"غدي نيوز"
تصدَّرت مشكلة مطمر الناعمة – عين درافيل الاهتمام طوال الاسبوع الماضي، في تحرك نجح وبحدود كبيرة في إعادة التصدي لفضيحة كان من المفترض ألا تكون محكومة بفترات طويلة من التراخي امتدت ست عشرة سنة، رغم إطلاق تحركات في فترات متفاوتة واكبت ووثقت الارتكابات المخالفة لعقد الدولة مع الشركة المتعهدة، وتصدت لاستملاك أراضٍ جديدة وإن لم تتمكن من وقف استملاك أراضٍ شاسعة من خراج بلدة عين درافيل، وهي من قرى العودة التي اصطدم أبناؤها العائدون بـ "جبل النفايات"، فبدلاً من مواكبة عودتهم بإعادة تأهيل وبناء البنى التحتية أعرض معظمهم عن العودة، في ما عدا قلة منهم آثروا البقاء لضيق ذات اليد، ولأن مشروع العودة اضطرهم إلى إخلاء منازل كانت ملاذهم في سنوات الحرب والتهجير.
لا يعني ذلك أن القرى القريبة كانت في منأى عن الأخطار التي تسبب بها المطمر، وهنا، ثمة ملف آخر لا بد أن يثار على نطاق واسع، متعلق بالأضرار الصحية التي طاولت المواطنين، منهم من قضى بأمراض مستعصية ومنهم من يعاني تبعات هذه الأمراض، ما يفترض إحالة ما تم توثيقه في هذا المجال إلى القضاء المختص، وتكفل الشركة المخالفة لأصول العقد بالطبابة والاستشفاء والتعويض عن عائلات فقدت معيلها أو أحد أفرادها، خصوصا في حالات الامراض الرئوية والجلدية التي يتم إثبات ارتباطها بتنشق السموم المنبعثة من مئات المداخن التي تنفث غاز الميثان في فضاء المطمر والمناطق المحيطة، لا سيما وأن الشركة المعنية كانت سخية في هباتها المالية لتأمين ديمومة مخالفاتها، في وقت كان عليها أن تكون سخية في تأمين موجبات الالتزام بشروط العقد، بمعنى المطمر الصحي المخصص للعودام، وليس المكب والمطمر العشوائي.
وهذا ملف لا يمكن إغفاله، ويتطلب لاحقاً تشكيل لجنة طبية لدراسة ملف كل مريض يثبت ارتباط مرضه بالسموم المنبعثة من المطمر، والتي طاولت الهواء والتربة والمياه، خصوصا أنه في فترات سابقة عمد القيمون على المطمر إلى معالجة مياه السواقي الطبيعية بمادة الكلس وتم تحويل بعضها الى البحر أيضا بعد أن امتزجت بمياه النفايات العضوية، فضلاً عن أن النتائج المترتبة عن وجود المطمر قد تستمر لعشرين سنة أو أكثر، في ما لو تم إقفاله اليوم، هذا إذا سلمنا جدلا أن الكميات المطمورة تقتصر 20 مليون طن فحسب، ذلك أن ثمة إجراءات تتطلب تقنيات متطورة لتفكيك المطمر وهي عملية طويلة ومعقدة ولا تخلو من مخاطر، بالاستناد إلى تجربة المطمر نفسه، وسط حال الفساد وغياب سلطة مركزية رقابية قادرة على تصويب ما قد يعتور هذا العمل من مخالفات أيضا.
إلا أن القيمين على المطمر حددوا أولوية واحدة، وهي إقفاله واستقباله للعوادم فقط حتى 17-1-2014، قبل فتح ملفات عدة متصلة بمشكلة المطمر، وهم تمكنوا هذه المرة من إيصال الصوت إلى أبعد من جغرافيا الطمر، وفجأة تصدرت مشكلة النفايات الصلبة المشهد كقضية وطنية، وإن كان ثمة جهات وظفت مشاركتها لتكون في دائرة الاعلام، وهذه عادة لبنانية راسخة في من يوظفون الوجع لأغراض خاصة وإن تزينت شعاراتهم بالبيئة والصحة والمناقب.
لكن الخاتمة، أي انفضاض الاعتصام بالقوة، أبقى المعتصمين "عراة" من احتضان شعبي في لحظات المواجهة مع القوى الأمنية، حتى أنه كانت ثمة نداءات استجداء للحضور إلى المطمر، حين قرر القيمون على التحرك المضي حتى النهاية، وهذه إشكالية - وإن تم تظهيرها كـــ "إنجاز"، أفضت إلى التسليم بالأمر الواقع، في لحظة بدا فيها المضي في قطع الطريق أمام الشاحنات تحدٍ للنائب وليد جنبلاط ما يفسر إحجام كثيرين عن تلبية "نداء" المواجهة.
وهنا، لم يقرأ المعتصمون الإشارات الايجابية، ومنها أن موقف جنبلاط عينه جاء نتيجة وقفتهم وتلبية لمطالبهم، وهو موقف اتسم بالعقلانية والهدوء، فضلا عن أن جنبلاط قيد نفسه أيضا بالتزام واضح وصريح، وهو الآن مطالب بتنفيذه، إضافة إلى أن البلديات لم تتمكن من مجاراة المعتصمين بعدها، فآثرت الحياد التزاماً بما استجد من معطيات، حتى وإن كانت بعض البلديات مستفيدة من "عطاءات" الشركة المتعهدة على ما أشار عن أحد المشاركين في الاعتصام.
في المحصلة، لا بد من قراءة نقدية لهذا التحرك من قبل القيمين عليه، أي بحث الايجابيات والسلبيات، واستخلاص استنتاجات والبناء عليها في المرحلة المقبلة. مع التأكيد أن الصوت وصل هذه المرة إلى أبعد مما كنا نتوقع، وهذا هو الانجاز الحقيقي والأهم، لكن في المقابل، المطلوب في هذه اللحظة عدم التراخي أيضا، وابقاء التحرك قائما كمهمة يومية، وثمة أساليب كثيرة تمثل قوة ضغط، وهذه المرة على من التزموا تاريخ 17-1-2015 موعدا نهائيا لاقفال المطمر.
القيمون على الاعتصام حددوا موقفا لجهة إعطاء الحكومة الجديدة مهلة خمسة عشر يوما لـ "تنفيذ الوعود"، وهذه مسألة مهمة لجهة أن تكون قضية المطمر أولى تحديات الحكومة المقبلة.
أنور عقل ضو