"غدي نيوز" – إعداد سوزان ابو سعيد ضو
لم يعد يقتصر الاهتمام بالجرائم البيئية المنظمة التي تشكل تهديدا متعدد المستويات للأمن الإنساني على منفذي القوانين الداخلية، أو أنصار البيئة فقط، فقد برزت خلال العقد الماضي مجموعة من المتغيرات جعلت هذه الجرائم ترتبط بشكل ما بالأنشطة الإرهابية، وذلك مع ارتفاع قيمة السلع البيئية المهربة والفشل في مكافحة هذه الجرائم؛ الأمر الذي أضحت معه جرائم البيئة تمثل قضية أساسية أيضا بالنسبة للسياسيين وصناع القرار.
فوفقا لتقرير نشرته "شبكة الأنباء الإنسانية" التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن الهجوم الإرهابي الأخير الذي نُفِذ ضد "مركز ويستجات التجاري" في العاصمة الكينية نيروبى، يسلط الضوء على جرائم البيئة أو ما يعرف باسم "الجرائم الخضراء" مثل تجارة العاج (مادة ثمينة جدا تستخرج من أنياب وقرون وحيد القرن والفيلة) وحيوان وحيد القرن، إذ يُعتقَد على نطاق واسع أن حركة الشباب، تلك الجماعة الإسلامية المتشددة، التي أعلنت مسؤوليتها عن هذا الهجوم، تمول حوالي 40 بالمئة من أنشطتها من خلال عمليات الصيد غير المشروع للفيلة ومن تجارة العاج الأحمر "العاج الدموي"، وكذلك يعرف عن جماعة جيش الرب المتمردة في كل من دولة الكونغو الديموقراطية ودولة أفريقيا الوسطى التمويل من خلال الصيد الجائر وغير القانوني للفيلة.
ارتفاع معدل الصيد غير الشرعي
وقد حفز ارتفاع مستويات الدخول في آسيا الكثيرين على طلب العاج ووحيد القرن، وهو ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في صيد هذه الحيوانات النادرة بشكل غير شرعي، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، ارتفع معدل الصيد غير الشرعي لحيوان وحيد القرن في دولة جنوب أفريقيا 7 أضعاف بسبب زيادة الطلب من فيتنام وبعض الدول الآسيوية الأخرى عليه، نظرا لاستخدامه في علاج السرطان وصناعة المنشطات الحيوية.
ومع تزايد القلق الدولي إزاء وجود أدلة تثبت الارتباط ما بين التنظيمات الإرهابية والجرائم البيئية المنظمة، أضحى السياسيون أكثر إدراكا لضرورة العمل ضد الإتجار في الأحياء البرية، ففي تموز (يوليو) الماضي قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما، تشكيل فريق عمل لمناهضة هذه التجارة، وتعهد بدفع 10 ملايين دولار لهذا الغرض.
مبادرة أوباما
ويرى كبير المستشارين في "المبادرة العالمية لمكافحة الجرائم البيئية المنظمة العابرة للحدود الوطنية" جوستن جوسلينج، أن مبادرة أوباما ما هى إلا قطرة في محيط، حيث لا بد من تقديم البلدان النامية ذاتها للمساعدة إذا ما أرادت حلولاً لتلك المشكلة، كما أن الجهود الدولية لا تزال تعمل ببطء لا يتناسب مع سرعة تنامي هذه الجرائم واتساع دائرة مخاطرها، سواء من حيث النوعية أو الحجم أو القيمة، فتأثيرها أكبر كثيرا من الدمار البسيط الذي يلحق بالموارد الطبيعية وبالبيئة التي يحيا فيها النبات والحيوان، لأنها باتت تؤثر على أمن الإنسان من خلال دخولها كأداة للصراع وانتهاك حكم القانون وعدم الوصول إلى ضروريات معيشية مثل مياه الشرب الآمنة ومصادر الغذاء والمأوى.
وتعتبر المبادرة العالمية لمكافحة الجرائم البيئية شبكة عالمية تتكون من كبار الخبراء العالميين في مجال الجريمة المنظمة، ويتم تمويلها من دولتي النرويج وسويسرا، وتهدف إلى جمع مجموعة واسعة من الفاعلين من الحكومات والمجتمع المدنى بغرض إيجاد وسائل لمكافحة الاتجار والتجارة غير المشروعة للأحياء البرية.
توثيق هذه الجرائم الخضراء حول العالم
وقد أعد القائمون على هذه المبادرة تقريرا يوثق هذه الجرائم "الخضراء" حول العالم، والتي تتراوح بين الاتجار غير المشروع في النباتات والحيوانات النادرة وقطع الأشجار والصيد الجائر واستخراج المعادن والتجارة في مواد طبيعية ذات طبيعة مزدوجة الاستخدام، بما يسمح أن تكون مصدرا للأضرار.
