيات، عندقت، السنديانة، جبل أكروم، الرامة - جرمنايا في وادي خالد، وغيرها من البلدات، فاتورة باهظة من ثروتها الحرجية وحقولها الزراعية، حيث التهمت النيران عشرات أشجار الكرمة والتين والزيتون والأشجار الحرجية والأعشاب اليابسة، ما بات يهدد فعلياً غابات عكار وثروتها الحرجية.
هذا الواقع دفع البيئيين في عكار إلى دق ناقوس الخطر، مؤكدين أن "ما يجري من انتهاك للغابات وتعديات عليها بأشكال مختلفة خطر للغاية، خصوصاً في ظل غياب أي سلطة رقابية للأجهزة والوزارات المعنية".
ويترقب البيئيون موعد توقف مسلسل الحرائق، ولا سيما أننا ما زلنا في بداية الموسم، إذ عادة ما تندلع الحرائق منذ منتصف أيلول حتى نهاية شهر تشرين الثاني، وذلك تزامناً مع استعداد المواطنين لجمع مؤنة الشتاء من الحطب.
ضـــــــــــــــاهر
ويشير رئيس "مجلس البيئة" في عكار أنطوان ضاهر إلى "توسع رقعة التعديات على غابات عكار بشكل مستمر وبطريقة ممنهجة. الأمر الذي كان كفيلاً باستنزاف آلاف الأشجار المعمرة والنادرة التي يصل عمر بعضها إلى 500 سنة"، لافتاً إلى أن "الحرائق إلتهمت ما يزيد على 150 ألف متر مربع من غابات عكار فقط، من دون احتساب حرائق البساتين والأراضي الزراعية في المناطق السهلية".
ويتحدّث ضاهر عن "ضرورة مراقبة موضوع حرق اليباس عن طريق تبليغ المخافر القريبة بموعد الحرق والحصول على إذن بهذا الخصوص"، مؤكداً أن "هناك مسؤولية كبيرة على عاتق الأهالي الذين يقومون بحرق الأعشاب اليابسة بجوار البساتين وما يلبث أن تتمدّد النيران ويفقدون السيطرة عليها".
يضيف ضاهر: "لقد حان الوقت لتفعيل وتنظيم عمل الشبكات الأهلية في القرى والبلدات، لأن التجربة أثبتت أن عمل اللجان الأهلية يفوق أهمية عمل فرق الدفاع المدني التي تعاني نقصاً كبيراً في الكادر البشري والتجهيزات، كما أن سيارات الدفاع المدني تعجز عن الوصول إلى عمق الغابات"، ويشير إلى "أننا لم نكن نشهد سابقاً كوارث طبيعية بفعل الحرائق كما في السنوات الماضية والسبب يعود الى اتكال المواطنين على الدفاع المدني".
يتابع: "إن الحل هو في متناول أيدينا وهو غير مكلف وعلى الدولة أن تعمد الى تشكيل شبكات إنعاش للغابة، وهي أصلاً موجودة في بلدات عدة ولكنها بحاجة الى تنظيم، وتجهيز عبر مرشات ومعاول ورفوش، ما يمكنهم من لعب دور حرس الغابة والتدخل عند بداية الحريق بالتعاون مع الدفاع المدني وطوافات الجيش، أما الشق الآخر فيتمثل بتحرك القضاء والقوى الأمنية لجهة توقيف المتسببين في الحرائق، والادعاء عليهم للمثول أمام القضاء والوصول الى إجراء محاكمات، لأن التراخي في مسألة العقاب يشجع المواطنين والتجار على التمادي في التعديات".
وشغرت مراكز إطفاء الحرائق، وتأهّب معها كل معني ومصاب وجار للنار التي لم توفّر لا صنوبريات ولا آثاراً ولا بيوتاً أو عائلات. تضافرت الجهود في وجه الدخان الأبيض، ومعها علت صرخة تتكرر كل عام من دون جدوى ولا حلول بديلة من مثل خزانات المياه أو افتتاح طرقات فرعية نحو المناطق النائية ، ولا سيما في الغابات. أمّا خلاصة النهار فـ"بوليسية"،إذ ارتأت الجهات المعنية فتح تحقيق للبحث عن المعتدي ومن يشتبه به.
معصريتي – بسرين
خط النار عبر أمس مدينة عاليه، فالتهم الحريق الذي بدأ من خراج بلدة معصريتي بجانب مار تقلا ظهراً، عشرات الهكتارات، حيث قضى على مساحات شاسعة من الأراضي الحرجية وأغلبها من الصنوبريات وكروم العنب والزيتون. واللافت أن الحريق، الذي امتد بشكل سريع جداً إلى خراج بلدة بسرّين، جراء ارتفاع الحرارة والرياح الشرقية، لم ينتج عن أعمال زراعية وتقشيش، إنما بدا أنه حريق مفتعل كونه بدأ من على جانب الطريق.
وعلى الفور، عملت وحدات الدفاع المدني والجيش اللبناني مع المتطوعين على إخماد الحريق ضمن الامكانيات المتوافرة، إلا أن الامتداد السريع للحريق ضمن الجبال وتوزعه على مساحات واسعة ووصوله بعيداً عن الطرقات وقلة العناصر ومحدودية العتاد والتجهيزات وغياب الطوافات، نظراً لانشغالها بإطفاء حرائق في أماكن أخرى، حال دون إطفاء الحريق الى أن وصلت الطائرات بعد الظهر وحيث تم إهماده.
واحصيت عشرات الحرائق في منطقة عاليه ومثلها في المتن وفي الجنوب وعكار.
وأوضحت بعض المصادر أن "عدداً من المواطنين يلجأون إلى افتعال الحرائق، إما تغطية لأعمال مقالع وكسارات أو طمعاً بحطب الشتاء أو عملاً بتحديد الحدود في بعض القرى غير الممسوحة, وناشدت الجمعية قوى الأمن الداخلي "ضبط وإيقاف المخالفين، سواء أكانوا مزارعين يقششون أم مفتعلين للحرائق".