يفتك عدد من الأمراض، ومن بينها "عين الطاووس" والفطريات، ببساتين زيتون حاصبيا ومنطقتها، مهددة الثروة الزراعية الرئيسية التي يعتاش منها حوالي 85 في المئة من السكان. وبدأت تظهر عوارض تلك الأمراض منذ ثلاثة أشهر على أوراق وأغصان مئات الأشجار المعمرة والمتوسطة العمر، فذبلت واصفرت، ليصل الكثير منها إلى حد اليباس، في ظل عدم اكتراث وغياب أي معالجات جديّة من الجهات المعنية.
ولم يتمكن مزارعو الزيتون، كما يقول المزارع علي يونس من "التصدي بمفردهم، وبإمكانياتهم المتواضعة، لخطر تلك الأمراض، التي تملكت وبقوة من بساتين الزيتون، فنسبة الذين يلجأون إلى رشّ المبيدات، لا تتعدى خمسة في المئة من مجمل المزارعين. وذلك بسبب غلاء أسعار الأدوية والكلفة المرتفعة لعملية الرش"، ما يعني أن نتائج المكافحة المنفردة ستكون محدودة، وغير مجدية، وخسارة إضافية على المزارع. ويطالب المزارعون وزارة الزراعة بـ "مكافحة واسعة وشاملة للمرض".
وينتشر مرض عين الطاووس في معظم بساتين زيتون حاصبيا والعرقوب، وأكثر المناطق المتضررة، حسب المزارعين ورؤساء التعاونيات الزراعية، في الأودية والمناطق المنخفضة، خاصة تلك الواقعة إلى الشمال من نبع الحاصباني، وعند الأطراف الغربية لحاصبيا، وفي قاطع ميمس ومحيط سوق الخان، والمدخل الغربي لبلدة الفرديس. "وتتوسع رقعة المساحات المصابة بشكل سريع في كل اتجاه"، كما يقول المزارع فؤاد زويهد، الذي يوضح أن "الإصابات متفاوتة بين بستان وآخر، فمرض عين الطاووس بدا واضحا على الأوراق والأغصان التي ضربها الذبول واليباس، ليضاف إلى مرض الفطريات أيضا، التي كست جذوع الأشجار وأغصانها، لتزيد بدورها من هلاك البساتين". ويعتبر زويهد أنه "ينبغي أن تشمل العناية أكثر من مليون شجرة في المنطقة، وذلك لا تنفع معه إلا العناية الشاملة بإمكانيات وتقنيات متطورة". ويقترح زويهد الاستعانة بمروحيات قوات الطوارئ الدولية لرشّ المبيدات.
ويستغرب لبيب الحمرا "تجاهل الجهات المعنية لخطر الأمرض ونتائجها السلبية على الإنتاج الزراعي المحلي، فما قدمته الدولة حتى الآن اقتصر على كمية قليلة من مبيد الجنزارة، حيث تم تسليم كميات غير كافية منه إلى بعض البلديات في المنطقة، لتقوم بدورها في توزيعها على المزارعين". ويلفت إلى أن بعض البلديات وضعت "شروطاً على المزارع، حتى يحصل على المبيد، ومنها أن يكون مسددا لكافة الضرائب المتوجبة عليه للبلدية، ما عرقل إلى حد ما عملية المكافحة، فالربط بين الحصول على المبيد وتسديد الضرائب والرسوم للبلديات غير قانوني، بل مخالفة يجب تجاوزها". ويستغرب المزارع أبو وجيه حسن يحيى "الاستخفاف الحاصل بحق المزارعين. يقف المزارع مربكاً أمام بستانه الذي يذوي من دون أن يكون عنده أي حيلة للحد من تفاقم المرض"، لافتاً إلى "ارتفاع أثمان الأدوية، وعدم توفر وسيلة ناجحة في رش المبيدات".