وأشار التقرير إلى أن البلدان الهشة التي تفتقر إلى البنية التحتية والسياسات الفعالة، وغالبا ما تكون غنية بالموارد غير المستغلة، هي البلدان الأكثر عرضة لظاهرة الاتجار غير المشروعة للأحياء البرية، بل ويصل خطر هذه الظاهرة في بعض المجتمعات ليس فقط إلى فقدان الإمدادات الغذائية ووظائف السياحة نتيجةً للصيد غير المشروع وإزالة الغابات، بل كذلك تتعرض حياة السكان للخطر، ففي بلد مثل جزر المالديف على سبيل المثال يتعرض السكان لمخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة للتغير المناخي الناتج في جزء منه عن إزالة الغابات.
ومع أنه من المستحيل تحديد ما إذا كانت الجريمة المنظمة هي جريمة بيئية (أو تحديد حصة الجرائم البيئية من حجم الجرائم المنظمة)، إلا أن هناك 25 بالمئة من مرتكبي هذه الجرائم من ذائعي الصيت وممن تتكرر أسماؤهم، وذلك وفقا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة المعنى بمكافحة الجريمة والمخدرات، الذي أعد دراسة حول نطاق هذه الظاهرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وبالمثل فإنه على الرغم من استحالة معرفة كيفية وحجم ما تستنزفه الجرائم البيئية المنظمة من الاقتصاد الشرعي "الرسمي"، فإنه غالبا ما يتم طمس الخط الفاصل بين الجريمة المنظمة والجريمة البيئية، والسبب هو أن ذات الشبكات تستخدم كلتا الجريمتين في عمليات الاتجار والتهريب.
القتل من أجل الربح
وفي هذا الصدد يشير المحقق الصحفي المعروف جوليان راديماير في كتاب أعده حول هذه الظاهرة، ويحمل عنوان "القتل من أجل الربح"، إلى عمليات الاتجار غير المشروع لوحيد القرن في جنوب أفريقيا، إلا أن ثمة أدلة على استخدام الصيادين غير الشرعيين للأسلحة الثقيلة مثل قذائف الهاون والأسلحة شبه الآلية والمروحيات.
ويقول راديماير، إن هناك لاعبين كبار في تلك التجارة غير المشروعة، مثل السمسار المزعوم (فيكساي كيوسافانج) في دولة لاوس، والذي يطلق عليه (بابلو إسكوبار الاتجار بالأحياء البرية) - نسبة إلى أكبر زعيم لمافيا المخدرات في كولومبيا - يفلتون من العقاب نتيجة لصلاتهم الوثيقة مع المسؤولين الحكوميين والنخبة الأخرى القوية.
ووفقًا لـ "جوستن جوسلينج"، فإن الجهود الراهنة لا تزال غير كافية ولم تساهم في معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، ويعزى ذلك في جانب منه إلى أن التشريعات والعقوبات تختلف بشكل جوهرى بين الدول، وثمة فجوة كبيرة بين ما يمكن اعتباره مقبولاً وبين ما هو غير قانوني فيما يخص القضايا المرتبطة بالاتجار غير المشروع للأحياء البرية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إعادة "جدولة" الأهداف، لأن هناك بالفعل استراتيجيات دولية وقطرية لمواجهة هذه الظاهرة، لكنه لا تعمل سويا بشكل مترابط.
الحماية الضرورية لوقف الجريمة
أما المشكلة الثانية فتتمثل في أن الوكالات المكلفة بالتعامل مع الجريمة البيئية تفتقر إلى القدرات والحماية الضرورية لوقف هذه الجريمة. وفيما تفشل هذه الوكالات في إنفاذ القانون، ترتفع بالمقابل الحوافز المالية لدى القائمين على هذه الجرائم، حيث يمكن أن يجلب وحيد القرن الواحد حوالى 25 ألف دولار، ويمكن لحمولة سفينة صيد غير شرعية واحدة من الأسماك أن تجلب أكثر من مليون دولار.
