قبيل إعلان انتهاء قمة كوبنهاغن حول تغير المناخ، دعت الملكة مارغريت الثانية قادة الدول المشاركين في القمة إلى حفل عشاء، وكان ناشطو "غرينبيس" استغلوا المناسبة لتوجيه رسالة إلى الرؤساء المجتمعين بطريقة نافرة وسلمية في آن، لحثهم على إبرام اتفاقية عادلة وملزمة لإنقاذ المناخ قبل إنتهاء القمة بيوم واحد. فتظاهر الناشطون على أنهم وفد رسمي مؤلف من رئيس دولة وزوجته وحارس أمني ودخلوا حفل العشاء وسط طوق أمني كبير. وبعد وصولهم إلى قاعة الحفل فتح الرئيس "المزيف" وزوجته لافتتان كتب عليهما: "الساسة يتكلمون، لكن القادة الحقيقيين ينفذون!"، في اشارة الى ضرورة القيام بشيء عملي لانقاذ الكوكب.
في تلك الليلة ضحك كثيرون من هذه الحركة الجريئة التي قام بها الناشطون البيئيون، وقد اعتبر التحرك الذي قاموا به بسيطاً جداً وفيه شيء من السخرية، لا سيما عندما لصق الناشطون الشعارات التي كانت مخبأة في جوارب أحد الناشطين على الزجاج الأمامي لسيارات القادة المركونة، كما استخدموا لوحة مزيفة للسيارة التي استأجرتها "غرينبيس" تتضمن الرقم 007، في إشارة إلى جيمس بوند.
ولكن عندما فتح الناشطون اللافتتين تلك الليلة، سارع رجال الأمن إلى القبض عليهم. وتحول الهزل الى جد عندما سجنوا لمدة ثلاثة أسابيع، إذ رفضت المحكمة العليا آنذاك الطعون التي قدمتها غرينبيس لإطلاق سراحهم!
لكن هذه القصة لم تنته عند هذا الحد، فقد أصدر المدعي العام في الدنمارك الاتهامات الى الناشطين وهي تشمل التعدي على ممتلكات الغير (الملكة) وتزوير الوثائق وانتحال شخصية مسؤول عام. وقد يواجه الناشطون أحكام السجن والغرامات المالية ووضع أسمائهم على السجلات الجنائية، كما تم تسمية مجموعة مكاتب "غرينبيس" في شمال أوروبا والأطلسي في مرمى هذه الاتهامات، وهي تطال أحد عشر ناشطاً، ثلاثة منهم دخلوا الحفل، خمسة نشطاء تدبروا أمر السيارة التي حملت اللوحة المزيفة وثلاثة آخرين كانت لهم أدوار تنسيقية مختلفة.
عارضت "غرينبيس" هذه الاتهامات بالطبع، وتقوم الآن بتحضير استراتيجيات قانونية وسياسية للدفاع عن النشطاء بالتعاون مع خبراء ومحامين، ولم يحدد موعد المحاكمة ومن المحتمل ان يكون في أواخر الصيف المقبل.
وقالت نورا كريستيانسن، إحدى المتهمين: "سأقبل أية عقوبة وأنا مرفوعة الرأس شرط أن تكون محقّة، لكن هذه الاتهامات الخطيرة لا تتناسب تماما مع احتجاجنا السلمي الذي دعا رؤساء الدول إلى اتخاذ إجراءات حقيقية بشأن المناخ". وأضافت كريستيانسن "حتى التهديد بفرض هذه العقوبات سوف يردع الآخرين عن المشاركة في الاحتجاجات السلمية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من أي ديموقراطية سليمة".
المدير التنفيذي لمنظمة "غرينبيس" كومي نايدو قال "إن الاحتجاج السلمي يأتي في صلب العدالة الاجتماعية والبيئية والمساواة بين البشر والحق في التعبير، وإن أحداث الأسابيع الأخيرة التي تحصل في العالم هي خير دليل على واجب حماية وضمان حق الاحتجاج السلمي". وأضاف: "إذا واصلت الحكومة الدانماركية سعيها في إنزال العقوبات بحق الناشطين، فهي تهدد سمعتها كنموذج للدولة الديموقراطية وترتكب خطأ فادحاً لعدم اعترافها بالحق في الاحتجاج السلمي"، وختم بالتأكيد: "ان الجريمة الحقيقية لم يرتكبها هؤلاء الناشطون، بل يرتكبها قادة الدول باستمرار فشلهم في اتخاذ إجراءات لحماية المناخ".
هذه القصة بتفاصيلها، تطرح علامات استفهام كثيرة حيال محاكمة ناشطي "غرينبيس" خصوصاً وأن "مزحتهم" جاءت بمثابة صرخة كان الهدف أن تصل إلى قادة الدول المعنية بمشكلة التغير المناخي، فهل نجح ناشطو "غرينبيس" في إيصال هذه الصرخة؟ أم أن "مزحتهم" صرفت النظر عن المشكلة الأساس الناجمة عن تمسك الدول الأكثر تلويثاً للكوكب بسياساتها العشوائية؟
ما يمكن تأكيده في هذا السياق أن "غرينبيس" هي الحلقة الاضعف وسط جشع الدول الكبرى، وقدرتها على استغلال "مزحة" وتحويلها جريمة تستدعي العقاب والقصاص؟!