ويشير رئيس "تعاونية مزارعي زيتون عين قنيا – شويا" فايز الخفاجة إلى "أننا كنا قد نبهنا ومنذ عدة سنوات كافة الجهات المعنية من خطر ذلك المرض. وطالبنا بوضع خطة لمواجهته قبل استفحاله. وكانت وزارة الزراعة قد قدمت للتعاونيات العام الماضي كمية غير كافية من المبيدات. وتركت للمزارع وحده وعلى همته رشّ كرومه المصابة. وذلك غير مجد إطلاقا"، لافتاً إلى "افتقار المنطقة لمرشدين زراعيين، فالإرشاد الزراعي تقوم به وبشكل خجول بعض التعاونيات الزراعية، ومؤسسات خاصة محلية ودولية عبر ندوات، أو جولات ميدانية على البساتين". ويحدد نائب رئيس "الجمعية الزراعية للعناية بالزيتون والزراعات البعلية والنحل" نهاد ابو حمدان، "كلفة رشّ الدونم من الزيتون بـ 50 ألف ليرة، (أجرة عمال وثمن أدوية وبدل مضخة الرش). وهو مبلغ مرتفع، ويعجز أكثر المزراعين عن دفعه، لذا نجد أن نسبة كبيرة من المزارعين يتركون بساتينهم من دون رش"، مطالباً بـ "خطة دعم عاجلة للجمعيات والتعاونيات الزراعية، لتتمكن من القيام بواجباتها تجاه المزارع، فلا يجوز أن تبقى التعاونيات عاجزة عن القيام بالمهام التي وجدت لأجلها، في ظل حرمانها من حقوقها".
في المقابل، أشار مصدر في "مصلحة الزراعة في النبطية" إلى أن "الوزارة سلمت كميّة من المبيدات إلى عدد محدّد من البلديات، وذلك من ضمن مشروع شامل لمكافحة أمراض الزيتون، على أن توزعها على المزارعين بشكل عادل، ومن دون أيّ شروط. كما تم تزويد بعض التعاونيات بنشرات إرشادية، على أمل أن تتمكن الوزارة من تفعيل أعمال مكافحة تلك الأمراض بشكل فعال وناجع ابتداء من العام المقبل".
المرض ومكافحته
يذكر أن مرض عين الطاووس، كما يشرح الخبراء الزراعيون، هو "أخطر الأمراض التي تصيب شجرة الزيتون في المناطق الساحلية المتوسطية. وتزداد شدته وانتشاره في الشريط الساحلي والمناطق الملاصقة له، وفي المناطق التي تتوفر فيها الظروف البيئية الملائمة لنمو المرض وتطوره". وينتشر المرض بشكل خاص في المناطق التي تهطل فيها معدلات مطرية مرتفعة، أو التي يسود فيها الضباب والزراعات الكثيفة، وخاصة في الوديان والمنخفضات والمناطق السهلية المحاطة بالجبال.
وتتميز أعراض مرض عين الطاووس بظهور بقع على الأوراق وأعناقها وعلى الثمار. وقد تظهر البقع على الفروع الغضة في حالة الانتشار الوبائي للمرض. في البداية تظهر البقع على السطح العلوي للأوراق على شكل دائري، داكنة الحواف، مركزها يميل للون الأصفر، تتراوح أقطارها بين 0,5 - 1,5 سنتيمترا. ومع تقدم الإصابة يصبح لون البقع زيتياً محاطاً بهالة مصفرة ينفصل مركز البقعة عن الهالة بفاصل مخضر لتأخذ شكلاً مشابهاً للعيون الموجودة على ريش الطاووس.
ويحدد الخبراء المعالجات الناجعة بالحراثات، والتقليم، والتسميد المتوازن. فمن المفضل تنفيذ الحراثة الخريفية مباشرة بعد القطاف والربيعية قبل تفتح الأزهار التي تعمل على طمر الأوراق المصابة والمتساقطة تحت الأشجار. فيما يتضمن التقليم إزالة الفروع المصابة والميتة وتقليل كثافة النمو، ما يسهّل دخول الهواء وتقليل الرطوبة داخل الأشجار، وزيادة تعرضها لأشعة الشمس الأمر الذي يضعف من فرص حدوث الإصابة وتطورها. ويهدف التسميد المتوازن إلى تقوية نمو الأشجار ورفع درجة تحملها للإصابة لتعويض النموات والأوراق التي فقدت، ويتم ذلك باستخدام الأسمدة البلدية المتخمرة في حال توفرها بمعدل 60 كيلوغرام للشجرة البالغة كل عامين أو ثلاثة أعوام . ومما يقلل فرص الإصابة بالمرض مكافحة الأعشاب بالطرق الكيماوية أو بعمليات الخدمة الزراعية، الذي من شأنه أيضاً تقليل الرطوبة النسبية المحيطة بالأشجار.
أما عن مكافحة المرض بالمبيدات الفطرية، فيتضمن برنامجها إجراء رشة أولية في الخريف، بعد القطاف، وقبل سقوط الأمطار بفترة كافية تسمح لإعطاء المبيد أثره الفعال. بالإضافة إلى رشة أو رشتين خلال شهر آذار ونيسان، وخلال أيام الصحوة الخالية من الرياح والأمطار. ويفضل القيام برشة إضافية خلال أشهر الصيف، وفي المواقع التي يتركز فيها المرض.