المشكلة الثالثة أنه في العديد من المجتمعات تضطر الشرطة إلى التعامل بعدم اقتناع مع هذه المشكلة، لأن هذه الجرائم ينظر إليها على نطاق واسع بأنها تعد جواز مرور للخروج من الفقر، ويستدل "راديماير" على ذلك بأن شباب القرى المعدمة الذين اقتحموا "حديقة كروغر الوطنية" في موزمبيق من أجل صيد وحيد القرن وبيعه، قد اعتبروا أبطالاً داخل مجتمعهم بسبب ما جلبوه من أموال، وهو ما يعنىي أن جانبا من الأزمة يعود إلى طبيعة بعض المجتمعات المحرومة من وسائل الحياة المناسبة، ففي موزمبيق يواجه السكان بالقرب من حديقة "كروغر" خياران قاسيان، إما الذهاب إلى مدينة جوهانسبرغ الجنوب إفريقية بطريقة غير شرعية من أجل العثور على عمل، أو صيد وحيد القرن الذي يمكنهم من الحصول على ما بين 200 إلى 2000 دولار للحيوان الواحد، وهنا يشكل هؤلاء الصياديون خطا جاهزا من المجندين المستعدين لشغل مناصب وسيطة في شبكات الاتجار بالأحياء البرية.
وحول سبل مكافحة هذه الظاهرة، "يقول راديماير"، إن المبادرة العالمية لمكافحة الجرائم البيئية المنظمة العابرة للحدود الوطنية، يمكن أن تسهل العمل بوتيرة أسرع عبر تشارك المعلومات، فهذه الشبكات الإجرامية تتحرك وتتكيف سريعا، ولا يمكن مواجهتها إلا بذات القدر من السرعة ذاتها، حيث لا تكفي مذكرات التفاهم التي لا تنتهي وما تستغرقه من تأخيرات دبلوماسية وعوائق بيروقراطية للتعامل مع هذه الجرائم التي تتطور بشكل أسرع وأخطر من الجرائم "السيبرية"، أي تلك المتعلقة بالشبكة العالمية للمعلومات، لأن الجرائم البيئية هي تجارة غير شرعية في سلع وموارد أساسية حيوية، وبالتالي لا توجد مبررات حول عدم قدرتنا على التعامل معها.
مدير مؤسسة العدالة البيئية
ويوافق مدير مؤسسة العدالة البيئية ستيفن ترينت، على هذا الرأي السابق، إذ تراقب منظمته آثار الصيد غير المشروع على حياة الناس في البلدان الأكثر فقرا في غرب أفريقيا، بما في ليبيريا وسيراليون، حيث كشفت المنظمة كيف يجري الاتجار بسفن غير قانونية، سواء لنقل الأسماك التي يقوم بصيدها أناس لا يتقاضون أجرا، أو لأغراض أخرى أبرزها تجارة الجنس في آسيا، ففي كثير من الأحيان يكون الجناة هم الشركات غير المرخصة التي تعمل – عن قصد أو دون قصد – بشكل غير قانوني وترسل منتجاتها إلى البلدان الغنية.
ويرى "ترينت" أن ثمة بعض الحلول لمكافحة الجرائم البيئية لا تستلزم تقنيات عالية أو معقدة، فحينما يتعلق الأمر بجريمة منظمة يميل الناس إلى تعقيد الأمور دون النظر إلى حلول أساسية يمكنها تحقيق مكاسب سريعة، ومن أبرزها إعمال الشفافية والتتبع لأنها بعض أهم وأبسط أدوات مكافحة الفساد، ولذا يرى "ترينيت" أن البداية هي أن يكون لكل سفينة صيد رقم إلزامي مرخص حتى يمكن متابعة أنشطتها.
أما بالنسبة لما يعرف بـ"المساحات الرمادية" مثل قطع الأشجار للأغراض الصناعية، وحيثما يكون القانون غالبا غير واضح أو لا يطبق بشكل متساو على الجميع، فإنها تمثل أيضا أحد المؤثرات السلبية على حياة الناس والبيئة المحيطة، فوفقا لدراسة قامت بها مؤسسة "غلوبال ويتنس" في كل من ليبيريا وكمبوديا، يتم منح امتيازات قطع هذه الأشجار الضخمة للشركات دون مراعاة للسكان المقيمين، كما يقول "جافين هايمان" مدير المؤسسة، الذي يرى أن ثمة حاجة لتبادل المزيد من المعلومات من أجل وضع إستراتيجيات مختلفة لمنح هذه الامتيازات، ففي ليبيريا تشكل هذه الأشجار أكثر من ربع مساحة اليابسة كما تكشف الدراسة، وهو ما يعني أنه في بعض الحالات يتم إجبار الناس على الطرد خارج أراضيهم وتجريدهم من مصدر رزقهم، وفي كمبوديا يتم أحيانا قتل النشطاء الذين يقاومون قاطعي هذه الأشجار.
ولذا يقول هايمان: "من الضروري لهؤلاء اللاعبين، أي الذين يحاولون حل هذه المشكلة، النزول إلى قلب الميدان لمعرفة ماذا تريد المجتمعات المحلية فعليا، لأن خلاف ذلك سوف يؤدي إلى وقوع الفئات الضعيفة من سكان هذه المجتمعات ضحية لجرائم البيئة".